عذاب القبر ونعيمه .. حقائق إيمانية (3-3)

الرئيسية » بصائر التوحيد » عذاب القبر ونعيمه .. حقائق إيمانية (3-3)

تناولنا الحديث في الحلقتين السَّابقتين أمرين غَيْبِيَين يتعلّقان بالحقيقة الكبرى في هذا الوجود وهي الموت؛ حيث بيَّنا  في الحلقة الأولى كلَّ  ما يتصل بقبض الأرواح وملك الموت، وفي الثانية تناولنا  بالتَّفصيل سؤال القبر. وفي هذه الحلقة  الأخيرة من سلسلة (حقائق إيمانية عن الموت) نتناول بالحديث أمراً غيبياً آخر ذا أهمية كبرى ودلالة تربوية عميقة، ألا وهو عذاب القبر ونعيمه.

إنَّ عذاب القبر ونعيمه من الحقائق الغيبية التي ثبت الدّليل عليها بالخبر اليقيني المتواتر، ونعرض فيما يلي جملة من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية:
قال الله تعالى :{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } . (الأنعام:93).
وقال تعالى:{ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}. (محمّد:27).
وقال الله تعالى :{ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}. (غافر:45-46).

ومن الأحاديث النبوية؛ ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنّ النبي صلَّى الله عليه وسلّم مرَّ على قبرين فقال: ((إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لاَ يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ، قَالَ : ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ ، ثُمَّ جَعَلَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ فَقَالَ : لَعَلَّهُمَا أَنْ يُخَفِّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)).
وما أخرجه كذلك البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم قال: ((إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

ولهذه الأدلة القطعية الدّالة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه، أجمع العلماء على أنَّ الميّت يتعرَّض قبل النشور للعذاب أو النَّعيم، كلٌّ حسب حاله، وعليه فإنَّ إنكار النصوص قطعية الدِّلالة على عذاب القبر ونعيمه من أصله، قد تؤدّي بصاحبها إلى الكفر – والعياذ بالله- .

وللصحابة والتَّابعين أقوال في تفسير آيات دالة على عذاب القبر؛ منهم عبد الله بن مسعود إذا يقول: (إذا مات الكافر أجلس في قبره، فيقال له: مَنْ بّك ؟ وما دينك ؟ فيقول : لا أدري . فيضيق عليه قبره، ثمَّ قرأ ابن مسعود {فإنَّ له معيشة ضنكاً } قال: المعيشة الضنك عذاب القبر.
ومنهم عبد الله بن عباس في قوله سبحانه وتعالى: { ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر }  قال: (إنَّه عذاب القبر).
ومنهم قتادة بن دعامة السدوسي والرَّبيع بن أنس في قوله عزَّ وجل: {سنعذبهم مرتين } حيث قالا : (أحدهما في الدنيا والأخرى هي عذاب القبر).
من واجبات المسلم .. الاستعاذة من كلِّ ما استعاذ منه النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد ورد في الأحاديث السابقة أنَّه عليه الصًّلاة والسَّلام يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة نافلة أو فرضاً بعد التشهد الأخير.
وهناك طائفة من أمَّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلم يُؤْمَنُون من عذاب القبر، وهم الشهداء، حيث ورد عن قيس الجذامي - رجل كانت له صحبة - قال : قال رسول الله  صلَّى الله عليه وسلم  : ((يعطى الشهيد ست خصال : عند أول قطرة من دمه ، تكفر عنه كل خطيئة؛ ويرى مقعده من الجنة، ويزوج من الحور العين ، ويأمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر، ويحلى حلة الإيمان)).(أخرجه ابن ماجه في سننه، وأحمد في مسنده).

الاستعاذة من عذاب القبر

عن عروة بن الزبير أنَّ عائشة زوج النَّبي صلَّى الله عليه وسلّم أخبرته : أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يدعو في الصَّلاة : ((اللَّهم إنِّي أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من المأثم والمغرم)). (أخرجه البخاري في صحيحه).
وعن أبي بن كعب أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلّم قال : ((تعوَّذوا بالله من عذاب القبر)). (أخرجه الضياء المقدسي في المختارة).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((استعيذوا بالله من جهنم، استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من فتنة المسيح الدجال استعيذوا بالله من فتنة المحيا والممات)). (أخرجه البخاري في الأدب المفرد).
وعن أنس بن مالك قال: كان النَّبي صلَّى الله عليه وسلّم يقول: ((اللهم إنِّي أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر)). (أخرجه البخاري في الأدب المفرد).

من واجبات المسلم

- الإيمان العميق بثبوت العذاب والنعيم في القبر والاستعداد لذلك بالعمل الصالح والالتزام الدَّائم بالطاعة والبعد عن المعاصي.
- الاستعاذة من كلِّ ما استعاذ منه النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد ورد في الأحاديث السابقة أنَّه عليه الصًّلاة والسَّلام يستعيذ من عذاب القبر في كل صلاة نافلة أو فرضاً بعد التشهد الأخير.
- وللنجاة من عذاب القبر، وردت أحاديث نبوية للحث على أعمال منها :
قراءة سورة الملك، فعن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه قال: ((من قرأَ{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} كلَّ ليلة مَنَعَه اللَّه عزَّ وجلَّ بها من عذاب القبر، وكنَّا في عهد رسول اللَّه نسمِّيها المانعة، وإنَّها في كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ سورةٌ من قرأ بها في ليلة فقد أَكثر وأطاب)).
- يقول ابن قيّم الجوزية؛  وهو يتحدَّث عن الأسباب المنجية من عذاب القبر: (ومن أنفعها أن يجلس الرَّجل عندما يريد النَّوم لله ساعة يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه، ثمَّ يجدِّد له توبة نصوحًا بينه وبين الله، فينام على تلك التوبة، ويعزم على ألا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كلّ ليلة، فإن مات من ليلته فعلى توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلاً للعمل مسرورًا بتأخير أجله حتَّى يستقبل ربه، ويستدرك ما فاته).

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الدعاء
  • الموت
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    alt

    نِعْمَ العبدُ .. إنَّه أوَّاب

    قال الرَّاغب في مفردات ألفاظ القرآن : (الأوبُ ضربٌ من الرُّجوع، وذلك أنَّ الأوب لا …