وقال تعالى:{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ}. (الملك:25-26).
وأوضح النبي صلَّى الله عليه وسلّم هذا المعنى في الحديث الصَّحيح عندما سأله جبريل عليه السّلام : ((متَّى السَّاعة ؟))؛حيث أجابه : ((ما المسؤول عنها بأعلم من السَّائل)). (أخرجه البخاري ومسلم).
إنَّ السَّاعة اسم من أسماء يوم القيامة، ويوم القيامة هو الحادثة الكونية العظمى التي تطوى عندها السماوات والأرض وينتثر فيها هذا النظام الكوني، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى :{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}. (إبراهيم:48)، ويقول: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}. (الأنبياء:104).لتذكير المؤمنين بالسَّاعة وضرورة الإعداد لها، أخبرنا القرآن الكريم والسنة النبوية بأشراط وعلامات على قدومها واقترابها، اصطلح عليها العلماء بالأشراط والعلامات الكبرى
وقد أخفى الله سبحانه موعد هذا الحدث وزمنه والوقت الذي يكون فيه على النَّاس جميعهم، بما فيهم الأنبياء والرسل الكرام، فليس لأحدٍ – كائناً من كان – سبيل إلى معرفة ما بقي من عمر الدنيا، ومن يدّعي علماً فهو إمَّا جاهل أو كاذب.
ولتذكير المؤمنين بالسَّاعة وضرورة الإعداد لها، أخبرنا القرآن الكريم والسنة النبوية بأشراط وعلامات على قدومها واقترابها، اصطلح عليها العلماء بالأشراط والعلامات الكبرى، ولا شكَّ أنَّ جملة هذه العلامات ممَّا هو معلوم من الدّين بالضرورة، فلا يجوز للمسلم أن ينكرها لأنها داخلة في الأمور والحقائق الغيبية التي حثنا المولى عزَّ وجل على الإيمان بها.
يقول الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام في الحديث الصَّحيح : ((إنَّ السَّاعة لا تقوم حتَّى تكون عشر آيات : الدّخان، والدَّجَّال، والدَّابة وطلوع الشَّمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى، وفتح يأجوج ومأجوج، ونار تخرج من قعر عدن تسوق النَّاس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا)). (رواه السيوطي في الجامع الصغير).
فإذا ظهرت هذه العلامات لا ينفع إيمان إنسان حينئذ إلاَّ ما قد أسلف من إيمان، وما قدَّم من عمل صالح، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً : طلوع الشمس من مغربها و الدجال و دابة الأرض)). (رواه مسلم).
وسنتناول في هذا الموضوع علامة من علامات السّاعة التي وردت بالخبر القطعي، فصار الإيمان بها واجباً؛ وهي: ظهور الدَّجال وفتنه ..
وصفه : في الحديث الصَّحيح : ((أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمَّة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماءً، متكئاً على رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا ؟ فقيل لي: المسيح ابن مريم، ثمَّ إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنَّها عنبة طافية فسألت من هذا ؟ فقيل لي : المسيح الدَّجال)). (رواه البخاري).
وفي الحديث الحسن قوله عليه الصَّلاة والسَّلام : ((أمَّا فتنة الدَّجال، فإنَّه لم يكن نبي إلاَّ قد حذَّر أمته وسأحذركموه بحديث لم يحذّره نبي أمته، إنَّه أعور، وإنَّ الله ليس بأعور، مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كلُّ مؤمن)). (رواه أحمد في مسنده والسيوطي في الجامع الصغير).
قال الإمام النووي : (الصَّحيح الذي عليه المحققون أنَّ هذه الكتابة على ظاهرها، وإنَّها كتابة حقيقية جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه).
وفي الحديث عن عبادة بن الصَّامت : ((إنِّي حدثتكم عن الدَّجال حتَّى خشيت أن لا تعقلوا إنَّ المسيح الدجال رجل قصير أفحج جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة و لا حجراء، فإن ألبس عليكم، فاعلموا أنَّ ربكم ليس بأعور، وأنَّكم لن تروا ربَّكم حتَّى تموتوا)). (أخرجه أحمد في مسنده وهو حديث صحيح).((مَنْ حفظ عشر آيات من أوَّل سورة الكهف عُصِمَ من فِتنة الدّجال)) (رواه مسلم)
خروجه : يقول عليه الصَّلاة والسّلام : ((إنَّ الدّجال يخرج من قبل المشرق من مدينة يقال لها: خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة)). ( رواه السيوطي في الجامع الصغير وهو حديث صحيح).
وينتقل إلى البلدان كلّها إلاَّ مكة والمدينة، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس من بلد إلاَّ سيطؤه الدجال إلاَّ مكَّة والمدينة وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة حافين تحرسها فينزل بالسبخة فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات يخرج إليه منها كل كافر ومنافق)). (رواه البخاري ومسلم).
ويتبع الدَّجال في دعواه اليهود والمنافقون، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة و المدينة فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه فترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج إليه كل منافق و منافقة)). (رواه أحمد في مسنده وهو حديث صحيح على شرط مسلم)، وعن أنس أيضاً قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألف عليهم الطيالسة)). (رواه مسلم).
خوارق وأفعال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم : ((إنَّ مع الدجال إذا خرج ماءً و ناراً، فأمَّا الذي يرى النَّاس أنَّها النَّار فماء بارد، وأمَّا الذي يرى النَّاس أنَّها ماء بارد فنار تحرق، فمن أدرك منكم فليقع في الذي يرى أنَّها نار، فإنَّه عذب بارد)). (رواه السيوطي في الجامع الصغير وهو حديث صحيح).
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فيلقاه المسالح مسالح الدجال فيقولون له : أين تعمد ؟ فيقول : أعمد إلى هذا الذي خرج فيقولون له : أو ما تؤمن بربنا ؟ فيقول : ما بربنا خفاء فيقولون : اقتلوه فيقول بعضهم لبعض : أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحد دونه ؟ فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال : يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيأمر الدّجّال به فيشبح فيقول : خذوه و شجوه فيوسع بطنه و ظهره ضرباً، فيقول : أمَّا تؤمن بي ؟ فيقول : أنت المسيح الكذَّاب، فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له : قم فيستوى قائماً، ثمَّ يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلاَّ بصيرة، ثمَّ يقول : يا أيّها النَّاس، إنَّه لا يفعل بعدي بأحد من الناس فيأخذه الدَّجَّال فيذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً، فلا يستطيع إليه سبيلا فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب النَّاس أنما قذفه في النَّار، وإنَّما ألقي في الجنَّة، هذا أعظم النَّاس شهادة عند رب العالمين)). (رواه مسلم).
مكوثه وقتله : عن ابن عمر رضي الله عنهما : ((يخرج الدَّجَّال في أمتي فيمكث أربعين، فيبعث الله تعالى عيسى ابن مريم كأنَّه عروة بن مسعود الثقفي فيطلبه فيهلكه)). (رواه مسلم)
ويشارك في قتل الدَّجال الفئة المؤمنة، عن عمران بن الحصين: ((لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتَّى يقاتل آخرهم المسيح الدَّجَّال)). (رواه أبو داود في سننه، قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه، ووافقه الذهبي).
الاستعاذة من فتنته: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم يكثر من الاستعاذة من شرّ فتنة المسيح الدَّجال، التي هي أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق الله آدم عليه السَّلام إلى قيام السَّاعة، عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الدَّعوات : ((اللهمَّ فإنِّي أعوذ بك من فتنة النَّار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر، وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدَّجَّال)). (رواه البخاري).
وقد نصح النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام أمَّته بحفظ عشر آيات من سورة الكهف لأنَّها تعصم من الدَّجَّال، فقال: ((مَنْ حفظ عشر آيات من أوَّل سورة الكهف عُصِمَ من فِتنة الدّجال)). (رواه مسلم).