عبرت في مقالي الأخير عن مخاوفي فيما يخص علاقة مجموعة من الشباب في جماعة الإخوان المسلمين، وبعض المسؤولين في الجماعة فقلت: إلى أين تسير الجماعة في تعاملها مع الشباب، إن قلبي ينفطر مما يصلني من بعض الشباب من ممارسات بعض المسؤولين معهم، لماذا نضع الشباب بين خيارين أحلاهما مر: إما أن يضرب رأسه في الحائط، وإما أن ينفجر في الجماعة.
وقد حملت الأيام الفائتة خبر تكوين مجموعة من شباب الجماعة، مع عدد من شباب الثورة، حزبا حمل اسم (التيار المصري)، وهو ما يعني خلافا آخر، وربما صداما آخر بين بعض الشباب، وقيادات الجماعة، وأرى خروجا من هذا الخلاف، وحلا للأزمة، أن تتبنى الجماعة هنا منهج الإمام حسن البنا في التعامل مع مثل هذه القضايا، ومنهجه في التعامل مع الشباب بوجه عام.
فعدم الانسجام أو عدم التفاهم للأسف، بين بعض ناشطي شباب الجماعة، وبين بعض المسؤولين في الجماعة، لو نظرنا إلى نموذج الخلاف الذي دار بين شباب ائتلاف الثورة الممثلين للإخوان، قبل فترة قصيرة، والإعلان أنه لا يوجد ممثلين للجماعة، هناك نموذج مماثل حدث مع الإمام البنا، ولكن كان تصرفه مختلف تماما عما حدث، لقد أرسل الإمام حسن البنا الشاب سعيد رمضان الطالب بكلية الحقوق ليحضر لقاء يمثل فيه جماعة الإخوان المسلمين، بحضور السنهوري باشا القانوني الكبير المعروف، ومعظم من حضروا كانوا قامات تقترب من السنهوري، وفوضه حسن البنا ليكون متحدثا ومتصرفا باسم الإخوان، وفق ما اتفقوا عليه من أسس عامة، وما يطرأ عليه من أمور يحكم فيه فهمه للدعوة.
وأرسل حسن البنا الشيخ عبد المعز عبد الستار الشاب الذي لم يصل سنه الثلاثين عاما آنذاك، ليحضر مؤتمرا يخص القدس وقضية فلسطين، وجاءه بتقرير واف عن الأوضاع، فقال له: يا أستاذ بنا إسرائيل قائمة بكل أركانها، ولا ينقصها شيء سوى الإعلان، وكان ذلك سنة 1947م. وقد قام الأزهري الشاب عبد المعز عبد الستار بموقف هيج بعض الساسة في دمشق، فقد تكلم كلاما ينصف الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس، وقد كان مبعدا آنذاك عن فلسطين، ومع ذلك لم يلمه حسن البنا، بل خوله تماما ليتصرف، ولا مانع أن يصيب الشاب أو يخطئ فلن يكون رمزا من لا شيء، ولن يكون رمزا مرهونا في كل صغيرة وكبيرة، بالعودة إلى مسؤوليه.
لقد خرج مجموعة من شباب الإخوان ثائرين على حسن البنا، وقاموا بتأسيس جماعة أخرى سموها: (شباب محمد)، فلم يكن من حسن البنا إلا أن ذهب إليهم مهنئا، واستأجروا مقرا لهم، احتاجوا فيه إلى أن يجمعوا تبرعات له، فكان الإيصال رقم (1) باسم حسن البنا.
هناك فقه أعرج يسود للأسف عند البعض في قضية التعامل مع المخالف للجماعة، سواء في الفكر أو في طريقة الأداء والإدارة، أن الدعوة بنا وبغيرنا، ولكن نحن بالدعوة ولسنا بغيرها، وهو كلام صحيح لو كان الكلام مقصودا به دعوة الإسلام، أما لو قصد به جماعة من الجماعات الإسلامية، فالجماعة نعم بنا وبغيرنا، ونحن بها وبغيرها كذلك.
النظرة الأخرى المخطئة، ما يسود لدى البعض، من أن كل من خرج من الجماعة لم تختم حياته بخير، وأنه عاش عيشة ضنكى، فهو كلام فارغ من أي دليل شرعي أو واقعي، وهو يحول بدون أن ندري أي عمل إسلامي، من جماعة من المسلمين، إلى جماعة المسلمين، لأننا نتحدث عن وسائل وليس عن أهداف وغايات، ومعلوم أن معظم من اختلفوا مع تنظيم الإخوان المسلمين، كان خلافا في الإدارة وليس خلافا في الفكرة الرئيسية والأهداف العامة، ومعظمهم خرج وكان له دور أكبر من دوره داخل التنظيم، إلا ما كان خروجه لهوى شخصي، ولنمسكهم فردا فردا، بداية من الشيخ محمد الغزالي، والسيد سابق، والبهي الخولي، وعبد العزيز كامل، والباقوري، حتى الباقوري الذي قال بسمو نفس، وصدق ضمير للهضيبي عند توليه وزارة الأوقاف: شهوة نفس يا مولانا، فقد كان الرجل صادقا، ولم يدع شيئا آخر، ومع ذلك هو الذي رفع من مكانة الغزالي والسيد سابق والبهي الخولي في وزارة الأوقاف، وعين عشرة من الإخوان المسلمين من الممنوعين أمنيا منهم الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ أحمد العسال، وذهب إلى عبد الناصر بنفسه، وقال: أنا أضمنهم.
