مر على دعوة الإسلام أكثر من 14 قرن ومازال الخير بالأمة فهي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ).. هذا الثبات دليل قوة هذه الأمة، ومن أسباب هذه القوة عنصر عظيم من عناصر الإسلام وذروة سنامه ألا وهو الجهاد.
والجهاد له عدة مراتب، فهو الفريضة الماضية إلى يوم القيامة، والمقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من مات ولم يغز ولم ينو الغزو مات ميتة جاهلية ) , وأول مراتبه إنكار القلب, وأعلاها القتال في سبيل الله, وبين ذلك جهاد اللسان و القلم واليد وكلمة الحق عند السلطان الجائر, ولا تحيا دعوة إلا بالجهاد, وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها, تكون عظمة الجهاد في سبيلها وضخامة الثمن الذي يطلب لتأييدها , و جزالة الثواب للعاملين.. ((وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ).
وينقسم الجهاد بهذا الشكل إلى جهاد المجتمع للعدو الخارجي، وجهاد الفرد المسلم لنفسه ، وجهاد الفرد المسلم للمنكر من حوله.
عناصر الجهاد
جهاد العدو لا نستطيع أن نحققه إلا بعد أن نحقق العنصر الثاني والثالث، فجهاد النفس يمكن أن يتحقق بعدة أشياء منها:
1- تجفيف منابع المعصية بالبعد عن ما نهى الله عنه وتجنب أماكن اللهو والمعاصي وتجنب كل عمل يؤدي على المعصية واتخاذ صحبة صالحة.
2- تجنب الصغائر التي تؤدي حتما بالإصرار إلى ارتكاب الكبائر.
3- الحرص على عدم الوقوع في بعض المعاصي التي اعتادها الناس ولا يحسون أنها معاصي كالغيبة والنميمة وإطلاق البصر إلى ما حرم الله وغيرها .... هذه المعاصي تجعل الطاعة ثقيلة على النفس.
4- الانتباه إلى أمراض القلوب مثل الرياء والعجب والكبر.
5- الصبر على الطاعة فقد خاطب الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قائلا (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها )
6- إضفاء القدسية على الطاعات كالصلاة والصيام والحج وغيرها فقد قال الله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، فتعزيز هذه الطاعات في النفوس وتقديسها يصلح القلب ويعين على حب الطاعة.
7- محاسبة النفس فقد كان سيدنا عمر رضي الله عنه من شدة خوفه من الله تعالى يحاسب نفسه حساباً عسيراً، فإذا خيل إليه أنه أخطأ في حق أحد طلبه، وأمره بأن يقتص منه.
وضرب النبي مثلا لمن يأتي بطاعات كثيرة ولكن لم يستطع أن يمنع نفسه من ارتكاب المعاصي حتى أصبح من أصحاب النار فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم "أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، قال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" .
فهذا المفلس قد فعل الكثير من الطاعات ولكنه لم يستطيع أن يجاهد نفسه ويمنعها من اقتراف الآثام وهذا أشد على النفس من أداء الطاعة فكما نعلم أن النفس أمارة بالسوء (إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ).
وقد أعطانا النبي طريقة لوقاية النفس من بعض الأمراض كالغضب فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أوصني قال لا تغضب فردد مرارا لا تغضب".
جهاد المسلم للمنكر حوله
وهذا الجهاد يتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد قال صلى الله عليه وسلم "والذي نفسه بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم "، وهذا نوع من الإيجابية التي يجب أن تكون في المجتمع المسلم (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ).
وهذا العمل يتطلب طريقة وأسلوبا ملائما يعين المخطئ على الرجوع للحق والإذعان له (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ).
ولعل ما شهدته مصر من أحداث الثورة يدل على أن الخير مازال بالمجتمع، فالثورة على الظلم والفساد إحدى مظاهر إنكار المنكر الذي نرجو من الله أن يظل في مجتمعنا حتى ينصلح حال البلاد والعباد .