مع دخول شهر رمضان شهر الرَّحمة والمغفرة والعتق من النيران يتزايد إقبال المسلمين على الطاعات التي قد يتكاسلون في أداء عنها في كثير من الأوقات من صيام وقيام وزكوات، ومع ذلك يستنهض الدّعاة المسلمون بشكل خاص كأنَّه استنهاض مؤقّت، وهذا ما وصفة الدكتور صلاح سلطان خلال حواره مع "بصائر" بأنَّه إذا وجد ذلك، فهذا نتاج عدم تذوق حلاوة الطاعة التي هي ممارسة فقهية للأحكام دون النظر إلى مقاصد هذه الأحكام الفقهية، فالمفترض بالإنسان أن يبدأ برمضان وينتهي بالاعتكاف لأنَّه هام قلبه بحب الله وحب الطاعة.. فإلى نصّ الحوار.
بداية، ما المطلوب من الدّعاة خلال المرحلة القادمة وخاصة مع قيام هذ ة الثورات ؟
أرجو أن نبدأ مشوار الوحدة ديانة لا سياسة، وحبًا لبعضنا وليس ابتسامة مرسومة على شفاهنا، وأن نتحرك معًا بروح الفريق الرباني شعارنا (إنا إِلَى الله راغبون) نلتقي تحت هذا الشعار، ونفتح القلوب للحب أولاً، ثم نفتح العقول للحوار ثانيًا، ثم أخيرًا نفتح الطريق إلى وحدة صفنا دون تدخل في الشؤون الإدارية والمالية لأية جمعية أو مؤسسة، ونحن نعيش في الغرب ونرى صور الوحدة الكونفيدرالية أو الفيدرالية، فهل نعجز أن نحقق وحدة إسلامية أرقى منها؟! إنني أرجو أن نفكر جديًا كيف نجمع صفنا ونتغافر فيما مضى ونخطط لما بقي، جعل الله يومنا خيرًا من أمسنا وغدنا خيرًا من يومنا.
هنالك بعض الدّعاة يستنهضون الأمَّة لرمضان كأنّه استنهاض لرمضان فقط، فما رأيك في ذلك ؟
من أجل هذا كتبت كتابي (ثوابت الإيمان بعد رمضان) فكانت الفقرة المحدّدة أن الناس عندما اعتادت أن تعيش في مراوح ومكيفات بعدما كانوا يعيشون في الهواء سواء دخلت عليهم ثوابت الدنيا المتغيرة وثوابت الآخرة لم تتراجع فهذا يعني أننا لم نتذوق حلاوة الطَّاعة التي هي ممارسة فقهية للأحكام دون النظر إلى مقاصد هذه الأحكام الفقهية، فالمفترض بالإنسان أن يبدأ برمضان وينتهي بالاعتكاف، لأنه هَامَ قلبُه بحب الله وحب الطاعة، فالعشر الأواخر هي الثمرة، ولكن للأسف يقل المصلون في المساجد فهنالك فجوة حقيقية يجب سدّها.
العالم الإسلامي يواجه حرباً فكرية وحرباً عسكرية، أيّهما أخطر ؟ وكيف ترى المخرج ؟
إن القصف الإعلامي والفكري أخطر من العسكري لأنَّ القصف العسكري يولِّد مقاومة ويولد شهداء وجرحى ، أمَّا القصف الفكري يولد تغييراً في المفاهيم ذاتها
الحقيقة حينما دخلت القوات الصليبية الأمريكية إلى العراق كنتُ فى أمريكا في ذلك الوقت وأول خطبة بيَّنت خطورة الحرب، ولكن مع هذا قلتُ : إن القصف الإعلامي والفكري أخطر من العسكري لأنَّ القصف العسكري يولِّد مقاومة ويولد شهداء وجرحى ، أمَّا القصف الفكري يولد تغييراً في المفاهيم ذاتها، فيجب أن تكون هنالك مواجهة فكرية لهذا التيار الفكري الذي يتدخل في كلّ شيء حتّى التعليم هذا أمر ضروري التصدي له
فيجب إعادة بناء العلماء من خلال:
دراسة الإسلام في صورته الصَّحيحة أولاً
دراسة هذه التيارات وإحصائها.
وهذا مكوَّن من 4 خطوات
1- جمع كلّ ما يصدر من ثوابت الإسلام.
2- تصنيف هذه الموضوعات إلى أصناف ومؤسسات والقضايا التي يتناولونها.
3- الرد العلمي الهادىء القوي المتين بأدب عالٍ.
4- نشر هذه الأشياء بالوسائل الحديثة والمعاصرة.
فتعمل مؤسسة على أن تقوم بجمع هذه الشبهات، ثمَّ توزيعها إلى قضايا، ثمَّ الرد عليها، والرد على ذلك يكون بالترسيخ بالدليل العقلي لصحة النقل أو الترسيخ بالنقلي لصحة العقلي، ثم النشر العلمي المناسب لطبيعة القضية، هذا جهاد لا يقل أبداً عن المقاومة التي تخرج في سبيل الله مؤكّدا أنَّ القصف العسكري أقل خطورة من القصف الفكري، فأمريكا فشلت في العراق، وهي تحاول أن تخرج بنجاح لحفظ ماء وجهها، ولكنَّها نجحت نجاحاً من خلال بعض علمائها الذين سارت تعطيهم مباشرة الأموال، فهذا يؤكِّد خطورة الغزو الفكري وفي مصر وتحت مسمّى دعم المؤسسات غير الحكومية وصلت مساعدات لمركز ابن خلدون بحوالى13 مليون جنيه، والحكومة المصرية غاضبة ومستنكِرة، ليس من أجل أن هذه المساعدات وصلت، ولكن من أجل أنها لم تصل عن طريقها، فسار هنالك عملاء ومروجون للمشروع الغربي العلماني المتحلل من كل القيم، فهذا هو الخطر الذي يجب أن نعلن عليه الجهاد، ولا يجوز أبداً أن نتهاون في ذلك.
