مشتريات رمضان، عروض رمضان، مآدب رمضان، قطائف رمضان، أفلام ومسلسلات رمضان، خيام رمضان، زينة رمضان، سهرات رمضان، و كل يعدّ مؤنته التي تناسب رمضانه!!
حالة استنفار وترقب، وكل لديه أسبابه التي لا تتوافق مع طبيعة الشهر بوصفه مدرسة إيمانية يترفع فيها الإنسان عن حياته الروتينية ليقترب من حياة الملكوت بجسد يدب على الأرض و روح تحلق في السَّماء.
التاجر ينتظر رمضان كموسم زيادة في البيع والأرباح، وتبقى الأسواق مفتوحة إلى ساعات الفجر، والناس تسعى إلى البيع وتذر الصَّلاة والمساجد.
والفضائيات تجتر برامجها إعادة تلو إعادة على مدار السنة لتتدخر كل طاقاتها وإنتاجها لشهر رمضان في تنافس محموم على مدار الساعة والشهر، لا ينقطع احتراما لفطور أو سحور أو آذان أو صلاة.
والأسرة تتراكض لتموين احتياجات رمضان وأطباقه وحلوياته ومشروباته الخاصة، وتأمين ميزانية الولائم، وربة البيت تتابع برامج الطهي على كل القنوات حتى تعدّ ما لذَّ وطاب للصَّائمين خروجاً على مألوف السفرة الاعتيادية.
وتجَّار الليل ينتظرون الإفطار حتَّى يفتحوا المقاهي والخيام، وتبدأ المشاريب والألعاب وأوراق الشدة والأرجيلة في الدوران على المفطرين حتى يحين وقت السحور، فيتفرق الجمع بانتظار ليلة جديدة تسلم إلى آخر ليلة من الشهر الذي يبدأ وينتهي فجأة عند الكثيرين، وما بين رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير ليس أكثر من طرفة عين. كانت رزنامة الصَّالحين تبدأ برمضان، كان تقويمهم يبدأ بالطاعات، وساعتهم تتحرك لدقات العمل والعبادة، وشهادة ميلادهم سنوية تكتب من رمضان إلى رمضان،
وتبقى ثلة من الآخرين كما وصفها القرآن الكريم ترى في الشهر زوادة من نوع آخر، ومؤونة عام كامل لروح أنهكتها تخم المعاصي، وجسد تقلب في الملذات فعافها، ولو كانت مباحة، وفرصة لزيادة عشرات السنين من العمر في الطاعات، ولتحقيق كل الحاجات والمآرب الدنيوية وتمام الأمر بالعتق من النار.
هكذا فهم الصحابة رمضان فلم يموّنوا له زيتا ولا زيتونا مخافة الحاجة، بل موَّنوا له ستة أشهر مسبقة من الاستعداد بالصَّلوات والدَّعوات ورياضة النفس على التقشف والزهد مخافة الفقر في الدين، حتى إذا جاء رمضان بدأ التلذذ بطيب المؤونة قرباً من الله، وسعادة في المناجاة، وسباقاً في الخيرات تؤتي أكلها في الستة أشهر الباقية تثبيتا من الله وعوناً وعصمة.
كانت رزنامة الصَّالحين تبدأ برمضان، كان تقويمهم يبدأ بالطاعات، وساعتهم تتحرك لدقات العمل والعبادة، وشهادة ميلادهم سنوية تكتب من رمضان إلى رمضان، فالتوبة ميلاد، والتائب يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، والله يعود بالمغفرة على من يعود على نفسه بالاستغفار، فرمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما.
كانوا ينظرون إلى رمضان كفرصة قد لا تتكرر للازدياد في الدنيا والآخرة، كانوا يعدون ويدخرون الدعوات ويجتهدون في الطلب في رمضان فما ينقضي الشهر إلاَّ وقد أعطى الكريم أضعافا مضاعفة بتحقيق الحاجة و الرحمة و المغفرة والعتق، كانوا يسألون الله أن يرزقهم حتى ملح الطعام كما يدعونه بالنظر إلى وجهه الكريم وصحبة نبيّه صلى الله عليه وسلّم، كانوا يدعون دعاء المضطر الذي يوقن أن لا قاض لحاجته ولا كاشف لكربته و لا جابر لكسره إلا الله .
وماذا عنا؟؟؟ نتمون للدنيا بأضعاف ما تطيق بطوننا أكلا و أجسادنا كسوة، و ننسى يوما يحشر الناس فيه عراة عطشى جوعى لا ينجو منه إلاَّ من أتى الله بقلب سليم وعمل متقبل.
لقد قال الصحابي حذيفة بن اليمان "ليأتين على الناس زمن لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء الغريق" وأي زمن أحق بحرارة هذا الدعاء من زمننا هذا والإسلام مستباح مستضعف والمسلمون يُذبحون في مشارق الأرض ومغاربها، وكرامتهم مهدورة، وحقوقهم مسلوبة، وأوطانهم محتلة.
هذا شهركم يا أصحاب الحاجات لتوجهوا وجوهكم إلى من يفرح بالدعاء والسؤال لا إلى الذين ينفرون منكم و يديرون وجوههم وظهورهم وصدق الشاعر:
لا تسألن بني آدم حاجة و سل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله و بني آدم حين يُسأل يغضب
أيّها الأبُ وأيتها الأمُ اللذان أعياكما الأبناء هذا شهر الدعاء بالهداية لهم.
أيّها الزَّوج وأيتها الزّوجةُ اللذان باعدت بينكما المشاكل هذا شهر الدعاء بأن يؤلف الله بين قلبيكما.
أيّها الشاب وأيتها الفتاة اللذان تأخر زواجكما هذا شهر الدعاء بأن يرزقكما الله بالزَّوج والذرية الصالحة ويقرّ أعينكم بها و يجعلكم للمتقين إماماً.
أيّها الطلاب الذين صعبت عليهم الدراسة هذا شهر الدعاء بأن يفتح الله عليكم فتوح العارفين ويعلمكم كما علم آدم ويفهمكم كما فهم سليمان عليهما السَّلام.
أيّها المجاهد هذا شهرك لتدعو منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب أن ينصر الإسلام و يرزقك الشهادة.
أيّها الفقيرُ هذا شهرك لتدعو بالستر والرِّزق.
يا مَنْ ولّيت شيئاً من أمر المسلمين، فقصرت فيه هذا شهرك لتدعو بالمغفرة والصَّلاح وتعزم على أداء الأمانة والحقوق لأصحابها.
هذا شهر الدّعاء للدّعاة والمصلحين الذين ينظرون له كطاقة أمل وحافز عمل كما يقول الدكتور أحمد خيري العمري "الدعاء في جوهره هو أن عندك قضية، لديك دعوة ما، لديك هدف، لديك ما يملأ عليك حياتك لدرجة أنك تطلب منه عزَّ وجل أن يعينك فيه".
لقد امتلئت خزائن الدنيا بما لذَّ و طاب وحلي، حتّى الفقراء يطعمهم الله ويكسوهم في رمضان، فماذا عن خزائن الآخرة؟؟؟
يقول الإمام الغزالي: "إنَّ العبد ينشر له بكل يوم أربع وعشرون خزانة مصفوفة، فيفتح له منها خزانة، فيراها مملوءة نوراً من حسناته التي عملها في تلك الساعة ، فيحصل له من السرور بمشاهدة تلك النور ما لو وزع على أهل النار لأدهشتهم عن الإحساس بألم النار، ويفتح له خزانة أخرى سوداء مظلمة يفوح ريحها ويغشاه ظلامها وهي الساعة التي عصى الله تعالى فيها، فيحصل له من الفزع والخزي ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمهم، ويفتح له خزانة أخرى فارغة ليس فيها ما يسوؤه ولا يسره، وهي الساعة التي نام فيها أو غفل أو اشتغل بشيء من المباح، ويتحسر على خلوها، ويناله، ما نال القادر على الربح الكثير إذا أهمله حتى فاته، وعلى هذا تعرض عليه خزائن عمره فيقول لنفسه: اجتهدي اليوم في أن تعمري خزانتك، ولا تدعيها فارغة ولا تميلي إلى الكسل والدعة والاستراحة ، فيفوتك من درجات عليين ما يدركه غيرك"
ماذا موّنتم من الدعاء؟
شاهد أيضاً
حق الملح: هل يقدّر الأزواج جهود زوجاتهم في رمضان؟
مشهد دافئ في صباح عيد الفطر المبارك يحصل في بعض بيوت المغرب العربي.. صباح العيد …