وحكى محمود عبد الحليم في كتابه (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) أنه قصده في خدمتين، خاصة وعامة، فكان عند حسن الظن به، وأعطاه أرقامه الخاصة ليتصل به في أي وقت شاء، ولأي خدمة كانت، ورغم ما تلوكه الألسنة على الباقوري والربط بينه وبين من يكون حاله كحال الباقوري، فماذا كان رد فعل مرشد الجماعة الأستاذ حسن الهضيبي، ذهب إليه في اليوم التالي لخروجه من الإخوان، وزاره في مكتبه في وزارة الأوقاف مهنئا له، لأنه لو خرج من التنظيم، فقد بقي رمزا وأخا مسلما في دعوة الإسلام الكبرى.
خرج مجموعة من شباب الإخوان ثائرين على حسن البنا، وقاموا بتأسيس جماعة أخرى سموها: (شباب محمد)، فلم يكن من حسن البنا إلا أن ذهب إليهم مهنئا، واستأجروا مقرا لهم، احتاجوا فيه إلى أن يجمعوا تبرعات له، فكان الإيصال رقم (1) باسم حسن البنا
يا فضيلة المرشد، لقد توسمت ـ ولا زلت ـ فيك الخير، عندما حدثت عن موقفك عندما أمسكت بإحدى النقابات، وخوفوا موظفة مسيحية، بأن الإخوان لا يحبون غير الإخوان، وأنت مسيحية، فقلت لها: سوف نعاملك برد جميل النجاشي، ولما سألتك عن معنى كلامك: قلت لها: لقد كان هناك ملك مسيحي اسمه النجاشي، وقد أحسن إلى المسلمين، فنحن في رقبتنا دين لكل مسيحي منصف، ونعامله بجميل النجاشي، وهي نظرة منصفة، ومعتدلة، وكلها إنسانية، وحبذا لو أيضا عاملنا كل من كان لهم يد وعطاء في هذه الجماعة، شيوخا وشبابا، فلنعاملهم أيضا بجميل السبق، والعطاء، والتفاهم والإخاء. فليس مقبولا أن نأخذ بالأحضان، ونرفق ونتودد لمن يخالف ابتغاء حياده وإنصافه، في مقابل أننا نقلب ظهر المجن لمن يخالف في رؤية أو فكرة، أو طريقة إدارة العمل.
لقد ضاعت وغابت أسماء من فصلوا الغزالي والسيد سابق، ولا يعلم أحد أسماءهم، ولكن بقي الغزالي والسيد سابق نجمين كبيرين من نجوم الإسلام، ودعاته وحماته. وعلى علو كعب نجم الدين أربكان رحمه الله، ودوره الذي لا ينكره أحد في أسلمة تركيا، والعمل السياسي فيها، إلا أن الناس لم تنس له موقفه الحاد من تلامذته الشباب الذين قاموا بإنشاء حزب آخر، وصل إلى سدة الحكم في تركيا، وكانت ستحسب له لو أنه أقام تحالفا، أو تفاهما يحفظ على الطرفين الود، بدل التجافي والتلاسن على الفضائيات والصحف.
ومطلوب من الحركة الإسلامية في مصر ممثلة في الإخوان، التفاهم مع الشباب، والتنسيق، وهي تجربة يقومون بها، فإما أن يخفقوا، ويظل باب الجماعة مفتوحا لهم، وهو حقهم، وإما أن ينجحوا، وسيكون ذلك رصيدا يضاف للجماعة وليس خصما لها، ووضع الشباب أمام خيار واحد، ليس مقبولا في زمن تتعدد في الاختيارات، فلو كان حزب الجماعة يلبي رغباتهم ما ولوا وجوههم شطر إنشاء حزب آخر، وهو نفس ما تقوم به الجماعة من عدم اختيار مذهب فقهي لها، وكذلك لا يوجد مذهب سياسي للجماعة، ولا مذهب اقتصادي، ولا مذهب اجتماعي، فمن يؤمن في الإخوان بمذهب اقتصادي معين، لا يتعارض مع الإسلام لا مانع، ومن يتزوج من الإخوان من غير الإخوان لا يفصل ولا يعاقب، وهو ما يجعل جماعة كالإخوان فيها هذا القدر الكبير من المرونة، وقبول الآخر، فإذا لم يكن للجماعة مذهب اجتماعي، ولا اقتصادي، ولا فقهي، فلماذا نصر على مذهب واحد سياسي، إن صح أن الحزب مذهب؟!!
كنت أتمنى قبل أن يصدر فضيلة المرشد والإخوان كلمتهم بأن من ينضم لحزب غير حزب الحرية والعدالة يفصل، بأن تقوم دراسات وبحوث أولا، بدل تصريح عفوي يخرج غير مدروس، تخبرنا هذه البحوث والدراسات عن هل يفيد الجماعة وجود أكثر من حزب من داخلها أم لا؟ وهل يترك حرية اختيار الأفراد ليتحزب كل منهم في أي حزب يحب، إضافة لحزب الجماعة أم لا؟ وهل هذا يزيد من انتشار الأفراد بفكرهم الوسطي المعتدل داخل الأحزاب الأخرى، وهو ما يعد ثراء لها ولهم، أم لا؟ كل هذه قضايا كانت تحتاج لدراسات وبحوث قبل أن يصدر رأي بغيرها.
قديما كان يسود القول القائل: الدعوة تنفي خبثها، وأخشى ما أخشاه أن تصبح الدعوة الآن تنفي طيبها لا خبثها، فليس كل ما يلفظ الآن خبث، بل ربما أبقينا الخبث ونفينا الطيب دون أن ندري.
المصدر : صحيفة المصريون - مصر