لا يعرف الإعلام الفلسطيني أو العربي أخبارًا كثيرة عن القدس الغربية، وكل ما نعرفه عنها هو أنَّها مقر الحكومة الصهيونية والكنيست، وأن بها بعض القنصليات والسفارات التابعة لبلدان غربية ومن الأمريكيتين.
إلاَّ أنَّ الأمر أكثر عمقاً بكثير من ذلك، وللأسف الشديد؛ فإنَّ الأخبار المتداولة عن القدس الغربية لا تلفت أنظار الكثيرين باعتبار أنَّ موت ملفها طيلة العقود الماضية خلق صورة ذهنية لدى الجمهور العربي العام أنَّ وجود القدس الغربية تحت السيادة الصهيونية أمر مسلم به.
وهو مفهوم خاطئ تماماً، فالقدس بأكملها أصلاً تدخل ضمن الأراضي التي استولت عليها العصابات الصهيونية في حرب النكبة في العام 1948م، زيادة على قرار التقسيم الشهير 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر من العام 1947م؛ حيث كانت مساحة الدولة اليهودية فيه 55.5% من مساحة فلسطين التاريخية، زادت بعد حرب النكبة إلى 78.5%.
ولقد أثار لدينا هذه الشجون حول ملف القدس الغربية مجدّدًا، الاشتباكات الأخيرة التي وقعت بين شرطة العدو وبين الآلاف من أبناء التيار الديني المتشدد داخل الكيان "الحريديم" في شارع الأنبياء بسبب إصرار اليهود الحريديم على إغلاق هذا الشارع الرئيسي في المدينة المحتلة كل سبت بسبب اعتبارات دينية.
الأخطر من ذلك هو ما نقلته الصحف الصهيونية الصادرة في حينه؛ حيث أشارت إلى أن المدينة باتت مقسمة بالفعل بين اليهود المتدينين واليهود العلمانيين، وأن الحريديم يتزايدون ويتزايد نفوذهم بحيث سوف يسيطرون في يوم من الأيام على المدينة، بما يزيد من صعوبة وضعها السياسي.
ولقد دفعت هذه الأوضاع السياسية والديموغرافية المستجدة في القدس الغربية، التي وصل تعداد سكانها إلى حوالي 390 ألف نسمة، إلى محاولة التعمق أكثر في هذه القضية، من أجل التنبيه بعد أن ضاعت في زحام السياسة!!
وتحاول هذه الورقة رصد معالم من تاريخ قضية القدس الغربية المنسية، للتعريف بها في إطار تنويري، مع ما تذكرنا به هذه القضية والخلط الحاصل فيها ذات الخلط الذي كان قائما بين مسجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى المبارك.
جذور القصة
ظهر الشطر الغربي للقدس بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين في نهاية الحرب العالمية الأولى، ثمَّ إعلان الانتداب البريطاني رسميًّا عليها في مطلع العشرينيات من القرن المنصرم، نتيجة سياسات الاحتلال البريطاني التي ساهمت بالجانب الأكبر في عمليات تهويد القدس المبرمجة، والتي نالت اهتمامًا أكثر من غيرها خلال عقود الانتداب؛ حيث وسعت بريطانيا من حدود بلدية القدس غرباً وجنوباً لضمّ المزيد من المستوطنات اليهودية التي بدأت تحيط بالبلدة القديمة من كل ناحية.
ولقد استولت العصابات الصهيونية على الشطر الغربي للقدس، والذي كان من المفترض أنَّه سيكون تابعًا للأمم المتحدة بموجب قرار التقسيم الشهير "181" الصَّادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1929م، ضمن الأراضي الزيادة التي استولت عليها على الأراضي الممنوحة للدولة اليهودية بموجب قرار التقسيم.
نبذة أولية
تأسست أول بلدية للقدس في العام 1863م، وكانت المدَّة في منتصف القرن التاسع عشر قد بدأت تشهد ظهور بعض الأحياء اليهودية داخل الحدود التي ضمتها بلدية سنجق القدس العثماني، وتم رسم الحدود السياسية لمدينة القدس، ومن بين هذه الأحياء حي يمين موشيه الذي أقيم عام 1850م في منطقة جورة العناب ليكون نواة لأحياء يهودية أخرى أقيمت خارج أسوار المدينة باتجاه الجنوب الغربي والشمال الغربي والغرب، ثم أقيم حي "مائة شعاريم" في منطقة المصرارة، وحي "ماقور حاييم" أو المسكوبية حاليا في عام 1858م.
ونتيجة لنشوء الضواحي الاستيطانية اليهودية في القدس في عهد السلطان عبد المجيد نتيجة ضغوط بريطانية وجهود قام بها يهود الدونمة في البلاط العثماني، ونتيجة لمزاعم اليهود بأن القدس كانت دائما مدينة ذات أغلبية يهودية- علماً بأنَّ مساحة الحي اليهودي في القدس لم يتجاوز مساحة 5 دونمات في ذلك الوقت.
ولم يكن عدد الأسر اليهودية في المدينة المقدسة يتجاوز التسعين أسرة؛ فإنَّ الانتداب البريطاني في عشرينيات القرن العشرين وما بعده، وقادة المشروع الصهيوني اتفقوا على رسم حدود البلدية بطريقة ترتبط بالوجود اليهودي فيها، وهنا نشأت القدس الغربية.
النشأة والتوسع
قام المهندس ماكلين، مهندس مدينة الإسكندرية، بوضع الخطة الهيكلية الأولى لمدينة القدس الغربية، وكذلك المقاييس والمواصفات والقيود المتعلقة بالبناء والتطور العمراني في المدينة المقدسة بأكملها.
وقسمت الخطة الهيكلية المدينة إلى أربعة مناطق، وهي: البلدة القديمة وأسوارها، والمناطق المحيطة بالبلدة القديمة، والقدس الشرقية، والقدس الغربية؛ واعتبرت تلك المخططات بمثابة العمود الفقري لكافة الخطط اللاحقة لتهويد المدينة.
وبناء على نص الخطة، فقد تمَّ منع البناء منعًا باتًّا في المناطق المحيطة بالبلدة القديمة، ووُضعت قيودًا على البناء في القدس الشرقية، وأعلنت القدس الغربية كمنطقة تطوير.
وفي الإطار، امتد خط حدود القدس من الجهة الغربية لعدة كيلومترات، لتضم عددًا من الأحياء اليهوية المقامة حول المدينة؛ وهي: جبعات شاؤول وسكنات مونتفيوري وبيت هاكيرم وسكنات هابوعليم وبيت فجان، والتي كانت تبعد حوالي سبعة كيلومترات عن أسوار المدينة، بينما اقتصر الامتداد من الجوانب الجنوبية والشرقية على بضعة مئات من الأمتار، لتقف حدود البلدية أمام مداخل القرى العربية المجاورة للمدينة، ولا تضمها إليها.
ومن بين تلك القرى كانت هناك قرى عربية كبيرة، مثل الطور وشعفاط ولفتا ودير ياسين وسلوان والعيسوية وعين كارم والمالحة وبيت صفافا، بالرغم من أن هذه القرى تتاخم المدينة حتى تكاد تكون كل منها ضاحية من ضواحيها.
وبحلول العام 1921م، كان قد جرى ترسيم حدود بلدية القدس الموسعة هذه؛ حيث ضمَّت حدود البلدة القديمة وقطاعًا عرضيًّا بعرض حوالي 400 متر على طول الجانب الشرقي لسور المدينة بالإضافة إلى أحياء باب الساهرة ووادي الجوز والشيخ جراح من الناحية الشمالية، ومن الناحية الجنوبية انتهى خط حدود بلدية القدس عند سور المدينة فقط.
أمَّا الناحية الغربية، والتي تعادل مساحتها أضعاف القسم الشرقي، فقد شملتها الحدود لاحتوائها تجمعات يهودية كبيرة بالإضافة الى بعض التجمعات العربية، مثل القطمون والبقعة والفوقا والتحتا والطالبية والوعرية والشيخ بدر ومأمن الله أو "ماميلا".
