كثيراً ما كان يتهم الإسلاميون بأنَّ الممارسة الديمقراطية لا تعرف لهم طريقاً، ويدَّعي البعض أنهم بعيدون كلَّ البعد عن استخدام الآليات الحديثة في الاختيار فيما بينهم ، ويفرّط بعضهم في غلوّه ويذهب إلى أبعد من التشكيك ويتهم قيادات الحركة الإسلامية بأنَّ الانتخابات لديها تدار بطريقة " التربيطات"؛ أي: الاتفاق فيما بينها لاختيار عناصر بعينها .
فما ساعد على خلق هذه الصورة الذهنية السلبية لدى النموذج المصري - على سبيل المثال لا الحصر - حالة الحظر التي فرضت على الجماعة الإخوان المسلمين منذ عام 1954، ممَّا اضطّر معها الجماعة إلى إجراء الانتخابات بعيداً عن الأضواء وأعين (البصَّاصين) والمخبرين ورجال جهاز مباحث أمن الدَّولة الذي أخذ على عاتقه خاصة خلال مدَّة حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك ملاحقة الإخوان والزجّ بهم في السجون .
وزاد المشهد غموضاً حرص الأجهزة الأمنية على عرقلة أية انتخابات داخل الحركة، فأكثر ما كان يستفزها أن تعلم أنَّ الجماعة أجرت أية انتخابات في أي مستوى من المستويات، وكان على رأس هذا المشهد ما حدث عام 1995 ؛ حيث ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على الغالبية العظمى لمجلس شورى الجماعة بعد إجراءه انتخابات في صفوفه، وإحالتهم جميعا إلى القضاء العسكري، وكان على رأس المتهمين في هذه القضية الدكتور محمد بديع المرشد الحالي، ومحمد عاكف المرشد السَّابق، ومعظم أعضاء مكتب إرشاد الجماعة الحاليين والسَّابقين الذين كان من بينهم: عبد المنعم أبو الفتوح، وعصام العريان، وخيرت الشاطر، ومحمد علي بشر.
مشهدٌ مغايرٌ ..
بالانتقال من المشهد سابق الذكر إلى مشهد آخر هو نتاج طبيعي لثورة 25 يناير؛ حيث برهنت جماعة الإخوان المسلمين يوم السبت الماضي الموافق السَّادس من أغسطس على ممارستها للعملية الديمقراطية، وفي جوٍّ من العلانية والشفافية إذا ما أتاحت لها الظروف ذلك ، حيث أجرت الجماعة انتخابات تكميلية لمجلس شورى الجماعة لانتخاب ثلاثة من بينهم لشغل منصب عضو مكتب الإرشاد بالجماعة خلفاً للدكتور محمد مرسي والدكتور عصام العريان والدكتور محمد سعد الكتاتني الذين انتقلوا لقيادة حزب الحرية والعدالة تاركين مواقعهم في مكتب الإرشاد.
أدارت الجماعة العملية الانتخابية في جو من العلانية والشفافية؛ حيث أعلنت عن إجراء الانتخابات في أحد أكبر فنادق القاهرة، ودعت جميع وسائل الاعلام العربية والاجنبية لتغطية هذا الحدث النادر، وأمام كاميرات الفضائيات وتحت أنظار الصحفيين والمراقبين تمَّت عملية الاقتراح في صناديق زجاجية، وأسفرت عن فوز الدكتور حسام أبو بكر، ومحمَّد احمد إبراهيم، وعبد العظيم أبو سيف.
على مدى خمس ساعات أجريت خلالها الانتخابات أكثر من مرَّة نظراً لتكرار عملية الإعادة لم تمل وسائل الإعلام من المراقبة والمتابعة فما بين منبهر بهذا المشهد الذي لم يره طوال حياته، وما بين متربص لأي تجاوز يرتكب حتَّى ينال من مصداقية الحركة
حتَّى كان المشهد الذي حظي باحترام الجميع، وبرهنت خلاله الجماعة على شفافيتها؛ إذ أنها التزمت بما قطعته على نفسها من الفصل بين الحزب والجماعة، فاعتذر 9 من أعضاء مجلس شورى الجماعة عن الترشح لمنصب عضو مكتب الإرشاد، بعد أن خيَّرتهم إدارة عملية الاقتراع، التي اشرف عليها أمين عام الجماعة الدكتور محمود حسين بين البقاء في مجلس الشورى والترشح لمنصب عضو مكتب الإرشاد، وبين الاستقالة من المناصب القيادية التي شغلوها في الحزب؛ حيث إنَّ كثيراً منهم شغل منصب أمين الحزب في محافظته، والبعض الآخر شغل مناصب أمناء مساعدين.
بيد أنَّ هذا المشهد الفريد كرَّس لممارسة اعتاد الإخوان القيام بها طوال تاريخهم، لكن من لم يعرف الإخوان جيّداً والمتربصون أيضاً لم يكونوا على دراية بما يحدث، أو ربما كانوا يستغلون حالة الحظر المفروضة على الجماعة للنيل من ممارساتهم التي كان من الصعب الجهر بها .