(( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم))
وعن أبي الوليد، عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع ... وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم))
لذا كان النقد واجباً، وهو باب من أبواب النصيحة، وللنقد طبيعة وشروط لا بد من توفرها.
أولاً: شروط النقد
1.البعد عن الكذب: (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة))
2.البعد عن التشهير والتشفي: فيجب أن لا يختلط النقد بروح الحقد أو الضغينة لشخصية الأخ المنقود، ولا يجب أن يكون تشفياً للشخص المنتقد، فيكون نقده تصغيرا وتحقيراً، وتذكر أخي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: (( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في الحريش بينهم)) ، فاحذر الشيطان في نقدك.
3.الإخلاص والبعد عن حب الظهور: إن صلاح النيّة وإخلاص الفؤاد يرتفعان بمنزلة العمل فيجعلانه عبادة، وقد يعجز الإنسان عن عمل الخير الذي يصبو إليه لسبب ما، ولكنّ الله المطلع على الخبايا يرفع الحريص على الإصلاح إلى مراتب المصلحين، لأن بعد همته أرجح عند الله من عجز وسائلهم: (( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين)) .
4.أن يكون النقد بالرفق وحسن الخلق: ومن أشكاله:
أ-الأدب والاحترام ولطف العبارة: لا بدّ أن يكون النقد بأدب واحترام وتكريم، بغض النظر عمن يكون الناقد أو المنتقد صغيراً كان أم كبيراً مسؤولاً أم فرداً، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) .
ب-اعتدال الصوت: فلا يرفع المسلم صوته بأكثر مما يلزم فإن ذلك يؤذي المستمع ويذهب هيبة المتكلم.
ج-أن يكون النقد مصحوباً بالأدلة والتوجيه: لا بدّ أن يكون النقد نقداً علميّاً مبنيّاً على أسس وأدلة، ولا بدّ أن يكون إيجابياً يضع الحلول ولا يثير المعارضة فقط. وخير مثال على ذلك هو سلمان الفارسي رضي الله عنه بدلالته على عمل الخندق وكان رأياً صائباً، أخذ به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
د-ألا يؤدي النقد إلى الجدال فالمراء فاللغو: (( فد أفلح المؤمنون ... والذين هم عن اللغو معرضون)).
ثانياً: طبيعة النقد:
وحتى يكون النقد ذا فائدة مرجوة لا بد أن يتصف بالصفات التالية:
1.عدم التضايق من مخالفة الآخرين بالرأي.
2.أن يكون النقد موضوعياً، وحتى يكون كذلك لا بد أن يتصف بما يأتي:
أ- تجرده من العواطف الفضفاضة.
ب- اختيار الزمان والمكان المناسبين.
ج- الوضوح والبيان.
د- أن لا يكون مبنياً على الشكوك والظنون بل على الخبرة والتجربة
هـ- أن لا يكون مخالفاً للشرع.
و- أن يكون مدروساً قبل إبدائه ومبنياً على حوادث مكثفة.
3.أن يراعي في النقد قدرة العاملين على التنفيذ.
4. ألا يؤدي النقد إلى الابتعاد عن الدعوة وذلك من قبل الناقد أو المنتقد أو المستمعين.
5.رحابة الصدر أمام النقد فكثيراً ما كان الصحابة- رضوان الله عليهم- ينصح أحدهم الآخر، وما كان ذلك يخلف شيئاً في صدورهم إلا حب الخير