كلُّ عمل يراد له النَّجاح يجب أن يتوفر له شرط مهم هو الاستمرار والعمل الدَّعوي يحتاج أشد الحاجة إلى الحفاظ على استمراره حتّى يؤتي ثماره وحتى يحدث ذلك يجب أن يحمل هذا العمل أناس ثابتون راسخون رسوخ الجبال، وهذا الثبات نوَّه إليه القرآن الكريم في مواضع كثيرة، ولتحقيق هذا الرّكن يجب أن يتوفر في الفرد عدَّة عوامل منها:
1- التكوين الصَّحيح : فتكوين الفرد المسلم الدَّاعية يحتاج إلى العبادة الصَّحيحة والعقيدة الصَّحيحة والتقرّب إلى الله بالنوافل والطَّاعات والقيام بين يدي الله باللّيل، فقد أمر الله رسوله أن يترك فراشه ويترك الراحة ومتاع الدنيا، وينصب قدميه بين يدي الله عزَّ وجل حتى يستلهم الطاقة التي تعينه على تحمل المشاق والصّعاب التي ستقابله في طريق دعوته فقال له ﴿يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ﴾ ولم كل هذا ﴿إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ﴾ كل هذا إعداد لكي يستطيع النبيّ أن يحمل الرسالة ويتحمَّل كلَّ ما لقي من سب وقذف وإيذاء نفسي وبدني فكان يلقى عليه سلا الجذور وهو يصلي وقذف بالحجارة حينما ذهب إلى الطائف حتّى دميت قدماه.
2- الصَّبر : وصّى الله نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بالصّبر، فقال في أكثر من آية ﴿ولربك فاصبر ﴾ ﴿واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ﴾ فقد يطول الطريق وتزداد حدة الابتلاء ولكن الله وعد المؤمنين بالنصر ﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسول ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلى ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون﴾ (الأحقاف : 35)
ويقول الإمام البنا رحمه الله: (الثبات: أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدَّة وتطاولت السنوات والأعوام، حتّى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحُسنيَين، فإمّا الغاية وإمّا الشهادة في النهاية، ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، والوقت عندنا جزء من العلاج، والطريق طويلة المدى بعيدة المراحل كثيرة العقبات، ولكنَّها وحدها التي تؤدّي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة.
3- الايمان بالنَّصر: ﴿ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ﴾ (الصافات 171،172) فهذا وعد من الله لعباده المؤمنين بالنصر مهما طال الزمن أو قصر ﴿والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾(يوسف:21).
4- الدعاء: حينما قاتل طالوت وجنوده دعوا الله أن يثبتهم وينصرهم ﴿ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ﴾ (البقرة :250) فماذا كانت النتيجة ﴿فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وأتاه الله الملك والحكمة ..)(البقرة :251) وكان ممّا رُوِيَ أنَّ النبيَّ كان يجلس مع الصَّحابة، فقال لهم وكان فيهم أبو هريرة رضي الله عنه: ((إنَّ فيكم لرجلاً ضرسه في النار أعظم من جبل أحد)). ثمَّ مات كلّ من حضر هذا المجلس إلاَّ أبا هريرة، وهذا الرجل وهو الرجال بن عنفوة، وفي خلافة أبو بكر ظهر المرتدين بقيادة مسيلمة، فاستأذن هذا الرّجل أبا بكر أن يذهب إليهم ليثبتهم على الإسلام، فلما ذهب وجدهم كثيرين، فطمع أن يكون له منصب في دولة مسيلمة، وقتل هذا الرجل وهو يحارب مع مسيلمة فمات على الكفر.
وهذا ينبهنا أنَّه مهما فعلنا من طاعات ومهما تقربنا إلى الله يجب أن نسأل الله الثبات .
5- التوكل على الله: فقد قال الله تعالى ﴿فتوكل على الله إنك على الحق المبين ﴾(النمل:79). لأنَّ الثبات يأتي بتأييد الله للعبد، فإذا وجد فيه إخلاصاً وتجرداً وإيماناً صادقاً ثبته وأعانه ﴿ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا﴾(الإسراء:74)
ومن مضعفات الثبات :
1- التردّد : إنَّ الإيمان الصَّادق يتطلب اتخاذ القرار الحاسم وحمل النفس على ذلك وتحمّل المصاعب والمشاق كما فعل الصّحابة الأوائل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي و بلال وخبَّاب وعمَّار وغيرهم، أمَّا المترددون فيظلون إلى جانب الحق تارة وإلى جانب الباطل أخرى يقول الله عز وجل: ﴿فهم في ريبهم يترددون﴾(التوبة:45).
2- طاعة الهوى دعا الله المؤمنين الثبات على الحق لإقامة العدل بعدم اتباع الهوى: ﴿فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ﴾(النساء:135).
3- عدم الإيمان الصَّادق: فالمنافقون كانوا يرون أنَّ الإسلام ما هو إلاَّ أداء الصّلاة وبعض العبادات البسيطة التي يستطيعون أن يؤدونها، ولكنَّهم لما وجدوا أنَّ الإسلام فيه التزام بأمور أخرى رأوا أنّها تكلفهم بعض الأموال، وقد تصل إلى تقديم الأرواح في سبيل الله فلم يثبتوا، وقد رأينا أنهم سقطوا في اختبار الله لهم حينما كان رسول الله يجهّز لغزوة تبوك جاءه المنافقون يعتذرون إليه، وقد أخبر الله نبيَّه أنَّ مثل هؤلاء المتخاذلين المتذبذبين لن يزيدوا جيشه إلاَّ خبالاً ﴿لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ﴾(التوبة:47).
إذن، فهؤلاء المتذبذبون يعدّون وَبَالاً على الإسلام والمسلمين؛ لأنَّهم لم يتذوقوا طعم الإيمان، ولم يعرفوا الله حقَّ المعرفة، لذلك لن يثبتوا ولن يكون لهم وجود في وقت الأزمات، لذا يجب تمحيص الأفراد ومعرفة قدر ثباتهم وقدر إيمانهم بما يعتقدون وقدر تضحيتهم من أجل إعلاء راية هذا الدين.