تناقلت وسائل الإعلام خبر زواج الصيني تشوانغ هوغواي من خطيبته الميتة هيو تشاو، و التي توفيت قبل حفل الزفاف بأسبوع، و قد أصر العريس "الأرمل" على إتمام مراسم الزفاف في صالة إعداد الجنائز، و دعى الى الحفل الأقارب من العائلتين، و ألبس العروس "المرحومة" فستان العرس الأبيض، و وضعها في تابوت من الكريستال، و أقام لها حفلا تذكاريا و استعرض صورها و محطات من حياتها!!!
قد ننظر الى هذا الخبر بسذاجة رومانسية متحسرين كما علق البعض على اختلاف أحوالنا، فبعض الشعوب يحاول أن يحيي زوجته بعد مماتها! و شعوبنا تميتها و هي حيه و تريها النجوم في عز الظهيرة!! إن ما يعجب المرأة في الرجل هو عقله و روحه و أخلاقة و همته، إن المرأة إذا لم تحس برجولة زوجها و شهامته، و أنه كتف تستند عليه في الصعب و السهل، و أنه حضن يسع الدنيا بأكملها فإنها لن تحترمه أو تحبه و لن تسمع منه أو له
و يغفل الكثيرون من أن هذه الممارسات تنافي الطبيعة البشرية، و تخرج عن سياق الفطرة و المقبول الى الشاذ و المستغرب، و الخارج عن حدود اللياقة و العادات و الدين الذي يدعو الإنسان الى التصبر و الجلد في مواقف فقد الأحبة و بالذات الزوج الحبيب أو الزوجة الحبيبة فقد جاء في الحديث" ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه دون الجنة"، و أما الوفاء فليست تلك الحادثة الصينية من الوفاء في شيء، فلم يعرف التاريخ أوفى من محمد صلى الله عليه و سلم، و لكنه رضي بقضاء الله على عباده، و حزن كما يحزن البشر لوفاة السيدة خديجة رضي الله عنها حتى خلد الموقف في التاريخ بعنوان (عام الحزن)، ثم كان يسمع صوت اختها هالة في بيته فيخفق قلبه لذكرى الحب الأول و يقلد خديجة وساما على مر العصور يذكر بفضلها "و الله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس، و صدقتني إذ كذبني الناس، و واستني بمالها إذ حرمني الناس، و رزقني منها الله الولد"
الا أن وضع الزواج في بلادنا يبدو أشد خطورة من الصين و غيرها إذ يعاني انتكاسة كبيرة في فهم مشروعيته و أهميته، فقد جعله الله آية من آياته، و سنة من سننه في عمارة الأرض في قوله تعالى "و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، و لكن الممارسات البشرية ظلت تقزم الزواج و تحقره حتى أصبح محصورا في علاقة جسدية لا تختلف كثيرا عن علاقة الحيوانات ببعضها!!
و قد أكد المفسرون أن لفظة الزوج و مفهوم الزواج لا يطلق على الطرفين الا إذا كانت الحياة الزوجية تامة، و كان التوافق و الانسجام كاملا، و إذا لم تكن الزوجية و التكامل متحققان بينهما، فإن القرآن يستبدل كلمة الزوجة بكلمة المرأة في حالة الأنثى، و مثال ذلك في قوله تعالى" و ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون" فهي ليست زوجته بمعنى الزواج التكاملي و التوافقي لانها مؤمنة و هو كافر، فالزوج و الزوجة و الزواج و مشتقاتهما دلالة على أسمى صور التلاقي و التفاهم، و لقد زاد القرآن أن وصف هذه الحالة بالمودة و الرحمة و هذه أمتن عروة، و أطول مدة، و أوجب تقديرا، و أكثر مسؤولية من الهيام و العشق و الصبابة و هي بواعث طارئة تحركها محفزات الحواس الخمسة، و قد تنتهي بزوال العارض المؤثر فيها!
و في ضوء هذه الصفات المقدسة للزواج تعتبر كل الدعوات الطارئة في مجتمعاتنا، و التي تظهر بمظهر الحرص على حل مشاكل الزواج بينما هي في الحقيقة تفاقم المشاكل و تقنن في بعض الأحيان الرذيلة، و تحول الزواج و هو مشروع رباني رحماني الى فكرة جهنمية، و من ذلك الدعوة الى العودة الى عصر الجواري و الإماء احصانا للرجال، و في هذا إهانة للرجل و المرأة و الدين الذي أغلق باب العبودية و فتح باب الحرية للإنسان، فهذه الدعوات تصور الرجال على انهم فحول و ليسوا بشرا من لحم و دم،لهم عقل و روح و همة تسمو بهم عن دنيء الممارسات و المشاعر و لقد حذر ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر الرجال فقال: "من أعظم الضرر الداخل على الإنسان كثرة النساء. إنه أولا يتشتت همه في محبتهن، ومداراتهن وغيرتهن والإنفاق عليهن، ثم يطلب ما لا يقدر عليه من غيرهن، حتى أنه لو قدر على نساء بغداد كلهن فقدمت إمرأة مستترة من غير البلد ظن أنه يجد عندها ما ليس عندهن. ورب لذة كانت سببا في إنقطاع لذات. والعاقل من يقتصر على الواحدة إذا وافقت غرضه، ولا بد أن يكون فيها شيء لا يوافق، إنما العمل على الغالب، فتوهب الخلة الردية للمجيدة. وينبغي أن يكون النظر إلى باب الدين قبل النظر إلى الحسن. فإنه إذ قل الدين لم ينتفع ذو مروءة بتلك المرأة"
و ذات الإهانة تتجدد في حق النساء عندما تطالب إحداهن بتمكين النساء من استقدام رجال من دول اخرى، كما تُستقدم عاملات المنازل على الكاتالوج و الصورة و المواصفات، بقصد الزواج بهم على أن يكونوا مهذبين و وسيمين و "عاقلين" يسمعوا كلام الست الهانم و يدخلوا في بيت طاعتها و عصمتها!!!
و من هذه المرأة التي تقبل برجل يبيع نفسه في السوق كالبضاعة!! إن ما يعجب المرأة في الرجل هو عقله و روحه و أخلاقة و همته، إن المرأة إذا لم تحس برجولة زوجها و شهامته، و أنه كتف تستند عليه في الصعب و السهل، و أنه حضن يسع الدنيا بأكملها فإنها لن تحترمه أو تحبه و لن تسمع منه أو له
و يسير في نفس الركب من يتخذون من المصلحة العامة ستارا لاهواءهم و يؤسسون جمعيات للتعدد، و كان الأولى بهم أن يؤسسوا جمعيات للزواج الأول للقضاء على العنوسة و احصان الشباب و الفتيات الذين لم يسبق لهم الزواج، و ليس النقد هنا من باب معارضة حكم الله في إباحة التعدد بشروطه الصارمه، و لكنه موافقة لتفسير الفقهاء في صعوبة العدل بين النساء و ما ينتج عنها من آثام و مشاكل، و التي تؤكدها تجارب الحياة و إحصائيات الزواج و الطلاق
إن الزواج رزق من الله، و الرزاق كريم و عطيته مدهشة، و القبول بالقليل إنما هو عدم إدراك لسعة عطاء الله، و قد يُحرم إناس من هذا الرزق فيعوض الله عليهم بزينة في العقل، و زيادة في العلم، و محبة في قلوب الناس، و حلاوة بأنس الله
إن ارتباطا مشوها كالمعروض في سوق النخاسة ليس زواجا! إنه حالة مرضية و التبتل و العفة و سلوك درب الفضيلة أفضل من بيع النفس في المزاد العلني تحت مسمى الزواج!
قال طاووس اليماني" لا يتم نُسك المرء حتى يتزوج" فجعل الزواج شيئا من العبادة، و من العبادات ما يُكتب في سجل الصالحين و يرى المرء حلاوته في الدنيا و الدين، و من العبادات ما يصنف في خانة المقبولين، و من العبادة ما تُرمى خرقة بالية في وجه صاحبها، فأي المتعبدين بالزواج أنت؟