بينما يقفز العالم إلى الأمام، وتتسابق أمم الأرض في الإنتاج، ويغلي المرجل كي يولد عطاء جديد، إذ بنا نرى في أمتنا ما يجرح القلب ويدمي العين والرّوح.
كلمَّا مشيت في شارع من شوارع مدينة عربية أصيلة ترى شباباً في عمر الورود يسيرون على غير هوى، سعيهم مجهول، وأملهم مقتول، ما يحلمون به هو اللّذة في وقتها، ولو كانت نتيجتها البوار ونهاية الألم والدَّمار، وكأنَّ لسان حالهم يقول: هي اللحظة ويجب أن نعيشها مهما كانت العواقب، فالمهم هو السَّاعة التي أنت فيها!!
الحلال والحرام، والطَّاعة والمعصية كلمات لها معان، لكنها ليست ضمن قواميسهم، أو مفردات حياتهم، إنَّها الحياة بلذتها ومعصيتها وفقط.
نعم.. هذا هو حال الكثير من شبابنا هذه الأيام، يدرسون ويعملون والنتيجة هي النتيجة.. الفشل ثمَّ الفشل.. وأعني فقدان الإحساس وموت الضمير وضياع الرّوح.. لم يا هؤلاء هذا الحال؟ لم هذا الأسلوب؟ ما بالنا نبدأ حيث انتهى الآخرون!..
آسف على قول الحقيقة بهذه اللغة البسيطة، لو كانت مرَّة، فالحق أحقّ أن يقال.
إنَّنا نتسكع على فتات الآخرين ظناً أو جهلاً منَّا أنَّ هذا هو الطريق الصحيح، وكما يقول هؤلاء: إنَّه الغرب ونحن الدول النامية، ولابد الاستفادة في كل شيء. وعندما ننزل إلى أرض الواقع نرى ما يندى له الجبين، وتستحي منه الضمائر الحرَّة.
أهذا هو الغرب الذي عرفتموه! أهذه هي الحضارة التي فهمتموها!
من قال بأنَّ اللباس هو مقياس تقدّم الأمَّة؟ من قال بأنَّ التقليد الأعمى هو الطَّريق؟ من قال بأنَّ الحب المعتوه والفيلم المرذول هو الحضارة والرّقي والازدهار؟
نعم .. لبسنا مثلهم بل تجاوزناهم، مشت بناتنا كالفتنة إغراءً والفساد إساءة في كل شارع وميدان، فما جنينا بعد ذلك؟ ماذا أخذنا؟ وماذا قدَّمنا؟
ما معنى أن ترى بطَّة عرجاء تقلّد أسداً هصوراً في مشيته! فقط في مشيته، وأنتم تفهمون ما أعنى وأقول!!
إنَّنا نحن الأمَّة الإسلامية نمتلك من الطَّاقات ما يكفي صلاح العالم، وقد شهد لنا بذلك الآخرون، نمتلك الإيمان وسلاحه الذي لا يهزم، نمتلك الإرادة والتصميم، نمتلك اليقين.. وفوق هذا نمتلك زهور هذا العالم وأنواره، بل نجزم هذه الأرض وشهبها.
الشباب الواعد والجيل الصَّاعد من يفتحون للأمل أبوابه وللعزيمة سبلها، شبابنا الطّيّب الطَّاهر النظيف الذي ينظر إلى الغد بعين المستقبل باحثاً عن الدَّليل في زمن تشابكت فيه الواضحات، نفث المكر سمومه على طول الطريق.
أيّها الشباب المسلم الفتيّ .. كل العالم ينتظركم، وكل العيون ترقبكم، فكونوا على الوعد وسيروا كما كنتم على العهد
إنَّه يبحث عن منقذ بيد حنون وقلب واسع حكيم، إنَّه الشباب؛ الأول والجدّ والحياة، كوكبة سخَّرها الله عزَّ وجل لنا كي نعيد كتابة التاريخ؛ التاريخ الذي رسمنا ألوانه وخطَّطنا حروفه بالعلم والقلم، بالسيف والعزم، بمن قال عنهم صلَّى الله عليه وسلَّم: ((نصرت بالشباب))؛ إنَّها الأربعون الأول الذين حملوا الإسلام على أرواحهم، وضحوا في سبيله الغالي والنفيس، وجلّهم من الشباب؛ بلال وعمَّار، صبر وكفاح، وابن عمر وابن عبَّاس علم وإخلاص ونجاح، وهناك خالد وأبو عبيدة وسعد والقعقاع في ميادين الفتح والجهاد .. و .. شباب عرفوا أين توضع الرَّاية، ومن أين يبدأ الطريق..
كانوا قد أضاؤوا العالم بعد ظلام، وأنقذوه بعد هلاك، يحدوهم قول ربِّهم عزَّ وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (آل عمران: 104).
واليوم ها أنا أراهم قادمين، نعم أراهم بالأيدي المتوضئة والجباه الساجدة، والقلوب الخاشعة.
أيّها الشباب المسلم الفتيّ.. كل العالم ينتظركم، وكل العيون ترقبكم، فكونوا على الوعد وسيروا كما كنتم على العهد. قد تسألني: وهل حرّم علينا الاستفادة من غيرنا؟! من قال ذلك! بل علينا واجب التبصر والتحصيل، ومتابعة البحث مع التأصيل، من كلّ خير أجاده غيرنا وتقدَّم به علينا، فمن أساسيات الدين أن نغوص في بجور العلم الذي نثروه، والتقنية التي تطوّروها، والطَّاقات التي أنتجوها، أن نأخذ الخير أيّا كان مصدره، والمعرفة من أي طريق جاءت.
اقرأ معي هذه الآيات: {لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}. (الأنعام:65)، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. (البقرة:73)، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. (الأنعام:152).. بهذه المعاني تنهض الحال، ويستقيم القلب، وتتوضَّح الرّؤى أمام شبابنا المفعم بالحياة، قال الله تعالى:{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. (يوسف:108). وبها تُستنفر الطَّاقات وتُصهر الإمكانات، كلّ في مجال تخصصه يبدع، وفي نطاق عمله ينتج، في الدَّعوة إمام، وفي العلم برهان، وفي مواطن الكفاح ثابت الجنان، وفي الحضارة ركن رشيد.
علينا وعليهم واجب البلاغ والتبيين، كي نأخذ بأيدي أولئك الذين ذكرناهم من الضائعين والتائهين والحائرين إلى جادة الصواب
هل تراني أحلم عندما أسرد هذه المعاني؟! لا والله، إنَّنا نراها مع الشمس كل إشراق، وفي الفجر كل صلاة، وبالليل كل قيام، نراها في وجوه شباب طلّقوا المغريات، واعتزلوا السَّفاسف والملهيات، عكفوا على العلم بتقوى الله، ولازموا التقوى بعلم ودليل وبيان.. وهاهم من جديد يعودون إلى ساحة الميدان في كل مكان.
كنا نظنهم شباب المقاهي والملاهي، شباب المعاصي والأوهام، فإذا بهم ينتفضون كالمارد، مسحوا غبار النوّم وعافوا الكسل وانطلقوا يجدّون. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. (آل عمران:200).
لكنَّ المسؤولية كبيرة والحمل ثقيل، علينا وعليهم واجب البلاغ والتبيين، كي نأخذ بأيدي أولئك الذين ذكرناهم من الضائعين والتائهين والحائرين إلى جادة الصواب.
أيّها المتبصّر في (بصائر) .. كن على ثقة بأنَّ المستقبل لهذا الدين، وإننا إن شاء الله لعائدون.. {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}. (الإسراء:51).
ما علينا إلاَّ أن نعلن من اللحظة المسير بثقة المؤمن بربّه، الواثق بوعده، الملتزم بأمره، التارك لنهيه، بالحب الصّادق لهذا الدين، وبالوفاء لهذا الدين العظيم.
----------------------------------------------------------
مراجع للاستزادة:
همسة في أذن شاب – د. حسّان شمسي باشا.
الشباب في مواجهة التحديات – د. عبد الله ناصح علوان.