ويرتبط بذلك ملاحظة شديدة الأهمية، وهي أنَّ الإجراءات التي تبنتها سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين لم تقتصر على تسهيل المناحي السياسية للمشروع الصهيوني، مثل الهجرة اليهودية إلى فلسطين؛ حيث تجاوزت ذلك إلى أمور أو إجراءات أكثر خطورة، وهي تأطير الوجود اليهودي في فلسطين من الزاوية القانونية.
فبريطانيا في ذلك الحين كانت سلطة انتداب معترفا بها من جانب عصبة الأمم، التي أقرت الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1922م، ولذلك صارت لقراراتها وترتيباتها في فلسطين صفة الإلزامية من وجهة نظر القانون الدولي العام على أطراف الصراع الأساسيين، وهو ما استغلته إسرائيل فيما بعد؛ حيث استفاد الاحتلال الإسرائيلي من الكثير قوانين الانتداب، وخصوصا في موضوع مصادرة أراضي الفلسطينيين لبناء المستوطنات، ومن بين ذلك قانون الاستملاك من أجل المصلحة العامة الصادر في العام 1943م.
كذلك كانت للحدود التي وضعها الانتداب البريطاني لحدود بلدية القدس من أجل تغيير الوضع القانوني والديموغرافي للمدينة، دورًا بالغ الأهمية في رسم السياسات التي تعاملت بها إسرائيل مع المدينة المقدسة في مرحلة ما بعد احتلالها؛ غربيها في العام 1948م، وشرقيها في العام 1967م.
ومن المعروف أنَّ الحدود السياسية تلعب دورًا مهماً في تحديد العلاقة ما بين الإنسان والأرض، ولعبت العديد من العناصر الأيديولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية دورها في ترسيم حدود بلدية القدس، وبالتالي مصير المدينة في هذا الإطار.
المزيد من التهويد
في عهد المندوب السامي البريطاني الأول في فلسطين، هربرت صموئيل، وهو يهودي، ومن كبار المتعصبين للمشروع الصهيوني في فلسطين، مثل التاج البريطاني في فلسطين في السنوات ما بين العام 1920م إلى العام 1925م، أخذت القدس تشهد سمات التحول ومعالم التهويد الأولى البارزة.
وابتدأت معالم التهويد تظهر بشكل فعلي وعلى أرض الواقع مع بناء أولى المستوطنات على هضاب القدس في عهد الانتداب، فبنيت مستوطنة روميما عام 1921م، ثم لحقت بها مستوطنات أخرى، مثل تل بيوت وبيت هاكيرم وكريات شموئيل وغيرها، حتى أصبح عددها ستة عشرة مستوطنة وضاحية وحيا يهوديا عام 1948م، كان من بينها 11 في عهد هربرت صموئيل وحده، وهو ما يعني أن معظم ما بني في عهد الانتداب البريطاني في القدس، قد بني في عهد المندوب السامي الأول.
في المقابل لعبت السلطات الانتدابية دورًا كبيرًا في تقييد التوسع الفلسطيني في القدس؛ حيث قامت بوضع مخططات تنظيمية عدة للمدينة، وذلك في الأعوام 1919م و1922م و1929م و1930م و1946م، راعت إلى حدِّ كبير خارطة الاستيطان اليهودي في المدينة القائمة والمستقبلية، وقد أدى ذلك إلى أن تتوسع حدود بلدية القدس عدة مرات غربًا، فقد وصلت مساحتها عام 1930م إلى 17 ضعفًا من مساحة البلدة القديمة، أو ما يقارب 4800 دونما، ارتفعت عام 1948م إلى 20131 دونما.
تهويد المجلس البلدي
بالتوازي مع ذلك، سعى اليهود بشكل تدريجي للسيطرة على مجلس بلدية القدس، التي اكتسبت طابعًا سياسيًّا في عهد الانتداب البريطاني خاصة بعد التسهيلات التي آمنها لهم البريطانيون منذ احتلال المدينة، ومن أجل تحقيق ذلك تلاعبت الإدارة البريطانية بحدود المسطح البلدي في المدينة المقدسة، وبقوائم الناخبين، بحيث كانت تستثني الأحياء العربية منها، مثل الطور وسلوان والعيسوية وشعفاط وبيت صفافا، بينما كانت الأحياء اليهودية مهما بعدت تدخل في مسطح البلدية.
وأقدمت السلطات البريطانية في بداية عهد الإدارة العسكرية لفلسطين- في أواخر العام 1917م، وحتى العام 1920م- على حل المجلس البلدي للقدس، وتعيين لجنة لإدارة البلدية، أسندت رئاستها لعضو مسلم، ينوب عنه عضوان من الطائفتين المسيحية واليهودية.
وفي أبريل من العام 1926م، وضعت السلطات البريطانية قانون الانتخابات الذي أتاح، خلافاً للقانون العثماني، حق الانتخاب لدافعي الضرائب حتى وإن لم يكونوا من أصحاب الأملاك بل مستأجرين فقط، كما نص هذا القانون على أن الناخب يجب أن يكون مواطناً فلسطينياً بدلاً من "مواطن عثماني".
وتكون المجلس البلدي بعد العام 1927م، من اثني عشر عضواً، نصفهم فقط من العرب، أربعة مسلمين ومسيحيان، والنصف الآخر من اليهود، وكان ذلك نتيجة للتعديلات التي طرأت على قانون الانتخابات، والذي فتح الباب واسعًا أمام المهاجرين اليهود ليدخلوا تلك الانتخابات، إلاَّ أنَّ رئاسة البلدية بقيت في يد مسلم، وكان وقتها حسين الخالدي.
ثم تمَّ تعيين اليهودي موشيه شرتوك- وزير خارجية إسرائيل بعد النكبة- نائبًا أولاً لرئيس البلدية بناءً على اتفاق مع المندوب السامي، ثم بدأت محاولات اليهود للمطالبة برئاسة البلدية، وبعد فشل الاقتراح الذي تقدمت به السلطات البريطانية باتباع نظام التناوب على رئاسة بلدية القدس، بسبب معارضته فلسطينيًّا، تم إبعاد رئيس البلدية حسين الخالدي، ونفيه إلى جزر سيشيل في المحيط الهندي، لكونه عضواً في اللجنة العربية العليا.
ثمَّ قام الإنجليز بحل المجلس في 11 يوليو من العام 1945م، وتعيين لجنة بلدية من ستة موظفين بريطانيين، وبقى الأمر كذلك حتى نهاية فترة الانتداب البريطاني على فلسطين في 14 مايو 1948م.
مرحلة النكبة
وضع الانتداب البريطاني مخططين للمدينة، الأول ذلك الذي تم في العام 1921م، أما المخطط الثاني لحدود بلدية القدس فقد وضع في العام 1946م بقصد توسيع منطقة خدماتها، وتركز التوسيع على القسم الغربي من جهات المدينة لاستيعاب وضم الأحياء اليهودية الجديدة التي بقيت خارج منطقة التنظيم التي أعلن عنها في العام 1931م، وفي الجزء الشرقي أضيفت قرية سلوان ووادي الجوز من الناحية الجنوبية، وبلغت مساحة مخطط بلدية القدس في المخطط الجديد حوالي 20 ألفا و199 دونمًا.
وتوزعت ملكية أراضيها على النحو التالي:
- أملاك عربية: 40%.
- أملاك يهودية: 26.1%.
- أملاك مسيحية [أوقاف كنسية]: 13.86%.
- أملاك حكومية وبلدية: 2.9%.
- طرق وسكك حديدية [بدورها أملاك بلدية وحكومية]: 17.12.%.
وتوسعت المساحة المبنية على أراضي بلدية القدس من 4130 دونما العام 1918م إلى 7230 دونمًا في العام 1948م.
وحتى قبل النهاية المحددة للانتداب؛ عمدت عصابات الهاجاناه الصهيونية إلى احتلال كل منطقة القدس، ولم يحبط هذا المخطط إلا في اللحظة الأخيرة بسبب مقاومة الفلسطينيين والجيش الأردني الذي كانت القدس الشرقية تحت لوائه في حرب النكبة في العام 1948م؛ حيث بقيت البلدة القديمة والقدس الشرقية في حوزة العرب، وانتقل الإشراف عليها جزئيًّا من الحكومة الأردنية إلى الأمم المتحدة في العام 1950م، بموجب قرار التقسيم "181" الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر من العام 1947م.
