أولاً: معنى التجرّد:
لغة: الجُرادة بالضمّ ما قشر عن الشّيء، والتجرّد التعرية من الثياب، والتجرّد التعرّي وتجرّد للأمر: أي جدّ فيه.
شرعاً: هو أن تتجرّد لله تعالى من كلِّ ما سواه، أن تكون الحركة والسّكون في السّر والعلن لله تعالى، لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا ولا جاه ولا سلطان.
التجرّد عند الإخوان المسلمين: وضع الإمام الشهيد التجرّد كركن من أركان البيعة عند الإخوان المسلمين، واصفاً إيّاه بقوله: أريد بالتجرّد أن تخلّص لفكرتك ممّا سواها من المبادئ والأشخاص، لأنّها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها؛ (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:138)، (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). (الممتحنة:4). التجرّد: أن تخلّص لفكرتك ممّا سواها من المبادئ والأشخاص، لأنّها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها
النَّاس أصناف..
والنَّاس عند الأخ الصَّادق واحدٌ من ستة أصناف:
مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهد، أو محايد، أو محارب، ولكلّ حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء أو العداء.
ومن علامات التجرّد الحق أن يعيد الدَّاعية عندما يتجرّد لله تقييمه للأشخاص والهيئات، وأن يزن كلَّ شيءٍ بميزان الدَّعوة:
فهناك المسلمون المجاهدون: الذين نحبّهم ونواليهم، ونحسن الصّلة بهم.
وهناك المسلمون القاعدون: فهؤلاء نحرّك هِمَمَهم، ونوالي نصحهم مع التماس الأعذار لهم.
وهناك المسلمون الآثمون: هؤلاء نذكّرهم ونعظهم، وندعوهم إلى العودة إلى الله.
وهناك ذميّون: لم ينقضوا عهداً، ولم يظهروا العداوة، فهؤلاء لهم التسامح منا والإنصاف، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
ثانياً: علامات التجرّد:
ومن علاماته:
• أن يبتعد الدَّاعية عن كلِّ سبب جاهلي.. وينحاز لكلِّ سبب رباني إنساني.
• وأن يتهم نفسه باستمرار.. ويعرضها في كلِّ حادثة على الموازين السَّليمة.. مخافة أن تضعف نفسه، وتنحرف عن الخط الصَّحيح.
• وأن يكون مستعداً لتقديم النَّفس وما يملك رخيصاً في سبيل الله.
قال شدّاد بنُ الهاد: جاء رجلٌ من الأعراب إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلّم فآمن به واتبعه. فقال: أهاجر معك؟ فأوصى به أصحابه، فلمَّا كانت غزوة خيبر، غَنِمَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلّم شيئاً فقسمه، وقسم للأعرابي، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم (أي: الإبل)، فلَّما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قَسَمه لكَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلّم، فأخذه، فجاء به إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: قسم قسمته لك، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى ها هنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت فأدخل الجنَّة، فقال: إن تصدق الله يصدقك، ثمَّ نهضوا إلى قتال العدو، فأتي به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُحمل. فقال: أهو هو؟ قالوا نعم، قال: (صدق الله فصدقه).
هذا مجرّد نموذج من النماذج الرّبانيّة الذين تجرّدوا لله في أمرهم كلّه.. والنماذج كثيرة.. وهي تتكرّر في كل حين عندما يتخلّص الدّاعية من نزعات النفس وهواجسها، وحبّ الدنيا وشهواتها، وحبّ الجاه ومقتضياته، وحب الأسرة والعشيرة وتعلق قلبه بها.. يفرّ من كل ذلك إلى الله، ولسان حاله يقول: (وعجلت إليك ربّي لترضى).
قال الإمام الهُضيبي رحمه الله وهو يوصي نفسه وإخوانه: ((أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم)).
وعلى من يقتنع بعظمة الإسلام، وشهدت نفسه أن هذا هو الحق، وليس بعد الحق إلاَّ الضلال، لزمه أن يتجرّد لله، وأن يستسلم وينقاد لأمر الله، وأن يلزم نفسه بأن يدير أمره وحياته كلّها وفق أحكام الله وأوامره.
إنَّ الذين يريدون أن يقيموا هذا الحق في الأرض، يجب أن يقيموه أولا في أنفسهم وضمائرهم وحياتهم، في صورة عقيدة وخلق وعبادة وسلوك. ولقد قالها الإمام الهضيبي رحمه الله، وهو يوصي نفسه وإخوانه: ((أقيموا دولةَ الإسلام في قلوبكم تقم على أرضكم)).