إنَّ في تشريع الصّيام حكمة ربانية بالغة تتجلّى في الأثر الذي تحدثه هذه العبادة في الحفاظ على صحة الإنسان، فهو بالإضافة إلى أنَّه غذاء للقلب، هو كذلك صحة للجسم والبدن، ولذلك ورد في الأثر: ((صوموا تصحوا))، وفيه إشعار بأنَّ الصَّائم يناله من الخير في جسمه وصحته ورزقه حظ وافر مع عظم الأجر في الآخرة، ففيه صحة للبدن والعقل بالتهيئة للتدبر والفهم. ولعلَّ الصيام كوصفة طبيّة يعدّ من أنجع الوسائل في تطبيق الحمية، وكما قال طبيب العرب الحارث بن كلدة في مقولته المشهورة: (المعدة بيت الدَّاء والحمية رأس الدواء)، ولمعرفة فوائد الصيام من منظور طبي وعلمي، وخصائص الغذاء المتوازن في شهر الصيام، كان هذا الحوار مع الدكتور راتب بن عبد الوهاب السمَّان، المختص في التغذية السريرية.
لمحة من السيرة الذاتية للدكتور راتب السمّان:
خريج كلية الطب البشري بدمشق 1976م، ومختص بالجراحة البولية من ألمانيا الغربية 1984م، عمل طبيباً في قسم التغذية بمستشفى عرفان – باقدو بجدة 1991 – 1996م، وهو مالك ومدير مؤسسة ومصنع "حيوي" لصناعة الأغذية الصحية بدمشق منذ 1998م، ورئيس مجلس إدارة شركة BioSystem Diet Corporation الأمريكية منذ 2003م، لديه العديد من براءات الاختراع داخل سورية وخارجها، منها: براءة اختراع سورية في التغذية – الخبز الحيوي للحمية – 1997م، وبراءة اختراع أمريكية – النظام الحيوي للحمية في إنقاص الوزن 2001م، وله العديد من المؤلفات منها: يسألونك عن الروح: كتاب ديني طبي، والنظرية الروحية: كتاب علمي طبي، والتغذية الصحية – أصول علاج السمنة، وريجيم القرن الحادي والعشرين.
وإليكم تفاصيل الحوار :
بصائر: بداية، ما حقيقة العلاقة بين الصوم والصحة ؟
د. السَّمان: إنَّ 60 % من الأمراض تنشأ من سبب غذائي، ويمكن تجنبها أو شفاؤها بالحمية، والصيام هو هذه الحمية، ونذكر الأمراض التي لها عامل من سبب غذائي على سبيل المثل لا الحصر: (السكري وارتفاع الشحوم والكولسترول والضغط والقلب وأمراض المعدة والأمعاء والكولون والأمراض التحسسية وزيادة الوزن والسمنة، وما ينتج عنها من حالات نفسية، وأمراض جلدية وأمراض مفاصل، إضافة للسكري والشحوم).
بصائر: حثَّت الأحاديث النبوية على الإفطار بالتمر أو الماء، ما الحِكم والأسرار في ذلك – من زاوية علمية- ؟
د. السَّمان: التمر من أغنى الثمار بالأملاح المعدنية، وهو غنيٌّ جداً بالسكر الحرّ على شكل سكروز .
ويبدو أنَّ ذلك كان مطلوباً جداً في ذلك الزَّمان في الجزيرة العربية لشدَّة الحرّ، وما يتسبب به من فقد الأملاح والماء أثناء الصّيام، وكذلك ما كانوا يبذلونه من العمل الشَّاق أثناء نهار الصّيام، وما يؤدِّي إلى الحاجة إلى سكريات سريعة لتعويض الفاقد.
بصائر: ما هو الغذاء المتوازن الصّحي المطلوب بعد يوم كامل من الصيام؟
د. السَّمان: الغذاء الصحي المتوازن المطلوب يختلف ذلك بحسب الوزن والعمر والنشاط الجسماني والصحة والمرض، وهو عموماً لا يختلف عنه في غير الصيام، وهو عموماً تناول كثير من السوائل والأملاح، والإكثار من الخضار والحبوب الخضراء والفواكه، وقليل من اللحوم والدهون، والإقلال من السكريات والحلويات.
بصائر: لا شك أنَّ في طعام السّحور بركة، هل هناك فوائد طبية للسّحور، وبماذا تنصح المتسحرين من حيث نوعية الأكل وكميته ؟
د. السَّمان: السحور هو للتقوِّي من أجل تحمل جهد العمل في نهار الصَّيام، لذلك ينبغي أن يحوي مواد نشوية بكثرة؛ كالخبز والرز والمعكرونة.
بصائر: هناك رغبة لدى كثير من المصابين بالأمراض المزمنة كأمراض الكُلى والسكري... هل ننصحهم بالصيام أو عدمه ؟ وهل هناك أمراض يجب على المصاب بها أن يفطر ؟
د. السَّمان: ينبغي للمرضى استشارة طبيب مؤمن صالح، الصيام هو شفاء للداء السكري، ولا أجد أيَّ مبرّر للإفطار للمصابين به إلاَّ في حالات التجفف والخلونة .
أمَّا أمراض الكلى التي فيها قصور في الوظيفة فينبغي فيها الإفطار حتماً ودفع فدية، {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}، {وأن تصوموا خير لكم}، ولذلك فكل من يجد جهداً شديداً في الصوم، ويجعله يصوم في أعلى طاقة مجهدة له والتي تسمّى "الإطاقة"، فيحق له الإفطار والفدية، ولكنَّ الصِّيام خير له.
بصائر: يلجأ كثير من الصَّائمين إلى قضاء أوقات يومهم في النّوم والاستلقاء والاستراحة، ما حقيقة الرَّبط بين ممارسة العمل والصيام ؟ وما الحدود المتوازنة بينهما ؟
د. السَّمان: لا بد من العمل الطبيعي قدر الإمكان أثناء الصِّيام، ومن لا يقدر، عليه تطبيق أمر الله في الفدية طعام مسكين، لا أن ينام ولا يعمل، وهو لن ينتفع بالصِّيام لحرق الدهون المتراكمة إذا لم يعمل، بل سيسمن بدلاً من ذلك، فهو سيخسر صحياً، ويخسر من حيث الأجر عند الله، لأنَّ الله لم يشرع الصِّيام لتعليم الكسل والنوم، بينما إذا عمل فإنَّه يحرق كلَّ ما تراكم من دهون وشحوم خلال السنة السَّابقة، ممّا ينفعه في الوقاية من السمنة والسكري والشحوم وأمراض القلب.. إلخ، وسيكتب له الأجر لتحمله الجهد والمشقة طاعة لأمر الله.
بصائر: هل من نصائح طبية للصَّائمين، خصوصاً وأنَّ شهر الصيام يأتي هذا العام ودرجات الحرارة مرتفعة ؟
د. السَّمان: النصائح هي بتناول مقدار زائد من الماء والملح على السّحور، وتجنّب التعرّض للشمس المباشرة والحرّ أثناء النهار، وذلك ببدء العمل مبكراً بعد صلاة الفجر إلى قبل الظهر، و الخلود للنوم من بعد الظهر إلى العصر، والعبادة والتلاوة من بعد العصر إلى الإفطار، والنوم بعد التراويح إلى السّحور.