كيف للدّعاة أن يواجهوا الأفكار الدخيلة على الشريعة الإسلامية ؟
بعض العلماء أيديهم في المياه الباردة، فلا بد أن ينهضوا ويشعروا بأهمية الدعوة إلى الله ويستعيد الثوابت الحقيقية، في الحقيقة ضل مَن قال: إنَّ هؤلاء عرب العرب حينما استمر الحصار 3 سنوات في شعب أبي طالب، فماذا حدث؟ أناس من كفار قريش هم الذين فكوا الحصار عن المسلمين، فنحن أمام رِدّة حقيقية، ردةّ أخلاقية وردة لم تكن موضع نقاش من قبل نحن نحتاج إلى إعادة هذه الثوابت ونحن عندنا الرَّصيد الذي يعيد بسرعة عندما تحضر مؤتمراً مثل مؤتمر القدس الدولي تجد به أناساً من كلِّ دول العالم سافرت على حسابها في وسائل مختلفة الشعب المصري يستطيع أن يقف مع كلّ أحرار العالم وتتفاعل مع العلماء، فلا تشك لحظة أن جهدك ضائع ولن يثمر، فنحن نتعامل مع مجتمع مسلم يميل إلى الفطرة ونحتاج إلى الهمة وحركة الشباب والنساء فالصوت المخلِص يفتح الله به الآفاق {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ......} الصف: 8
فالمستقبل بيدي الله وهو الذي سينصر الحق {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا......}الحج :38
التيارات الإسلامية لم تتفق بعد على كلمة واحدة، فما السبب ؟
لابد أن ندرك أنَّ وحدتنا فريضة شرعية وضرورة واقعية، وأن فرقتنا تسوًّد وجوهنا يوم لقاء ربّنا، وتمزق صفنا وتضاعف جراحاتنا في نظام عالمي جديد شعاره مع المسلمين (إما أن تعيش مفتونًا وإما أن تموت مقتولاً) في الوقت الذي يعدنا ربنا بالعزّة والنصر والتمكين والفوز المبين إذا اجتمعت القلوب وتصافت الصدور وتعاضدت الجهود، نتجرع آلام الماضي رغم فداحته ونتجمع لإصلاح الواقع رغم صعوبته، والشاعر يقول
لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
لقد أحس الأوروبيون بخطر الإذابة في النظام العالمي الجديد، فوحَّدوا صفوفهم رغم الحروب والويلات والمواجهات بين القادة أنفسهم، وأصدر الفاتيكان وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح وصار لليهود حاخاماتهم وللكاثوليك بابا الفاتيكان وللبروتستانت مجلس الكنائس العالمي وللبوذيين والهندوس والسيخ قياداتهم.. فهل نعجز - نحن أمة القرآن والسنة النبوية- أن تكون لنا قيادة واحدة؟
إننا إذا فعلنا فسيكون شرف الدنيا والآخرة، ووراء كل منا رجال ونساء يتطلعون إلى وحدة قلوبنا وتفاهم عقولنا والتقاء جهودنا، وإذا لم نفعل فوالله ما نحن بخير من حكامنا الذين يختلفون في النقير والقطمير ونحن من باب الإنصاف لم تفرض علينا الأنظمة أي قدر من الاختلاف بل هو صناعة أيدينا.
بصفتك مؤسس الجامعة الإسلامية بأمريكا؛ حدِّثنا عن رمضان هناك؟
أنا افتقدت رمضان في أمريكا لأنَّ في أمريكا يفطر أحدنا في بيوت بعضنا وإمّا في المركز الإسلامي بالولاية التي نقيم بها، ونقوم في رمضان بدعوة عمدة الولاية والمسؤولين في البوليس والبنوك ليأكلوا معنا على الإفطار وهم يسعدون جداً بهذه الدعوات ويطلقون عليها ثقافة، ثمَّ في الوقت ذاته نقوم بتعريفهم على الإسلام وأذكر حينما دعونا عمدة المدينة وذهبنا نشكره قال لي: إنَّ المسؤولين سألوني هل المسلمون أناس عاديون مثلنا، قال: لقد رأيتهم أرقى مستويات الخُلق والفكر، وقال: لقد فوجئتُ بأنَّ منهم عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات والمهندسين والمحامين! هذا بالفعل ممن تعتز بهم المدينة، وساهم هذا في فتح مجالات للحوار مع غير المسلمين وإسلام العديد منهم.
هل هنالك عددٌ محدَّد يدخل الإسلام سنوياً في أمريكا؟
الحقيقة لا أبالغ، لأنَّ المسلمين ليس عندهم مراكز بحثية علمية، فعدد المراكز الإسلامية في أمريكا 2500 مركز، فيندر أن يمرّ أسبوع ولا يسلم 2أو3، فعندما يكون عندك 2500مركز ويسلم في كل مركز 2أو3أسبوعياً، فهذا عدد ليس بقليل، وهنالك دراسة قامت بها جامعة هارد فور على1209مركزاً أثبتت أنَّ متوسط المسلمين الحد الأدنى 1 والحد الأعلى 16 فهذا يبشر بالخير.