بينما تحققت السيطرة اليهودية الراهنة على القدس الغربية وما يسمَّى بـ"الممر" الذي يصلها بالساحل، عبر الاحتلال العسكري خرقًا لقرار التقسيم، والذي نصَّ على بقاء القدس مدينة موحدة، وقد حدد القرار المذكور حدود القدس الخاضعة للتدويل بحيث شملت إضافة الى المدينة ذاتها؛ أبو ديس شرقًا وبيت لحم جنوبًا وعين كارم وموتسا وقالونيا غربًا، وشعفاط في الشمال، لذلك فإن الأمم المتحدة لم تعترف بالسيادة الإسرائيلية على القدس الغربية لا تصريحًا ولا تعريضًا.
وفي الثلاثين من نوفمبر من العام 1948م، وقعت سلطات الدولة الصهيونية الحكومة الأردنية التي كانت تسيطر على القدس الشرقية على الأرض، اتفاقًا لوقف إطلاق النار بعد أن تمَّ تعيين خط تقسيم القدس إلى قسمين، شرقي وغربي في الثاني والعشرين من يوليو من العام 1948م، وكان مجموع مساحة المدينة حوالي 19 ألفاً و331 دونمًا.
بعد النكبة وحتى النكسة
مع نهاية العام 1948م كانت القدس قد انقسمت الى قسمين، وتوزعت حدودها على النحو التالي:
- مناطق فلسطينية تحت السيطرة الأردنية: وتبلغ مساحتها حوالي 2220 دونمًا، نسبتها 11.48% من مساحة المدينة الإجمالية.
- مناطق فلسطينية محتلة، وهي القدس الغربية: وتبلغ مساحتها حوالي 16 ألفًا و261 دونمًا، نسبتها 84.12% من المساحة الإجمالية للمدينة.
- مناطق حرام وأخرى تحت إشراف الأمم المتحدة: وبلغت مساحتها حوالي 850 دونمًا، بنسبة 4.40 %، وهذه أعلنت الأردن سيادتها عليها ضمن باقي الأراضي التي سيطرت عليها في القدس والضفة الغربية بعد حرب النكبة، في العام 1950م.
بعد تقسيم المدينة عرفت حدودها البلدية للقدس بشطريها الشرقي والغربي، العديد من التغييرات والتوسعات.
وما يعنينا في هذا الموضوع توسعات بلدية القدس الغربية؛ حيث توسعت في اتجاه الغرب والجنوب الغربي؛ حيث ضمَّت إليها أحياء جديدة؛ منها كريات يوفيل وكريات مناحيم وعير غانيم وقرى عين كارم وبيت صفافا ودير ياسين ولفتا والمالحة، لتبلغ مساحتها حوالي 38 ألف دونم، وقد شرعت بلدية القدس الغربية الإسرائيلية في إعداد مخطط هيكلي للمدينة في العام 1964م، ثم أعيد تخطيطه في العام 1986م.
ورصدت دراسة للباحث الفلسطيني الدكتور إبراهيم أبو جابر بعنوان "مستقبل القدس وسبل إنقاذها من التهويد" محاولات إسرائيل المستمرة للاستيلاء على أحياء عربية في القدس الشرقية والضفة الغربية وضمها للقدس الغربية.
وجاء في الدراسة أنَّه في المدَّة ما بين العام 1949م وحتى 1967م تمَّ توسيع حدود بلدية القدس الغربية ثلاث مرَّات؛ كانت أهمها في الرابع عشر من أغسطس 1952م، عندما زادت مساحة المدينة من 16 ألفًا و261 دونمًا، إلى 23 ألفًا و500 دونم، وأضيف لمساحة أو مسطح المدينة 2500 دونم، وفي 26 يوليو 1964م أضيف لها 2100 دونم، لتصل مساحتها عشية عدوان 1967م إلى 38 ألفًا و100 دونم، مما يعني زيادة مسطح المدينة خلال عقدين بنسبة 2.3 مرة.
وأشارت الدراسة إلى أنَّ العامل المساعد لتوسيع مسطح المدينة أو سكان القرى العربية المجاورة والمهجورة، هو مصادرة الأراضي العائدة ملكيتها للعرب اللاجئين الذين خرجوا من فلسطين بعد حرب النكبة عام 1948م؛ حيث تمَّ سنُّ مجموعة من القوانين أسهمت في فتح الباب للبلدية والمؤسسات الإسرائيلية الأخرى في وضع اليد على أراضي العرب كما تقدم.
وأخيراً، فيشار إلى أنَّ إسرائيل قد احتلت القدس الشرقية في السَّابع من يونيو من العام 1967م، وفي الثامن والعشرين من يونيو 1967م، أعلنت عن توسيع حدود بلدية القدس [الخاصة بالقدس الغربية المحتلة في العام 1948م زيادة على حدود التقسيم] لتشمل القدس الشرقية، وتم التوسيع طبقًا للسياسة الإسرائيلية الرامية للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض مع أقل عدد ممكن من السكان العرب، وضمت البلدية الجديدة أراضي 28 قرية ومدينة عربية.
وفي يونيو من العام 1980م، صدر عن الكنيست الإسرائيلي قانون بضمّ القدس الشرقية إلى إسرائيل وإعلانها عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل، ويشمل متروبولين القدس أو مشروع القدس الكبرى حاليًا، والمقرّر الانتهاء منه في العام 2020م، حوالي 20% من مساحة الضفة الغربية المحتلة.
مصادر ومراجع الدراسة:
1. سمير جريس: القُدس: المُخطَّطات الصُّهيونيَّة، الاحتلال، التَّهويد، (بيروت: مُؤسَّسة الدِّراسات الفلسطينيَّة، الطَّبعة الأولى، 1981)
2. سليم تماري (مُحرِّر): القدس 1948: الأحياء العربيَّة ومصيرها في حرب 1948، ترجمة: أحمد خليفة، وسام عبد الله، خليل نصار (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالاشتراك مع المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة والَّلاجئين "بديل"، القدس، الطَّبعة الأولى، 2002)
3. عصام نصَّار، سليم تماري (إعداد وتقديم): القدس الانتدابيَّة في المُذكِّرات الجوهريَّة، مُذكِّرات الموسيقي واصف جوهريَّة (جزآن)، (بيروت: مُؤسَّسة الدِّراسات الفلسطينيَّة، الطَّبعة الثَّانية، 2005م)
4. إبراهيم أبو جابر: مُستقبل القدس وسبل إنقاذها من التَّهويد، (أُمُّ الفحم (فلسطين المحتلَّة): مركز الدِّراسات المُعاصِرة، الطَّبعة الأولى، 1997)
5. الكيلاني، موسى زيد: سنوات الاغتصاب 1948- 1965، (عمَّان: بدون دار نشر، الطَّبعة الأولى، 1965)
6. صبري، عكرمة: فلسطين.. الإنسان والأرض، (القاهرة: مركز الإعلام العربيِّ، سلسلة رسائل القُدس "1"، الطَّبعة الثَّالثة، 2011)
7. وليد الخالدي: القُدس: من العُهدة العُمَرِيَّة إلى كامب ديفيد الثَّانية، (بيروت: مُؤسَّسة الدِّراسات الفلسطينيَّة، الطَّبعة الأولى، 2001م)
8. عادل منَّاع: لواء القُدس في أواسط العهد العثمانيِّ: الإدارة والمجتمع مُنذ أواسط القرن الثامن عشر حتى حملة محمد علي باشا سنة 1831 (بيروت: مُؤسَّسة الدِّراسات الفلسطينيَّة، الطَّبعة الأولى، 2008م)
9. الاستيطان في مدينة القُدس- الأهداف والنَّتائج، ملفٌّ منشورٌ على موقع "بوابة فلسطين" الإلكترونيِّ