أخلاق الدَّاعية في رمضان .. كيف تكون ؟

الرئيسية » بصائر تربوية » أخلاق الدَّاعية في رمضان .. كيف تكون ؟
alt

{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْره إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، [الأعراف 59]، بهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية والبعث، حيث إله الكون خالق واحد وحيدٌ وحدانية مطلقة في استحقاق العبادة.. ولكن.. هل تراه قوبل باستجابةٍ كاملة؟

لا.. لقد استمرت دعوته قومه طوال ألف سنة إلاَّ خمسين، لم ينقطع فيها أبداً سرّاً ولا جهراً إلاَّ بعد أن حضره الموت عليه السَّلام.. ويظهر هذا جلياً في قوله سبحانه وتعالى على لسان سيّدنا نوح: { رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً}.
ويتبع ذلك قوله: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً{8} ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً}، [نوح "7و 8 و9 "].

نعم.. فنجاح الداعية مرهون بمدى إخلاصه لدعوته وشغفه بها واقتناعه وتفانيه من أجلها وانقطاعه إليها بجميع مواهبه وطاقاته ووسائله.. الأمر الذي يحاول كلّ من سار على خطى الدعوة إلى الله أن يعزّزه داخل قلبه.. مدى قدرته على أن يرتقي بقيمه ويهذّبها وفق القاعدة النبوية الشريفة :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

فما هي الأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها الداعية المسلم؟ وهل تختلف في الأيام العادية عن ما يجب أن تكون عليه خلال شهر رمضان المبارك؟ إجابة هذه الأسئلة يجيب عليها التحقيق التالي

الإيثار
altيصف الدَّاعية بشير العشي من غزّة الأخلاق يجب أن يكون عليها الداعية أن  يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى بعث أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم لتحقق سعادة البشرية في الدنيا، وتنتشلها من عذاب جهنم في الآخرة وفق أخلاق سيّد الخلق محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

مشيراً إلى أنَّ الأخلاق زينة المسلم وسراج دعوته وتاج وقاره سواءً كان ذلك في شهر رمضان أو في غيره، وعلى رأسها "خلق الإيثار" الذي يميّز المسلم عن غيره من بشر الدنيا كلّها؛ حيث الأنانية صفة سائدة، والكل يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية"، "مستشهداً بقوله تعالى {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة}.

ويستطرد في شرح ذلك الخلق الكريم بقوله :"من أبرز نماذج الإيثار في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم، طلب علي رضي الله عنه أن ينام في فراش النبيّ ليلة الهجرة النبوية خوفاً على حياته عليه الصَّلاة والسّلام من مكر المشركين الذين كانوا يريدون قتله، قائلاً عبارته المشهورة (إذا مت أنا فأنا فرد، أما أنت يا رسول الله فأمة)".

الحلم..
ويعدُّ الداعية العشي أنَّ أخلاق الدَّاعية المؤمن يجب أن تنمو خلال شهر رمضان المبارك حتى تصل به إلى درجةٍ أعلى حيث "الإحسان" في تعبده ربه، ودفعه الناس إلى عبادته كخالق له الفضل والمنة، متطرقاً إلى خلقٍ ثانٍ على الداعية أن لا يغفله أبداً "الحلم" (أي: الصبر) الذي ما كان في شيء إلاَّ زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
بشير العشي
"الأخلاق زينة المسلم وسراج دعزته وتاج وقاره سواء أكان ذلك في رمضان أم في غيره"

ويضيف: "صبر الداعية على مشاق الدعوة يجعل الناس يلتفون حوله حباً، فلا يرفض سائلاً ولا ينهر مستنجداً، تبعاً لقوله تعالى في كتابه الكريم مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم :"{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}، [الحج 67] ويقول أيضا {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، [آل عمران 159].

ويستمر الداعية العشي سرده لأخلاق الداعية المسلم؛ حيث طهارة اللسان من رجس اللفظ إنّما خلق لا بد للداعية أن يستمسك به طمعاً في التفاف الناس حوله واقتناعهم برسالته، حيث أكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :"ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء"، مشدداً على أهمية "الإخلاص في تأدية مهمة الدعوة إلى سبيل الله سبحانه وتعالى.

ويعرب عن اعتقاده بأنَّ الدّاعية إن استطاع أن يكون تقيّاً حليماً مؤثراً الآخرين على نفسه صبوراً، فإنَّه يجب أن يتوج ذلك بأن يكون قدوة حسنة لمن يدعوهم فيأمر الناس بالبر، ويكون أول من يأتيه وينهاهم عن المعاصي بعد أن يبتعد عنها".

بستان القيم..
كل الصفات والأخلاق التي تحدث عنها الداعية العشي، لا تكتمل بكل تأكيد ما لم يلتزم الداعية بالرَّحمة والتوبة والصدق وعمل الخيرات، وهذا ما شدَّد عليه أستاذ الشريعة في العديد من جامعات قطاع.

altو يقول د. بسام العف  من غزة  أنَّ شهر رمضان المبارك هو ربيع المؤمن الداعية وبستان القيم وموسم الطاعة والخيرات، وعلى الدَّاعية أن يستغل ذلك بجعل رمضان فرصة للتغير.. ففيه تصفد الشياطين".

ويتابع:"إنَّ الصَّحابة رضوان الله عليه كانوا ينشطون في كلِّ شهر ولكن عندما يحل شهر رمضان كان نمط حياتهم يختلف تماماً، حيث تصفى قلوبهم وتتهذب أخلاقهم أكثر فتزداد ولا تنقص أبداً".

ومن الأخلاق التي كان يتمتع بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي يجب أن يتحلى بها كلّ داعية مسلم.. الصِّدق مع الله، ومع النَّاس بما يضمن التفاف الناس حوله والثقة به والاستماع له، لتتزين تلك الأخلاق بالتوبة، فالرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم كان يستغفر الله من ذنبه مئة مرَّة في اليوم، وهو الذي غفر ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، مؤكّداً أنَّ التوبة تزيد من إيمان المسلم بشكل كبير.

الرَّحمة..
وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة –تبعاً للعف- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه تعالى أنَّه قال: (أذنب عبدي ذنباً فقال: اللهمَّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أنَّ له ربّاً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثمَّ عاد فأذنب، فقال: اللهمَّ اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أنَّ له ربّاً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك).

ويشير الداعية العف إلى أنَّ هذا الحديث لا يفتح باب الجرأة على الله إنّما يفتح باب التوبة، فكلما زلت قدم الدَّاعية في بحر الذنوب وهو يسير إلى الله، عليه أن يرجع ويتوب والله سبحانه سيقبل توبته.
بسام العف:
" شهر رمضان، ربيع المؤمن الداعية، وبستان القيم، وموسم الطاعة والخيرات، وعلى الداعية أن يجعله فرصة للتغيير"

وإن كان الداعية العشي تحدث عن تاج القدوة الحسنة، فإن الدكتور العف تحدَّث عن تاج الرَّحمة، "على الدَّاعية المسلم أن يتحلّى بخلق الرَّحمة، فالرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم قال:"إنَّ الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إنَّ رحمتي سبقت غضبي، وهو مكتوب عنده فوق العرش".

ويقول النبيُّ صلَّى الله عليه وسلّم أيضا في الحديث المتفق عليه: "إنَّ الله جعل الرَّحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتَّى ترفع الدَّابة حافرها عن ولدها خشية أن تؤذيه".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …