في شهر الجود .. لننصر الأقصى والمقدسيين

الرئيسية » هيا نشد الرحال » في شهر الجود .. لننصر الأقصى والمقدسيين
alt

إنَّ من حكمة  الله تعالى وفضله أن جعل للمشاركة في الجهاد والانتصار لدينه عزَّ وجل أبواباً عديدة، حتى يساهم كلٌ بما يستطيع، وبالقدر الذي يستطيع، وبالمجال الذي يستطيع، ومن أعظم أبواب الجهاد، الجهاد بالمال لما له من فوائد عدَّة على مستوى تنقية الفرد من الشوائب وتزكية النفس وعلى مستوى مساعدة الأمَّة والمساهمة بالنهوض بها.

وتقديراً للجهاد بالمال، جمع الله الجهاد بالنفس والجهاد بالمال في القرآن في عشرة مواضع، قدّم فيها جهاد المال على جهاد النفس إلا في موضع واحد فقط؛ فقال تعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة 41)، وقال عز من قائل: إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات 15)، فلماذا قدم الله جهاد المال على جهاد النفس ؟؟

يقول الألوسي في تفسيره: (لعلَّ تقديم الأموال على الأنفس لِـمَا أن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعاً، وأتم دفعاً للحاجة؛ حيث لا يُتصَوَر المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالمال، وقيل: ترتيب هذه المتعاطفات في الآية على حسب الوقوع؛ فالجهاد بـ (المال) لنحو التأهب للحرب، ثم الجهاد بالنفس)، وقال صاحب البرهان: (وجه التقديم أن الجهاد يستدعي تقديم إنفاق الأموال أولاً؛ فهو من باب السبق بالسببية).

ثمَّ إنَّ الجهاد بالمال فيه تزكية للنفس وفيه مجاهدة لها لا تقل في أثرها عن مجاهدة العدو، فالمال محبوب للنفس وبذله صعب عليها، وإمكانية التصدق به متوفرة -غالباً- في كلِّ الأوقات، خلاف الجهاد بالنفس الذي يتعذَّر في أغلب الأوقات وعلى الكثير من الناس، ولهذا وردت صفة الإنفاق في صفات المؤمنين مراراً وتكراراً في القرآن فقال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (التوبة 103) وكذلك قال عز من قائل: (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَاناً وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (سورة الأنفال2-3)، وقد أنزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الصَّدقة منزلاً عظيماً، فقال في الحديث الصَّحيح: (الصدقة برهان)، فجعل الصدقة برهاناً للإيمان، وقال في موضع آخر حاثّا عليها: (من تصدَّق بعدل تمره من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) رواه البخاري، انظر كيف حثَّ رسول الله على الصدقة الطيبة ولو قلّت لأهميتها ولأثرها في للنفس والمجتمع.

ومن يستعرض التاريخ يجد أنَّ حاجة المسلمين للمال كانت ماسّة أكثر من الرِّجال في الكثير من المواقع، فمثلاً في غزة تبوك، تقدَّم بعض الصَّحابة إلى الرَّسول ليذهبوا إلى الجهاد، وكان جوابه صلَّى الله عليه وسلَّم لهم: (قل لا أجد ما أحملكم عليه)، وقد دعا رسول الله في هذه الغزوة لعثمان بن عفان دعاء يتمناه كلّ مسلم حينما قال له: (ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم). وذلك لصدقته العظيمة في تجهيز جيش العسرة.

وهذا صلاح الدين الأيوبي كان ينظر إلى مصر ببالغ الأهمية لما تمثله من مورد ذي أهمية من المال والرّجال إلاَّ أنَّه لم يجد المال في كلِّ مكان خلافاً للرِّجال، فلم يقدم على خطوات فتح القدس حتى ثبت حكم مصر وضمن مورداً مالياً يغطي الكلفة العظيمة للجيش المسلم.

وفي العهد القريب، أدرك الصهاينة أهمية المال لدولة عظيمة كالخلافة العثمانية، فعملوا وعلى مدى عقود على إنهاكها وإقحامها في صراعات لاستنزافها وعندما كانت في حالة من الضعف الشديد عرضوا على السلطان عبد الحميد المساعدات المالية الكبيرة مقابل دخول اليهود لفلسطين لإدراكهم أنَّه لن يكون بحاجة لشيء أكثر منه وليس شيء أهم منه للدولة في ذلك الحين.

فالصَّدقة هي من أفضل ما ننصر به المسجد الأقصى، لأنَّ في الصدقة إعانةً للمرابطين والقائمين بواجب الدفاع، وإن فلسطين عامة والقدس خاصة من أكثر مصارف الصدقات والزكوات استحقاقاً، فكم من شهيد يحتاج أهله لمن يعيلهم ومن يخلفهم ولنتذكر حديث رسول الله: (من خلَّف غازياً في أهله فقد غزا)، وكم من يتيم ليس لهم من يعيلهم وهم فرصة لكي نكون بقرب رسول الله يوم القيامة، ألم يقل رسول الله: (أنا وكافل اليتيم كهاتين).

ومن فضل الله أن يسرّ لنا مؤسسات تقوم بإيصال الصَّدقات لنحافظ على طهر المسجد الأقصى وقدسيته من دنس الصهاينة، أو لنثبّت بها بقاء المقدسيين المرابطين في القدس الذين يتعرَّضون ليلاً ونهاراً لأشكال متنوعة من أساليب التهجير والطرد والإبعاد عن القدس حتَّى لا يبقى فيها مسلم موحّد، ونحن في أكناف شهر كريم كان قدوتنا رسول الله يجود فيه بما لا يجود في غيره طلبا للأجر المضاعف في هذه الأيام، فالبدار البدار للجهاد في سبيل الله ونصرة قدسنا وأقصانا.

يقول مصطفى السباعي رحمه الله: (من كان ماله آثر عنده من حياته فهو أحمق، ومن كان ماله آثر عنده من كرامته فهو حقير، ومن كان ماله آثر عنده من أمته وبلاده فهو مجرم، ومن كان ماله آثر عنده من عقيدته فهو من المؤلفة قلوبهم).

مالِ النفوس عن الجهادِ تميـلُ ؟!
أو ليـس فـيـه تـنـزل التنـزيـلُ ؟!
أو ليس منـه تربـت الأجيـال مـن
عهد الصحابة نعـم ذاك الجيـل ؟!
أو ليس عقداً رابحـاً مـع ربنـا ؟!
وعـداً مـن الرحمـن ليـس يـزول
فقـد اشـتـرى أموالـنـا ونفوسـنـا
بـجـنـان خــلــد قــاتــلٌ وقـتـيــل
وعداً به القرآنُ يُتلى في الـورى
وأتــت بــه الـتــوراة والإنـجـيـل ..

معلومات الموضوع

الوسوم

  • القدس
  • مناصرة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    alt

    “يا قدس إنّا قادمون” مسابقة إلكترونية من شبكة مساجدنا

    بمناسبة مرور 44 عاماً على إحراق المسجد الأقصى المبارك، وفي إطار الحملة الإعلامية للدفاع عن …