الشورى .. الإسلام مدرسة الديمقراطية

الرئيسية » بصائر الفكر » الشورى .. الإسلام مدرسة الديمقراطية
alt

يخرج علينا من حين لآخر بعض المغرضين بدعاوى للنيل من الدّين الإسلامي تارة، والنيل من أصحاب المناهج الإسلامية تارة أخرى، بالادّعاء بأنَّ الإسلام لم يعرف الديمقراطية، وأنَّ كلَّ أموره الحياتية تدار بالجبرية، وأنَّ المسلمين مسلوبو الإرادة، ويدَّعون في المقابل أنَّ مبدأ سماع الرَّأي الآخر واحترامه هو صناعة غربية.
وهو ما يجعلنا نتجذر في تاريخنا الإسلامي للوقوف على حقيقة أخذ المسلمين بمبدأ الشورى الذي يمثل أرقى حالات الديمقراطية، والذي يحمي الأقلية من ديكتاتورية وبراجماتية الأغلبية.

مبدأ الشورى   ..
 " أشيروا عليَّ أيها الناس " قاعدة أطلقها سيّدنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلم، وسار عليها صحابته وخلفاؤه الراشدون الذين كرَّسوا مبدأ الشورى في التعامل بين الحكام والمحكومين ، فالإسلام  جاء بهذا المبدأ الإنساني،  بل سُمّيت سورة من سور القرآن الكريم باسم "الشورى"؛ دلالة على أهمية تحقق هذا الشرط في أيّ شأن من شؤون المسلمين.
ولتكريس هذا المبدأ لم يترك نبيُّ الأمَّة نصًّا مكتوبًا لم يخلفه في إمامة المسلمين، وإنَّما ترك الأمر شورى بينهم، وقد روى أبو وائل قال: قيل لعلي بن أبي طالب : ألا تستخلف علينا؟ قال: "ما استخلف رسول الله فأستخلف، ولكن إن يُرِدِ اللهُ بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم"

الشورى والنظام السياسي .
وتُعرَّف الشورى بأنَّها طلب الرَّأي ممَّن هو أهل له، أو هي استطلاع رأي الأمَّة أو من ينوب عنها في الأمور العامة المتعلقة بها، وهو ما جعل المسلمين يتخذون الشورى أصلاً وقاعدة من أصول الحكم وقواعده، وعليها قام ترشيح العدول من المسلمين لمن يرونه أهلاً للقوَّة والإمامة لتولِّي أمرهم
وتعدُّ الشورى أصلاً من الأصول الأولى للنظام السياسي الإسلامي، بل امتدَّت لتشمل كلَّ أمور المسلمين؛ ومن ثمَّ فإنَّ الدولة الإسلامية تكون قد سبقت النظم الديمقراطية الحديثة في اختيار المحكومين للحكام الذين يديرون شؤونهم.

 الشورى والديمقراطية ..
والحديث عن الشورى والديمقراطية يدفعنا إلى توضيح الاختلاف بين الأمرين؛ فالشورى مبدأ إسلامي فيما لا نصَّ فيه وفيما لا يضرّ بمصالح الأقلية، وهو الأمر الذي تفتقده الديمقراطية، ففي الأخيرة ظلم بين للبشر في كثير من القضايا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إحدى الدول الأوربية أجرت استفتاءً لمنع بناء المآذن وبالفعل وافقت الأغلبية، وفي هذا ظلم شديد، بينما لا يمكن للمسلمين أن يهدموا كنيسة إذا وافقت الأغلبية، في أي دولة إسلامية، فالديمقراطية التي تعدُّ حكم الشعب للشعب، ينتج عنها أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه، وهو السلطة القضائية التي تحكم بين الناس بتطبيق القوانين الموضوعة.
والنظام الديمقراطي يَسْهُل التحايل عليه، من خلال سيطرة بعض الأحزاب أو القوى على العمل السياسي في دولة من الدَّول، ومن ثَمَّ يفرض هذا الحزب، أو تلك الفئة وجهة نظرها على الأمَّة، لكنَّ الشورى تجعل الهيمنة لله وحده، فتُعْلِي حُكْمه وتشريعه على سائر الأحكام والتشريعات، فتؤدِّي إلى ظهور رجال يعيشون في معية الله، ويخشونه بصدق.

نماذج شورية  ..
لقد استمر صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في ممارسة  الشورى بعد وفاته، فقد اجتمع صحابة رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام بعد وفاته في سقيفة بني ساعدة، وتشاوروا فيمن يخلف الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وبعد مداولة مشهورة اتفق رأيهم على تولية أبي بكر رضي الله عنه، فبايعوه على ذلك، في صورة من صور الشورى الرَّائعة، التي سجلها التاريخ بأحرف من ذهب.
أمَّا المشهد الثاني، فعندما أراد أبو بكر غزو الرّوم دعا عمرَ، وعثمان، وعليّاً، وعبد الرَّحمن بن عوف، وسعدَ بن أبي وقاص، وسعيدَ بن زيد، وأبا عبيدة بن الجراح، وعدداً من المهاجرين والأنصار، وأخبرهم عمَّا أراد، وبين لهم وجهة نظره في ذلك، ثمَّ قال: وهذا رأيي الذي رأيته، فليشر عليّ امرؤ برأيه.
فأشار عمر برأيه، وكان ممَّا قال في ختام كلامه: "سرّب إليهم الخيل في أثر الخيل، وابعث الرّجال بعد الرّجال، والجنود تتبعها الجنود، فإنَّ الله ناصر دينه ومعزّ الإسلام بأهله".
ثمَّ تكلَّم عبد الرَّحمن بن عوف، وكان ممّا قال: "ما أرى أن نقتحم عليهم اقتحاما، ولكن نبعث الخيول فتغير في قواصي أرضهم، ثمَّ ترجع إليك، وهكذا".
 ثم قال أبو بكر: ما ترون، فقال عثمان بن عفان: "إنِّي أرى أنك ناصح لأهل هذا الدِّين، شفيق عليهم، فإذا رأيت رأيا تراه لعامتهم صلاحا فاعزم على إمضائه، فإنك غير ظنين"، فقام أغلب من في المجلس، وأيَّدوا ما قاله عثمان في تفويض الأمر إليه .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …