رُد قلبي ..

alt

"رُد قلبي" رواية يوسف السباعي التي جعلته فارس الرومانسية الأدبية ورائداً في الكتابة عن العلاقات الإنسانية شابهتها أو تفوقت عليها العديد من الأعمال اللاحقة و التي تتناول موضوع الحب وآهاته وعذاباته التي لا بد منها لإدراك شهده.

ولعلَّ الحبَّ بين رجل وامرأة هو أحد أشكال الحب البشري التي لا بد أن يعتريها النقص مهما كملت، غير أنَّ هناك حبّاً إذا تمكَّن من القلب استقرّ به المقام، لا تبليه السنون ولا تغيره الظروف ولا يعرف الملل ولا تأخذه السِنة ولا الغفلة: إنَّه حبُّ الله الذي إذا شعّ نوره في القلب أضاء على الناس، فيصبح العبد حبيباً إلى الله الذي يحببه إلى الناس ويكتب له المحبَّة في الأرض، وبحب الله تُفتح له مغاليق القلوب، وتُمهد له صعاب الدروب.لقد صبر حب الله السَّابقين على المكاره والابتلاءات بل كانوا ينتظرونها كعلامة على محبة الله لهم
لقد خلّص الله سبحانه وتعالى قلب حبيبه المصطفى من كل ما سواه من علائق بشرية فذهبت الأم والزوجة والولد وآذاه أهل البلد،  ومحمّد صلى الله عليه وسلم قلبه متعلّق بالحب الأكبر يرى المنع عطاء، ولا يقول إلاَّ ما يرضي ربَّه ويدعو: "اللهمَّ ما زويت عنِّي ممَّا أحب، فاجعله فراغاً لي فيما تحب، وما رزقتني ممَّا أحب، فاجعله قوَّة لي فيما تحب".

لقد أدرك أحد الصَّالحين هذه المنزلة من محبة الله فمرّ على رجل يبكي على قبر فقال له: "ما الذي يبكيك؟ قال الرّجل: أبكي على من أحببت ففارقني، فرد عليه: ذنبك أنك أحببت من يموت، ولو أنك أحببت الحي الذي لا يموت لما فارقك أبدا".
لقد صبر حب الله السَّابقين على المكاره والابتلاءات بل كانوا ينتظرونها كعلامة على محبة الله لهم ، وكانوا يرون في محبته سبحانه عوضاً عن الدنيا وما فيها، فابتهلت إليه رابعة العدوية قائلة:
فليتك تحلو والحياة مريرة          وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر     وبيني وبين العالمين خرابُ
إنَّ صحَّ منك الود فالكل هيّن        وكل الذي فوق التراب ترابُ

في مواسم الله في أيام دهره، نشعر كم هي قلوبنا بعيدة عن أنسها بالله وراحتها بقربه، ونلمس ذلك عندما تخطئنا الدموع في موضع انهمارها، ويسلونا الخشوع في موضع صلاتنا، وتقف الكلمات في موضع دعائنا، فالذي غفل قلبه طوال العام قد يجده صلدا والباب دونه مقفلا، إلاَّ أن يتوب ويوقف التيه في البحث عن الحب بين الناس، ويعود إلى المنبع حيث الوصل الدَّائم وقرَّة العين التي لا تزول.

يروى الإمام الحافظ بن رجب أنَّ رجلاً كان يبكي وينادي: أين قلبي؟ أين قلبي؟ من وجد قلبي؟ فدخل يوماً بعض السكك، فوجد صبيا يبكي، وأمه تضربه، ثمَّ أخرجته من الدار، فأغلقت دونه الباب، فجعل الصبي يلتفت يميناً وشمالاً، ولا يدري أين يذهب، ولا أين يقصد، فرجع إلى باب الدار، فوضع رأسه على عتبته فنام، فلما استيقظ جعل يبكي، ويقول: يا أماه من يفتح لي الباب إذا أغلقت عني بابك؟ ومن يدنيني من نفسه إذا طردتيني؟ ومن الذي يؤويني بعد أن غضبت علي؟ فرحمته أمه فقامت فنظرت من خلل الباب، فوجدت ولدها تجري الدموع على خده متمرغاً في التراب، ففتحت الباب، وأخذته حتَّى وضعته في حجرها، وجعلت تقبله، وتقول: يا قرَّة عيني وعزيز نفسي، أنت الذي حملتني على نفسك، وأنت الذي تعرضت لما حلَّ بك، لو كنت أطعتني لم يكن مني مكروها، فقال الرجل: قد وجدت قلبي، قد وجدت قلبي".
اللهمَّ إنَّا نستودعك قلوبنا يا من لا تضيع عنه الودائع فردّها إليك ردّاً جميلاً واصرفها إلى طاعتك.

 

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …