رحل عن عالمنا يوم السبت الموافق (4-6 – 2011 ) بعد صراع استمر أكثر من عامين مع المرض ، تاركاً لنا عشرات المؤلفات والنظريات التي شقت الطريق أمام الاقتصاد الإسلامي ، كما قدَّم خلال مسيرته العديد من الرّؤى التي تعالج الأزمات الاقتصادية التي تمرّ بها دول العالم من خلال المنظور الإسلامي .
له جهود كبيرة في تأسيس أقسام الاقتصاد بالجامعات العربية، وعمل خبيراً في البنوك الإسلامية ، و في المقابل كوفئ على كلّ ذلك بالقبض عليه في عصور رؤساء مصر الثلاث عبد الناصر والسَّادات ومبارك، وكانت مشاركته وفرحته بثورة مصر 25 يناير، والحرية التي تمتع بها شعب مصر، هي آخر السّطور التي سطّرها في تاريخ مصر؛ إنَّه الدكتور عبد الحميد الغزالي أستاذ الاقتصاد الإسلامي، والأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والمستشار السياسي للمرشد العام للإخوان المسلمين.
كان رحمه الله عضواً بمجلس شورى الإخوان المسلمين ومسؤولاً عن القسم السياسي 8 سنوات بعد خروجه من السّجن أيام المرشد الأسبق المستشار محمَّد مأمون الهضيبي ، حيث ساهم من خلال هذا الموقع في تقديم الاستشارات السياسية والاقتصادية للمرشد العام ولمكتب الإرشاد، وكان له دور فاعل في التواصل مع القوى السياسية المختلفة، ومدّ جسور التعاون معها لخدمة الوطن .
كان عالماً تقياً، وعاملاً مخلصاً، وداعياً ومجاهداً، وقد مَنَّ الله عليه بخصال العالم التقي الورع الصَّالح المتواضع الودود المحبوب ، وكان عالماً متواضعاً ومثابراً في طلب العلم النافع لدينه ودنياه، ولدعوته ولطلابه، وكان مجتهداً في قضايا العصر السياسية والاقتصادية في إطار الضوابط والثوابت، والأصالة والمعاصرة، وكان يقبل الحوار والنقاش سعياً إلى الحق غير متعصب لفكره.
نشأته مؤهلاته ..
ولد الدكتور عبد الحميد الغزالي في 23 فبراير 1937م في قرية ميت شهالة بمركز الشهداء بمحافظة المنوفية بمصر، في أسرة اتسمت بالتدين، تعرَّف على الإخوان منذ الصّغر، وهو في المرحلة الابتدائية.
حصل الغزالي على العديد من المؤهلات العلمية؛ حيث حصل على دكتوراه الفلسفة في الاقتصاد من المملكة المتحدة عام 1968م.
وكان أستاذاً زائر بجامعة أم درمان، و جامعة الكويت، وجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة أم القرى، وقام بتأسيس قسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى، وتولى رئاسته .
الاقتصاد الاسلامي ..
كان للغزالي دورٌ فاعل ومؤثّر في الاقتصاد الاسلامي و تأسيس المصارف الإسلامية ، فقد كان مديراً للمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية بجدّة 1411 ـ 1415هـ ، و مديراً لمركز الاقتصاد الإسلامي التابع للمصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية بالقاهرة 1985 ـ 1990م ، وعضوَ مجلسِ إدارة المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية 1980 ـ 1990م ، و مستشاراً اقتصادياً للمصرف الإسلامي الدولي 1985 ـ 1990م.
كما عمل الغزالي خبيراً بالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بدولة اليمن، وخبيراً ببرنامج الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بدولة الكويت، ومستشارَ مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ورئيس لجنة تنسيق البحوث بين البنوك الإسلامية 1991 ـ 1995م ، وشغل منصب وكيل نقابة التجاريين بمصر، وأشرف على تنفيذ برامج تدريبية لرفع كفاءة العاملين في المصارف الإسلامية.
إنجازته العلمية ..
أثرى المكتبة العلمية في مجال المصرفية الإسلامية بعدد من المؤلفات والبحوث والدراسات للدكتور الغزالي؛ من بينها : دراسة جدوى المصرف الإسلامي 1978م - الأرباح والفوائد بين التحليل الاقتصادي والحكم الشرعي 1990م - حول أساسيات المصرفية الإسلامية 2001م. بالإضافة إلى العديد من المقالات في مجال المصرفية الإسلامية.
وأشرف الدكتور الغزالي على العديد من الدراسات في مجال المصرفية الإسلامية؛ كإصدارات مركز الاقتصاد الإسلامي بالقاهرة، وللمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بجدة، كما أشرف وشارك في العديد من الندوات وورش العمل والمؤتمرات حول المصرفية الإسلامية
وقام بالإشراف على عشرات الرسائل العلمية في مصر وجامعات البلاد العربية في مجال الاقتصاد والمصرف الإسلامي، وشارك في العديد من المؤتمرات في مصر والعالم العربي و الإسلامي ، وفى أوربا وأمريكا .
الغزالي في السجون ..
نال الدكتور عبد الحميد الغزالي نصيبه من سجون أنظمة الحكم، فكان مثل الكثيرين من قيادات الحركة الإسلامية التي ذاقت سجون رؤساء مصر الثلاث؛ ففي عصر عبد النَّاصر ألقى القبض عليه وهو في المرحلة الثانوية سنة 1954 بسبب انتمائه للإخوان، وفى عهد السَّادات تمَّ القبض عليه سنة 1971 ، وقد نال نصيبه أيضاً من ظلم مبارك عندما أعلن الإخوان ترشحهم لانتخابات مجلس الشعب سنة 1995م، وترشح الدكتور عبد الحميد الغزالي عن دائرة المنيل بالقاهرة وتمَّ التزوير، ثمَّ تمَّ تحويله في العام نفسه 1995م للمحاكمة العسكرية مع إخوانه، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
حرص الدكتور الغزالي على ممارسة الرِّياضة طوال حياته، وكانت أبرز الرّياضات المفضلة لديه لعبة الاسكواش، التي لم يتخل عنها حتَّى خلال فترات سجنه.
من أرائه ..
كان من أبرز آاراء الدكتور عبد الحميد الغزالي أنَّ الفائدة الربوية هي أساس التقلبات الحادّة في الاقتصاد الرّأسمالي، وكان يؤمن بأنَّ حماية الاقتصاد العربي من الانهيار، يمكن تحقيقها لو عُـدنا إلى هويتنا الإسلامية ، عن طريق التمويل الإسلامي، لأنَّه يقوم على نظام المشاركة في الرّبح والخسارة، ويرتبط باستثمار حقيقي في مشروعات إنمائية، كما يقوم على العقود الشرعية التي تتكوّن من ثلاث مجموعات رئيسة؛ وهي: عقود الشركة وعقود البيوع وعقود الإيجار، ومن ثمّ، فإنَّه لا يتصوّر أن يتعرّض اقتصاد يسير وِفقًا لهذا النمط من التمويل، إلى الهزّات التي يُـعاني منها العالم.
وكان للغزالي رأيٌّ واضحٌ في إمكانية علاج الأزمة العالمية؛ وذلك بفرْض رقابة صارمة من قِـبل البنوك المركزية على كافّـة الوحدات المصرفية في الدّولة، ابتداءً من البنوك التجارية، فبنوك الاستثمار، فشركات التأمين، فضلاً عن عقد مؤتمر دولي لتكملة المؤتمرات الإقليمية التي بدأت بأوروبا وأمريكا، ثمَّ أوروبا وآسيا، على أن يشمل كلّ دُول العالم، بهدف إعادة هيكلة النظام المالي العالمي من خلال وضع ضوابط واضحة لأسُـس الرقابة والإشراف على الأنظمة المصرفية بعامة، وكفاية رأس المال على وجه خاص، بمعنى أن يكون رأس المال الخاص بالوحدات النقدية (البنوك) من الكفاية، بحيث يُـجابه أيّ مخاطر عدم سداد.