لقد كان سلف الأمَّة رحمهم الله، يعلمون أنَّ صوم رمضان لا يمكن أن يفترق بحال عن القرآن تلاوة وتدبّراً، ذلك أنَّه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وأنَّ القرآن الكريم معين على تحقيق المقصود من الصِّيام وفلسفته وغايته.
وهنا نورد بعضاً من النماذج المضيئة لسلف الأمَّة، وحالهم في التعامل مع القرآن الكريم :
- كان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان نفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
- وكان بعضُ السلف يختم القرآن في قيام رمضان في كلِّ ثلاث ليال، وبعضهم في كلِّ سبع، منهم قتادة، وبعضهم في كلِّ عشر منهم أبو الرجاء العطارديّ.
- وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة. عن الربيع بن سليمان قال : كان الشافعي يختم في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منه، وفي كل يوم ختمة، فكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة. وروي عن أبي حنيفة نحوه.
- وكان الزهري إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.
- وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.
- كان محمَّد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، يجتمع إليه أصحابه فيصلي بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن.
- عن عبد الله بن محمد بن اللبان أنَّه صلَّى بالناس صلاة التراويح في جميع الشهر، وكان إذا فرغ من صلاته بالناس في كل ليلة لا يزال قائماً في المسجد يصلي حتى يطلع الفجر، فإذا صلّى الفجر دارس أصحابه، وسمعته يقول : لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلاً ولا نهاراً، وكان ورده كل ليلة فيما يصلي لنفسه سبعاً من القرآن يقرأه بترتيل وتمهل ولم أرَ أجود ولا أحسن قراءة منه.
- عن ابن سعد قال: كان أبي سعد بن إبراهيم إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، لم يفطر حتى يختم القرآن وكان يفطر فيما بين المغرب والعشاء الآخرة. وكان كثيراً إذا أفطر يرسلني إلى مساكين فيأكلون معه رحمه الله.
لقد فقه سلف الأمة رحمهم الله أنَّ شهر رمضان شهر يقبل فيه المرء على القرآن، يتلوه وينور به أيامه، وينهل من معينه، ويتدبر آياته.
لقد كان سلف الأمَّة، يكثرون من القراءة، مع اتقانهم لملكة التدبر، فهم عاشوا مع القرآن، وتأثروا به، وانعكس ذلك على سلوكهم وأعمالهم، فكانوا خير سلف لخير الأمم.
إنَّ على المسلمين اليوم، أن يدركوا بأنَّ نجاحهم في تحقيق التقوى، يعتمد على مدى تأثرهم بالقرآن، والتخلق بأخلاقه، والقيام بما أمر واجتناب ما نهى عنه، فهذا سرّ تميّز سلف الأمّة في شتى أمور حياتهم الدينية والدنيوية.