قال الإمام إبراهيم بن أدهم : (إنَّ الأيام تبسُطُ ساعاتٍ، والسَّاعاتُ تبسُط أنفاسًا، وكلُ نفَسٍ خزانة، فاحذر أن تُذهِبَ نفسًا في غير شيء، فترى يوم القيامة خزانةً فارغة فتندم). لذلك تبرز أهمية المحافظة على الأوقات وملئها بالنَّافع المفيد الذي يزيدنا قرباً من المولى سبحانه وتعالى، فنعمة الفراغ كما وصفها الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم مغبون فيها كثير من النَّاس، ومن ثمَّة كان حسن استغلالها بما يرضى الله ويوافق سنة الرَّسول سبيلاً للسعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، ومهما كان لدينا من اتساع للأوقات، فإنَّها لا تسع الواجبات المنوطة بالمسلم في اليوم والليلة ومواسم العبادات والطَّاعات المختلفة، ولله درّ من قال : (الواجبات أكثر من الأوقات). ولتحقيق التوازن بين الواجبات والأوقات، كان فقه الأولويات سبيلاً يدلنا على واجب السَّاعة، وأعمال مخصوصة في مواسم الطاعات، وبما أننا على أبواب شهر كريم، أمِرْنا فيه أن نقطف ثمار التقوى أياماً معدودات، فإنَّنا نقدّم لكم في هذه الزاوية كتاباً يساعدنا على ذلك، ويضع بين أيدينا خطط العبادات وبرامج الطاعات في شهر رمضان المبارك،ألفه إمامٌ وحافظ جليل في القرن الثامن الهجري، إنَّه كتاب : ((لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف)) للإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي.
مع الكتاب:
((لطائفُ المعارفِ فيما لمواسمِ العامِ من الوَظَائِف)). كتابٌ مفيد في بابه، ومرجع لطيفٌ للمسلم في معرفة واجباته من الطَّاعات والعبادات والقُربات في أيام وأشهر السنة كلّها، رتَّبه الإمام الحافظ ابن رجب حسب مناسبات العام وأشهره ومواسمه، وما يحسن للمؤمن استغلال عمره في عمله، وتوجيهه نحو مواسم الخيرات.
ووصف حاجي خليفة في ((كشف الظنون)) هذه الكتاب بقوله : (جعل الوظائف المتعلقة بالشهور مجالس مرتبة على : ترتيب شهور السنة الهلالية، فابتدأ بالمحرَّم وختم : بذي الحجة، وذكر في كلِّ شهر: ما فيه من الوظائف، وختم: بمجلس في التوبة).
وفي وظائف شهر رمضان المبارك، وزّع أبوابه على ستة مجالس، جاءت على النحو التالي:
المجلس الأول: فرحة الصَّائم عند لقاء ربِّه.
المجلس الثاني: في فضل الجود في رمضان وتلاوة القرآن.
المجلس الثالث: في ذكر العشر الأوسط من شهر رمضان وذكر نصف الشهر الأخير.
المجلس الرّابع: في ذكر العشر الأواخر من رمضان.
المجلس الخامس: في ذكر السبع الأواخر من رمضان وقيام ليلة القدر.
المجلس السّادس: في وداع رمضان.
والكتاب مطبوع ومحقَّق ومتداول في دور النشر والمكتبات.
كان ابن رجب أحد الأئمة العلماء الزهَّاد العاملين، ومفيداً للمحدّثين، ومن الوعّاظ المتميّزين
مع المؤلف:
هو الشيخ زين الدّين أبو الفرج ابن رجب، عبد الرَّحمن بن أحمد البغدادي ثمَّ الدمشقي الحنبلي، المعروف بابن رجب، ولد في بغداد سنة 706هـ، رحل إلى دمشق مع والده فأجازه كثير من العلماء منهم الإمام النووي، وكان ابن رجب أحد الأئمة العلماء الزهَّاد العاملين، ومفيداً للمحدّثين، ومن الوعّاظ المتميّزين إلاَّ أن توفي سنة 795هـ في دمشق، ودفن في مقبرة الباب الصغير.
قال الحافظ ابن حجر في إنباء الغمر : (سمع بمصر من الميدومي، وبدمشق من ابن الخباز، ووافق شيخنا الحافظ العراقي في السَّماع كثيراً، ومهر في فنون الحديث أسماء ورجالاً وعللاً وطرقاً واطلاعاً على معانيه).
من مؤلفاته : جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، وشرح علل الترمذي، واستنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس، والإلمام في فضائل بيت الله الحرام، وفتح الباري في شرح الجامع الصَّحيح للبخاري، والتخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، وغيرها من الكتب والمصنّفات.