أطفال التراويح وخشوع الصلاة !
مشكلة متكرّرة مع كلِّ رمضان تواجه الأطفال بالذات الذين يرافقون أهلهم لصلاة التراويح في المسجد، فما أن يضع الأطفال قدمهم في المسجد حتى يبدأ التذمر والتقريع، وكل ذلك بحجة الخشوع الذي يفسده بكاء الصغير أو شيء من جلبة الأطفال الذين يرى بعضهم في المسجد نزهة محبّبة ويسعدهم تجمع الناس والفسحة، وأما حجّة الخشوع فلا ندري ما هو هذا الخشوع المعلق بخيط يسهل قطعه بأقل حركة بالرغم أنَّ الصَّحابة كانت تنهار الحيطان من حولهم ويعالجونهم في صلاتهم دون أن يرف لهم جفن إلاَّ من بكاء أو خشية في حضرة ربّ العزَّة، كانوا يفهمون الخشوع بأكثر من تدبر المعاني ويجمعون إليه بحبوحة الوجود مع الجماعة ولزوم الصف والذلة على المؤمنين و التوسيع لهم وعليهم.
ولكنَّنا ما زلنا لم نفهم معنى المسجد وكونه مكاناً مركزياً في حياة الأمَّة صغارها و كبارها، رجالها ونساءها، و إنَّه ليس فقط مكاناً لإقامة الصلوات، وإنَّما لانطلاق الحياة كما كان في عهد الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم مكاناً للعلم واللعب والجد والترويح والحرب والسلم والفرح والترح، فأصبح في زماننا يفتح بالسَّاعة، وتغلق قلوب كباره في وجه أطفالهم، وإن فُتحت ففي غرف مغلقة معزولة عن تزاحم الأقدام و الأكتاف والرحمات لكي لا تراهم عين و لا يرق لهم قلب ولا يحتضنهم كنف!!
وكان أبو سعيد الخدري يقول لهم: "مرحباً بوصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم أمرنا أن نوسع لكم في المجلس ونفهمكم الحديث".
أين رحمتنا بهؤلاء الأطفال الذين ما أن سمع الرَّسول بكاءهم وأمهاتهم يصلون وراءه حتى خفف في صلاته؟! أين نحن من سيرته وهو الذي حمل أمامه حفيدته بنت زينب رضي الله عنها فكان يضعها إذا سجد و يحملها إذا رفع؟
ثمَّ إنَّه أمرنا أن نعلم أبناءنا الصَّلاة في سن السَّابعة، فهل نعلمهم فقط طريقة أداءها وأركانها و فرائضها ؟ أم نعلمهم أيضا لزوم المساجد وفضلها وفضل صلاة الجماعة على أمل أن يكبروا ليصبحوا من خاصة الله وصفوته الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلاَّ ظله و منهم "شاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلَّق بالمساجد".
هل كان أطفال الصَّحابة من طينة أخرى غير طينة الأطفال، فكانوا يدخلون المسجد وكأنَّ على رؤوسهم الطير، أم أنهم كانوا أطفالاً طبيعيين يلعبون ويشاغبون أحياناً، و قد ترتفع أصواتهم كما أطفالنا؟
ولكن الفرق أنَّ رسول الله وصحابته كانوا يسعونهم بالعلم والحلم، وكان أبو سعيد الخدري يقول لهم: "مرحباً بوصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم أمرنا أن نوسع لكم في المجلس ونفهمكم الحديث".
وقد جلس غلام إلى يمين رسول الله وكان يشرب أصحابه، ويبدأ من اليمين فاستأذنه، احتراماً له وحناناً عليه واستشرافا لمستقبل سيصبح فيه الغلام من رجال الإسلام، أن يُشرب الكبار قبله، ولكن الغلام قال له: "والله، لا أؤثر بنصيبي منك أحداً يا رسول الله". فأعطاه و قدَّمه.
ولقد كان من دعاء إبراهيم عليه السَّلام : "رب اجعلني مقيم الصَّلاة ومن ذريتي"، فهل يقيم الرَّجل الصَّلاة في المسجد وذريته يصلون في البيت؟ وكذلك قوله تعالى: "و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان"، قد يؤكِّد أنَّ من حسن الاتباع بالإيمان أن تعتاد الذرية الصَّلاة في المسجد ولزوم الجماعة كوالدهم.
إنَّ صلاة الجماعة شيء عظيم، وأثرها في النفس كبير والأطفال مقبلون وإن لم يفهموا، فلا نكون من يصدهم عن المسجد ويكرههم فيه، ثمّ نعود نستميت لنجذبهم إليه ،وقد شبوا عن الطوق، وقد طردوا منه صغارا!!
لا نريد أن نكون من ينفّر الأطفال من بيت ربّهم حتّى لا ندفع الثمن مستقبلاً بأكثر ممَّا نطيق.