((الصَّوم لي )) .. معاني ودلالات

الرئيسية » بصائر تربوية » ((الصَّوم لي )) .. معاني ودلالات
alt

لاشكَّ أنَّ الأعمال كلّها التي يقوم بها المسلم ابتغاء وجه الله عزَّ وجل هي له سبحانه، وهو يجزي بها أحسن الجزاء، يقول الله سبحانه :{ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.(النساء:124)، ويقول تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. (النحل:97). ويقول عزّ وجل:{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}. (طه:112). ويقول تبارك وتعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}. (الأنبياء:94).

ومن الأعمال الصَّالحات وأفضل الطاعات التي يتقبّلها المولى سبحانه من عباده المؤمنين عبادة الصّوم سواء كانت فريضة أو نفلاً، حيث وصف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فيما يرويه عن ربّه عزّ وجل الصوم بأنّه لله سبحانه وهو يجزي به صاحبه؛  فعن أبي هريرة : عن النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم، قال: (( يقول الله عزَّ وجلَّ: الصَّوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي...)). (أخرجه البخاري ومسلم).

إنَّ الصَّوم لا يظهر من ابن آدم في قولٍ ولا عملٍ، وإنَّما هو نيَّة ينطوي عليها صاحبها، ولا يعلمها إلاَّ الله، وليست ممَّا تظهر فتكتبها الحفظة كما تكتب الذِّكر والصَّلاة والصّدقة وسائر الأعمال
ولعلّ سبب تخصيص الصوم بهذه الخصيصة والميزة ما ذكره الإمام ابن الأثير في (النهاية) : (إنَّ جميع العِبَادات التي يَتَقَرَّب بها العِبَاد إلى اللّه عزَّ وجل - من صلاة وحَجّ وصَدَقة واعْتِكاف وتَبَتُّل ودُعاء ... وغير ذلك من أنواع العبادات - قَدْ عَبَدَ المشْرِكون بها آلِهتَهم وما كانوا يتَّخذُونه من دون اللّه أنْداداً، ولم يُسْمَع أنَّ طائفة من طَوائف المشركين وأرباب النِّحَل في الأزمان المُتَقَادِمة عَبَدت آلهتَها بالصَّوم ولا تقَرَّبَتْ إليها به ولا عُرف الصَّوم في العبادات إلاَّ من جهَة الشرائع، فلذلك قال اللّه عزَّ وجل: ((الصَّوم لي وأنا أجْزِي به)) : أي لم يُشَارِكْني أحدٌ فيه ولا عُبد به غيري فأنَا حينئذ أجْزي به وأتَوَّلى الجزاء عليه بنَفْسي لا أكِلُه إلى أحد من مَلَك مُقرّب أو غيره على قَدْر اخْتصاصه بي).

إنَّ الصَّوم لا يظهر من ابن آدم في قولٍ ولا عملٍ، وإنَّما هو نيَّة ينطوي عليها صاحبها، ولا يعلمها إلاَّ الله، وليست ممَّا تظهر فتكتبها الحفظة كما تكتب الذِّكر والصَّلاة والصّدقة وسائر الأعمال.
والصَّوم في الشريعة ليس بالإمساك عن الطعام والشراب، لأنَّ كلَّ ممسك عن الطَّعام والشَّراب إذا لم ينو بذلك وجه الله ولم يرد أداء فرضه أو التطوّع لله به، فليس بصائم في الشريعة، والصَّوم في لسان العرب أيضاً الصَّبر، قال الله تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. (الزمر:10). وقال أبو بكر بن الأنباري: (الصوم يسمَّى صبراً لأنَّه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات).
وذلك بأن يدع المسلم الطعام، والشراب، والجماع، ونحوها من المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس طيلة شهر رمضان؛ تعبداً لله عزَّ وجل.
فالصَّوم لا يقع فيه الرِّياء كما يقع في غيره، قال أبو عبيد:(وذلك لأنَّ الأعمال إنَّما تكون بالحركات إلاَّ الصَّوم فإنَّما هو بالنيَّة التي تخفى عن الناس).
ولا جرم أنَّ في هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، يتضاعف ثواب الصَّدقة والخير، وكذلك العبادات، وفي هذا يقول الإمام الزهري: (تسبيحةٌ في رمضان خير من سبعين في غيره).
الصِّيام يزكّي النفس، ويقيمها على تقوى الله، ويجعل الفرد والمجتمع يستشعر رقابة الله عليه في السّرّاء والضّرّاء في السّر والعلانية
وللصِّيام في شهر رمضان ثمرات يجنيها عبادُ الله المؤمنين الذين  يستجيبون لداعي الله ورسوله؛ فمن هذه الثمرات :
تزكية الرّوح، وتهذيب النّفس، وترفعها عن الدّنايا، وترويضها على ترك المحبوبات طلباً لمرضاة الله، وتعويدها على الصَّبر وتحمّل المصاعب.
تنمية الإخلاص ومراقبة الله، ورعاية الأمانة، والشعور بالآخرين، وطرد الفردية،  وحصول الصّحة العامة للبدن.
والصيام يحيي القلب، ويزهد في الدنيا، ويرغب فيما عند الله، ويذكر الأغنياء بالمساكين وأحوالهم ؛ فتعطف قلوبهم عليهم، ويعلمون ما هم فيه من نعم الله فيزدادوا شكراً.
والصِّيام يزكّي النفس، ويقيمها على تقوى الله، ويجعل الفرد والمجتمع يستشعر رقابة الله عليه في السّرّاء والضّرّاء في السّر والعلانية، حيث يعيش المجتمع شهراً كاملاً محافظاً على هذه العبادة، مراقباً لربِّه، يدفعه إلى ذلك خشية الله تعالى، والإيمان بالله وباليوم الآخر، واليقين بأنَّ الله يعلم السرَّ وأخفى، وأنَّ المرء لا بدَّ له من يوم يقف فيه بين يدي ربِّه فيسأله عن أعماله كلها صغيرها وكبيرها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …