ها هي السنوات تمرّ، وقد طوت صفحاتها المتعدّدة والمتنوعة أعمالنا وأحوالنا؛ بحسناتها وسيّئاتها، بآمالها وآلامها، بمحنها ومنحها، بعد أن ودَّعت شهر رمضان المبارك لسنة 1431 للهجرة النبوية، هاهي تستعد اليوم لتفتح صفحة جديدة اسمها شهر رمضان المبارك لسنة 1432هـ، وفي أثناء استعدادها، هناك محطَّة مهمَّة، منها تتحدَّد معالم الشهر الفضيل، وفيها مواقف الإعداد والاستعداد لشهر رمضان، لأنَّ بلوغ رمضان نعمة عظيمة تستدعي منَّا أن نقوم بحقه بالرّجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته، ومن الغفلة عنه إلى ذكره، ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه، ومن التقصير والتسويف إلى الاجتهاد والمبادرة.
إنَّها محطَّة شعبان، هذا الشهر الذي كان يحبّه الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، فعن عائشة قالت: (كان أحبَّ الشهور إلى رسول الله أن يصومه: شعبانُ). (رواه ابن خزيمة والحاكم).
وهو شهر يغفل عن فضائله كثيرٌ من النَّاس، فيضيّعون فرصة حقيقية للاستعداد الكامل لشهر التوبة والغفران رمضان، فعن أسامة بن زيد قال : قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((شعبان بين رجب وشهر رمضان تغفل الناس عنه، ترفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلاَّ و أنا صائم)). (رواه النسائي في سننه، والسيوطي في الجامع الصغير).
فشعبان إنَّما سمي بذلك؛ لأنَّه يتشعَّب فيه خيرٌ كثير للصَّائم، فيرتقي بذلك في مدارج الصّيام والقيام والصَّلاة والذكر، وقيل : سمّي شعبان لتشعب القبائل وانتشارها وتفرّقها في جهات مختلفة.
صيام الرَّسول في شعبان ..
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصوم حتَّى نقول لا يفطر، ويفطر حتَّى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم استكمل صيام شهر إلاَّ رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان). (رواه البخاري).
بلوغ رمضان نعمة عظيمة تستدعي منَّا أن نقوم بحقه بالرّجوع إلى الله من معصيته إلى طاعته، ومن الغفلة عنه إلى ذكره، ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه، ومن التقصير والتسويف إلى الاجتهاد والمبادرة
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يصوم ولا يفطر حتَّى نقول ما في نفس رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أن يفطر العام، ثمَّ يفطر فلا يصوم حتَّى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان). (رواه الطبراني وأحمد).
ليلة النصف من شعبان ..
وفي شهر شعبان ليلة مباركة، إنَّها ليلة النصف منه، حيث وردت الأحاديث النبوية الشريفة لبيان فضلها، وأجر من يعمل الصَّالحات فيها بالعبادة وطهارة القلب وسلامة الصدر، وإن اختلف المحدّثون في بيان درجة بعض الأحاديث فحكموا بضعفها أو وضعها، فإننا نذكر فيما يلي ما صحَّ أو حسن من أحاديث..
عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام قال: ((إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتَّى يدعوه)).
وعن كثير بن مرَّة الحضرمي مرسلاً، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((في ليلة النصف من شعبان يغفر الله لأهل الأرض إلاَّ لمشرك أو مشاحن)).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ((إنَّ الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن)). (رواه ابن ماجه). قال ابن الأثير في النهاية: (هو المعادي)، وقيل : (لعلَّ المراد ما يقع بين المسلمين من النفس الأمَّارة).
إنَّها محطَّة مهمَّة يتزوَّد فيها المسلم ويستعد لشهر رمضان المبارك فهيئناً لمن قدر على المجاهدة والمكابدة، فينال منحة الغفران والعتق من النيران، ومن آثر النَّوم والكسل والقعود، حُرِمَ المنحة الرَّبانية
وتحسَّر وندم، ولله درّ من قال:
بكيتُ عَلَى نفسِي وحقَّ لي البُكَا ... وما أنا من تضييعٍ فِي شكِّ
لئن قلتُ إنِّي في صنيعي مُحسنٌ ... فإنِّي فِي قولِي لذلك ذو إفكِ
ليالي شعبانَ و ليلةُ نصفِه ... بأيّةِ حالٍ قدْ تنزلُ لِي صَكي
وحقَّ لعمري أنْ أديمَ تَضرُّعِي ... لعلَّ إلهَ الخلقِ يسمحُ بالفكِّ
فما عليك أخي المسلم إلاَّ أن تشمّر على كاهل الجهد والمثابرة، وتضع برنامجاً حاسماً وصارماً حتّى لا يفوتك الخير العميم من فضائل شهر شعبان، ولا تنسنا وجميع المسلمين من دعوة صالحة في ظهر الغيب.