العمل لدين الله عز وجل من أشرف الأعمال التي يؤديها الإنسان، فالدعوة هي عمل الأنبياء والصالحين من بعدهم، ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ))، [الاية 108 سورة يوسف].
ومهمة الدعوة هي من المهام الصعبة والشاقة، التي تحتاج إلى التفكير في الطرق والوسائل الصحيحة لإرشاد الناس وهدايتهم إلى طريق الله، والتخطيط السليم وقبل ذلك كله إلى الاخلاص والتجرد والتوكل على الله عز وجل.
وهذا الشرف لا يعطيه الله لأي إنسان، وإنما يختار الله ويصطفي من يحملون رسالته ويقومون بتبليغها، ويمدهم بمدد من عنده، ويرشدهم إلى الطريقة التي تفتح الطريق أمامهم (ادعُ إِلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربّك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )، [النحل : 125].
فالرسول صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة نتعلم منه كفاحه وعمله الدءوب ليلا ونهارا، فلا يكتفي بما يبذله طوال النهار من أمور الدعوة، ولكن إذا أتى عليه الليل قام بين يدي الله يدعوه ويطلب منه السند والعون فماذا كانت الثمرة؟.. دخل الناس على يديه في دين الله أفواجا وقام أصحابه التابعين رضوان الله عليهم بنشر هذا النور في أرجاء المعمورة، ولازال حتى الآن يقوم على الدعوة أناس وهبوا أنفسهم لله وتخلوا عن حطام الدنيا الزائل وراحوا يبيعون أنفسهم في سبيل الله، فكانوا ممن صح فيهم قول الله تعالى: ((إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفُسَهم وأموالَهم بأنّ لَهم الجنة))، [التوبة: 111].
لا يزال الدعاة جيلا بعد جيل يجددون للناس أمور دينهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها".
وجاء بعد رسول الله الكثير من الدعاة الذين جددوا ونشروا هذا الدين، وجاء الإمام حسن البنا فكان من أحد المجددين واستطاع أن يكوّن صرحا دعويا شامخا يحمل الرسالة والنور إلى البشرية جمعاء ويحمل الفهم الوسطي للإسلام فلا غلو ولا تفريط.
وهذا العمل الدعوي يحتاج من الداعية إلى عدة أمور كما قال الإمام حسن البنا رحمه الله:
1- إصلاح نفسه حتى يكون: قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره، وذلك واجب كل أخ على حدته.
2- وتكوين بيت مسلم، بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام في مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد، والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام، وذلك واجب كل أخ على حدته كذلك.
3- وإرشاد المجتمع، بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائمًا، وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عاملة.
4- وتحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي غير إسلامي سياسي أو اقتصادي أو روحي.
5- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدي مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة ولا عبرةَ بالشكل الذي تتخذه ولا بالنوع، مادام موافقًا للقواعد العامة في نظام الحكم الإسلامي، ومن صفاتها: الشعور بالتبعية، والشفقة، على الرعية، والعدالة بين الناس، والعفة عن المال العام، والاقتصاد فيه.
ومن واجباتها: صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة، وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة، ومن حقها- متى أدت واجبها-: الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال، فإذا قصرت: فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
6- إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
7- وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ﴾ (الأنفال:39)، ﴿وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (التوبة)
بهذا يكون الداعية محل اصطفاء الله عز وجل في الدنيا ليحمل مشعل الدعوة، ومحل اصطفاءه في الآخرة ليكون من ساكني الفردوس مع إمام الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم.