قوافل كسر الحصار .. طعم آخر بعد الثورات

الرئيسية » بصائر الفكر » قوافل كسر الحصار .. طعم آخر بعد الثورات
alt

تجري الاستعدادات بشكل حثيث لإطلاق قافلة "أميال من الابتسامات" الرَّابعة إلى قطاع غزة خلال الأيام القليلة القادمة، وقد بدأت الوفود المشاركة  بالتوافد إلى القاهرة يوم الثلاثاء والأربعاء " 26 و 27 من يوليو الجاري "  تمهيدًا لدخول غزة عبر معبر رفح.
وقال المنظمون: إنَّ الاتصالات جارية مع المسؤولين المصريين بشأن المشاركين وأعدادهم، وحمولة القوافل، إضافة للبرنامج المتعلق بموعد دخولهم إلى غزة والمدَّة التي سيقضونها في القطاع.
لقد أعاد هذا الخبر إلى مسامعي مشهد عايشته في مارس عام 2009 ؛ حيث كنت ضمن وفد برلماني وشعبي لاستقبال قافلة النائب البريطاني السابق جورج جالاوي والتي أطلق عليها حينها " شريان الحياة "، والتي كانت تضم نحو 300 قافلة أتت من العديد من بلدان أوربا لكسر الحصار المفروض على شعب غزة .

في المشهد الأولى لمست تغيّراً ملحوظاً في  تعاطي السلطات المصرية التي تسير البلاد الآن لحين إجراء انتخابات برلمانية بمرونة غير معهودة في التعاطي مع هذا الملف، فقد بدأت الثورات تؤتي ثمارها حيث اتسقت الإجراءات الرَّسمية مع الإرادة الشعبية المصرية التي طالما نادت بكسر الحصار الصهيوني – المصري المفروض على الشعب الفلسطيني .
أمَّا المشهد الثاني وهو مشهد قافلة جالاوي التي أتت في أيام النظام البائد فباستعراضه ندرك مدى التغير الجوهري الذي ينسجم مع وقع الثورات.

ففي يوم الأربعاء الموافق 4 مارس 2009 توجهت من القاهرة ضمن مجموعة من نواب البرلمان المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين والتيار الناصري إلى  مدينة مرسى مطروح التي تبعد عن القاهرة بنحو 450 كيلو متراً، والتقينا قبل صلاة العصر بقافلة شعبية برلمانية قادمة من مدينة الإسكندرية ، وبتنا ليلتنا في مرسى مطروح استعداداً للتوجه لمدينة السلوم  " منفذ مصر البري على ليبيا "، والتي تبعد نحو 200 كيلو متر عن مدينة مرسى مطروح .

تحرَّكنا قبل صلاة الفجر بعدة ساعات وأدَّينا الصَّلاة على مشارف مدينة السلوم التي كانت على استعداد لاستقبال قافلة شريان الحياة ، إلاَّ أننا فوجئنا بمباحث أمن الدولة وقيادات الحزب الوطني تمنعنا من استقبال القافلة،  ولم نرها بمجرَّد العين المجرَّدة، بل إنَّ مباحث أمن الدولة حرَّضت بعض عناصر القبائل البدوية المنتمين لحزب الحكومة حينها للتحرّش بنا وتهديدنا بالاعتداء علينا، ومنعونا عنوة من استقبال قافلة جالاوي، ولم يستطع أيٌّ من الأهالي الترحيب بالقافلة التي كان يصعب على النظام منعها على غرار عشرات القوافل التي تمَّ منعها من الوصول لمعبر رفح نظراً لحالة الزخم الإعلامي التي حصلت عليها القافلة في أوروبا . 
قامت مباحث أمن الدولة تقريباً باختطاف القافلة لأكثر من 1000 كيلو متر حتى أوصلتها إلى معبر رفح دون أن يحتفي بها أيّ من أبناء مصر الذين تجمَّعوا في كثير من المحافظات على طول طريق الوصول إلى رفح .

وبعد مفاوضات صعبة وافقت السلطات المصرية في معبر رفح البري على دخول 50 شاحنة من القافلة إلى قطاع غزة محمَّلة بالمستلزمات الطبية وعشرات الأفراد من القافلة، وتمَّ إدخال  سيارات الإطفاء ومولدات الكهرباء عبر معبر العوجة، الذي يخضع للهيمنة الصهيونية.
وقد تسببت هذه القافلة في إحراج النظام المصري الذي وجد نفسه محاصراً بين إرضاء الصهاينة والأمريكان المشاركين في الحصار، وبين الرأي العام العالمي الذي اخذ يترقب تعامل مصر مع هذه القافلة التي تكون فريقها من جنسيات أوروبية مختلفة  .

نجحت هذه القافلة في فتح معبر رفح أمام آلاف الأطنان من المساعدات التي تكدست في استاد العريش الرياضي الذي يبعد عن رفح 50 كيلو متراً، والتي احتجزتها السلطات المصرية ومنعتها من الدخول إلى غزة حتَّى فسد معظمها،
فعقب دخول القافلة الأراضي المصرية اليوم الخميس، بدأت مشكلة المساعدات الإنسانية المكدسة في مدينة العريش تتجه للحل؛ حيث قامت السلطات المصرية بتحميل هذه المساعدات على شاحنات تمهيداً لدخولها مع القافلة عبر معبر رفح.
شعرت السلطات المصرية بعد هذا بالحرج من أصدقائها الصهاينة والأمريكان، وربَّما كان هناك نوع من اللوم على إدخال بعض المساعدات الإنسانية تحت الضغط الشعبي المحلي والدولي، فتولدت حالة من العدوانية من قبل النظام مع القوافل الجديد وهذا ما حدث مع شريان الحياة3 التي جاء بها جالاوي أيضاً  في يونيه 2010
فقد وصل الأمر إلى حدِّ الصِّدام مع القافلة، فقامت قوات مكافحة الشغب المصرية بمحاصرة أعضاء قافلة شريان الحياة، واستخدمت الشرطة الهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريق مظاهرة نظمها المشاركون في القافلة، احتجاجاً على تلكؤ السلطات المصرية في السماح لهم بالعبور إلى قطاع غزة.
ووقع اشتباك عنيف بين الشرطة المصرية ومئات من أعضاء القافلة ، واستولى أعضاء القافلة على الميناء وأبعدوا رجال الأمن المصريين  من معبر رفح الحدودي مع القطاع، وألقت الشرطة المصرية القبض على  تسعة منهم أثناء الاشتباك الذي دارت مفاوضات بعده بين جالاوي ووفد الحزب الوطني .

وإذا كان هذا حال تعامل النظام مع القوافل القادمة من خارج مصر، فإنَّ كثيراً من القوافل المحلية منعت من الوصول إلى رفح، بل ومنعت حتَّى من الوصول إلى سيناء،  وأصبح كوبري السلام " أعلى قناة السويس " ومدخل مدينة الإسماعيلية أبرز المحطات التي تمَّ احتجاز القوافل المصرية عندها ، ففي يناير 2008  تمَّ منع أكبر القوافل المرسلة من اتحاد أطباء العرب، وكانت عبارةً عن مواد غذائية وأدوية بلغت قيمتها مليون دولار؛ حيث تمَّ احتجاز القافلة  على الكوبري، و في سبتمبر 2008 تمَّ منع قافلة كسر الحصار على غزة من دخول سيناء، وتمَّ احتجازها عند مدخل مدينة الإسماعيلية، وكانت تضمّ سرباً كبيراً من السيارات التي تحمل المواد الإغاثية.
ومنذ بداية عام 2008 وحتى 2010  منعت السلطات المصرية عشرات القوافل الاغاثية التي كان آخر ما شاهدتها وشاركت فيها قافلة في يونيو 2010، والتي كانت تضمّ 9 من نواب البرلمان المصري برفقتهم حافلة اسمنت، فخلال مسيرتنا تمَّ عرقلتنا لعدَّة مرَّات حتى اقتربنا من مدينة  رفح، فاستولوا على سيارة الاسمنت، وتمَّ احتجازها عند مقر المحافظة، وأصرّوا على عدم دخولها إلاَّ عبر معبر العوجة بما يعنى تسليمها للكيان الصهيوني.
بيد أنَّ المشهد قد تغيَّر تماماً الآن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، فقد فتح المعبر بانتظام، ولن يقف النظام الجديد ضد الإرادة الشعبية .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …