أكَّد الدكتور جمال عبد السَّلام مدير لجنة الإغاثة باتحاد الأطباء العرب أنَّ غياب الأمن في الصّومال يجعل المنظمات الإغاثية تحجم عن المشاركة في العمل الإغاثي داخل الصومال، مشيراً إلى أنَّ الدَّور الذي تلعبه أثيوبيا والتربص بالصومال وعدم تقديم مساعدات من المجتمع الدولي ساهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة، وقال في حوار خاص لموقع " بصائر " اشعر أنَّ هناك ترتيباً من المجتمع الدولي لإنهاء دولة الصومال، فلا يوجد مساعدات أو عمليات إغاثية بالصورة المعتادة في مثل هذه الكوارث ، كما تحدَّث عبد السَّلام الذي سافر إلى الصومال مرّتين ضمن وفود إغاثية عن الأسباب التي تؤدِّي إلى المجاعة في الصومال، وكيفية حل هذه المشكلة، وإلى تفاصيل الحوار :
بصائر: بداية .. كيف هي طبيعة المشكلة الصومالية وجذورها ؟؟
د. جمال عبد السلام: مشكلة الصومال منذ منتصف عام 91، وكانت مرتبطة بموجات التصحر والحرب مع أثيوبيا، وموجات التصحر بالطبع أمر قدري، لكن بالنسبة لإثيوبيا والعلاقات مع الصومال تشوبها كثير من القلق، فإثيوبيا دولة حبيسة، والصّومال لها سواحل على البحر والمحيط طولها 3300 كيلو متر، وتسببت هذه المعادلة في اندلاع المشكلات بين الطرفين وكان من بينها مشكلة إقليم الاجوادين " أرض صومالية استولت عليها إثيوبيا "، ثمَّ جاءت سلسلة الحروب، حتى سقطت الدولة عام 91 ، ومنذ هذا التاريخ لم يعد هناك دولة ، حيث تسيطر العصابات المسلحة على الموقف، فهي التي تقوم بحراسة المنظمات الدولية والإغاثية والمنشآت المختلفة، فالوضع الأمني متردٍّ، ولا يستطيع أحد السير بمفرده، ولكن بصحبة سيارة مدرعة يقودها مجموعة من الشباب الحاملين لمدافع رشاشة، ولا يستطيع أحد التنقل إلاَّ بصحبة مثل هذه السيارة ، هذا بالنهار، أمَّا باللَّيل فلا يستطيع أحد الخروج من البيت.
بصائر: كنت ضمن العديد من الوفود التابعة لاتحاد الأطباء العرب التي كان لها دورٌ إغاثيٌّ في الصّومال، صِف لنا الوضع هناك ؟
د. جمال عبد السلام: الأوضاع الصحية والمعيشية غاية في السوء والبؤس وكل شيء لديهم متوفر، ولكن بثمن يرتفع عشرات المرَّات عن الثمن الطبيعي إضافة إلى إنَّ الكهرباء والمياه والتليفونات تقدّمها شركات خاصة، فالصومال دولة مستهدفة من قوى الاستعمار العالمي، بها مقومات تستطيع أن تكون بها من أغنى دول العالم؛ ففيها الرّعي والزراعة والثروة السمكية التي لا وجود لمثيلها في العالم، فافخر أنواع الأسماك والاستكوزا تجده في الصومال، ولكن المأساة الكبيرة لهذا البلد أنَّ الشعب الصومالي لا يأكل الأسماك؛ حيث يعتمد في غذائه على اللحوم والنشويات، وفي عام 92 كنت ضمن وفد وقع بروتوكل تعاون بين الصومال وجامعة الدول العربية وأثناء وجودنا كان التدخل الأمريكي، فطردوا كل الأجانب من البلاد، وكانت بعثتنا ضمن من تمَّ طرده، وهي كانت بعثة طبية تابعة لجامعة الدول العربية.
أمَّا الآن، فالأوضاع في تفاقم مستمر، فبين موضوع المحاكم الإسلامية وبين شباب المجاهدين من ذوي العقل المحدود المنغلق فما بين التساهل للشيخ شريف أحمد، وبين تعصب شباب المجاهدين ضاعت الصومال، إضافة إلى ما سبق فالصومال الآن تعاني من موجات الجفاف والتصحر الشديدين، فعدم وجود أمطار ومخزون كافٍ من الحبوب وتردي الأوضاع الأمنية يجعل المنظمات الإغاثية تحجم عن المشاركة في العمل الإغاثي داخل الصومال، كما أنَّ أثيوبيا والتربص بالصومال وعدم تقديم مساعدات من المجتمع الدولي ساهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة، وأنا اشعر أنَّ هناك ترتيباً من المجتمع الدولي لإنهاء دولة الصومال، فلا يوجد مساعدات أو عمليات إغاثية بالصورة المعتادة في مثل هذه الكوارث.
بصائر: برأيك كيف يمكن وضع خارطة طريق لإنهاء هذه الكارثة ؟
د. جمال عبد السلام: منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ودول الخليج مطالبون بتدخل عاجل وسريع لتقديم يد العون لشعب الصومال منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ودول الخليج مطالبون بتدخل عاجل وسريع لتقديم يد العون لشعب الصومال الشقيق، كما أنَّ آلاف الأطنان التي ترمى من القمح في نهر الميسسبي للحفاظ على أسعار القمح من قبل الدول الغنية أولى بها شعب الصومال الذي يواجه شبح المجاعة فضلا عن ذلك ، فإن الإنفاق العسكري الذي حدث في العراق وأفغانستان تكلفتها في اليوم الواحد كفيلة بإقالة الصومال من عثرتها، كما أنَّ موقف الدول العربية سيئ للغاية تجاه الأزمة الصومالية، ولذلك نناشد الحكومة المصرية تقديم يد العون للصومال فهي جزء أساسي من الأمن القومي المصري الجنوبي، وعلاقتنا بها تصل إلى أبعد من 5 آلاف عام، وعلاقتنا معها كانت متميزة، فكانت تخرج القوافل من مصر للصومال وتأتي بالسلع المحملة ، وفي إبَّان الحقبة الناصرية أي فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر لمصر كان هناك تعاون متميز وكانت بعثة الأزهر الصومالية اكبر البعثات الإفريقية على الإطلاق، كما أنَّ الدور الذي لعبته مصر في تلك الفترة بإنشاء مدرسة كان له الدور الكبير في تعلم الكثيرين منهم اللغة العربية
ولكن، نظراً للسياسة السيئة التي قام بها نظام الرئيس المصري السابق على مدى ثلاثة عقود أدى إلى غياب الدور المصري في إفريقيا والقرن الإفريقي على وجه الخصوص فتوقفت العلاقات تماما مع الصومال .. مصر بيدها الكثير لمساعدة هذا البلد على تجاوز محنته وبدون تكاليف إذا تركت فقط منظمات المجتمع المدني تعمل بسهوله ويسر في الصومال.
بصائر: ماذا عن دور اتحاد الأطباء العرب ؟
د. جمال عبد السلام: على مدى السنوات الماضية كان للاتحاد وللجنة الإغاثة دور كبير حيث نظم الاتحاد العديد من الزيارات الطبية والإغاثية، وتمَّ التعاون مع العديد من الجمعيات الصومالية وقدمنا الخدمات لكل المناطق التي أصبحت الآن دولاً، فقمنا بتمويل قوافل إغاثية وطبية، وأجرينا مئات عمليات إزالة المياه البيضاء من العيون وتطورت علاقات التعامل خاصة في مقديشيو والاتحاد الآن بصدد التعامل مع التطورات المرتقبة حيث هناك توقع أن يصل عدد النازحين خلال الأشهر القليلة القادمة إلى 100 ألف، وقد اعددنا الترتيبات للتعاطي مع هذه المشكلة بتقديم الدعم الإغاثي والطبي.
بصائر: إذا تحدثنا عن العمل الإغاثي في رمضان، هل هو مختلف عن الشهور الأخرى؟
د. جمال عبد السلام: العمل الإغاثي في رمضان على مستوى العالم الإسلامي يتعرَّض لطفرة في رمضان فهو شهر الصدقات والزكاوات؛ حيث يتميز عن غيره من شهور السنة في إخراج الزكاوات فتحدث طفرة في التبرعات الإنسانية وتقوم المنظمات الإغاثية بتقديم المعونات للمناطق التي تعاني من الكوارث والمشكلات .
بصائر: ما هي أبرز المناطق التي تحظى باهتمام المتبرعين ؟
د. جمال عبد السلام: أكثر الإغاثات توجه إلى أشقائنا في فلسطين وخاصة المحاصرين في غزةأكثر الإغاثات توجه إلى أشقائنا في فلسطين وخاصة المحاصرين في غزة، يأتي بعدها بعض المشكلات المتفاقمة مثل القرن الإفريقي، وهناك تبرعات لمكافحة العمى لكن يمكن القول: إن 80% من التبرعات موجهة لفلسطين، و العمل الإغاثي في فلسطين الآن جيّد ومتميّز، وهناك منظمات فلسطينية تقف الآن على ارض صلبة من العمل، وهناك منظمات عربية لها مقرات في غزة كان من أولها اتحاد الأطباء العرب الذي أسس مكتبه عام 2005، وهناك المشروعات الصحية والتنموية والاجتماعية والموسمية في شهر رمضان وفي موسم الأضاحي ومشروع بسمة عيد الفطر والأضحى إضافة إلى إعمار المسجد الأقصى المبارك والمشروعات المخصصة للاجئين الفلسطينيين في الشتات خاصة في لبنان والأردن حيث الأوضاع المعيشية صعبة للغاية في هذه الدول.
بصائر: بعد سقوط نظام مبارك وفتح معبر رفح كيف تسير الأعمال الإغاثية الآن بعد عرقلتها في السَّابق ؟
د. جمال عبد السلام: أتمنى أن أرى أحد المحامين يتبنى هذا الأمر ويرفع دعوى قضائية ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك على عرقلته للقوافل الإغاثية لشعب غزة فقد تسببت مواقفه في وفاة مئات الفلسطينيين الذين كانوا يحتاجون العلاج في مصر وتم منعهم عمدا بمعبر رفح فماتوا عند البوابة، فتعنت مبارك لسنوات ضد الشعب الفلسطيني كان عقابا له على اختياره حركة المقاومة الإسلامية حماس وأنا شخصياً أعرف حالات مرضية عديدة توفيت على معبر رفح، فهذه تهمة قتل عمد للشعب الفلسطيني في غزة مخالفاً بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية، ولذلك أتمنى أن يقوم احد المحامين برفع دعوى قضائية ضد مبارك حول هذه الجريمة .
وبالنسبة للمعبر نتمنى ونأمل من المجلس العسكري أن يقوم بفتحه بصورة طبيعية ليعمل 24 ساعة طوال أيام الأسبوع حتى يستطيع الشعب الفلسطيني الشقيق تلبية حاجاته فالوضع تغير والأمور يجب أن تتحسن عن ذي قبل، وأتوقع من المجلس العسكري الذي يتمتع بالروح الوطنية أن يستجيب لهذا المطلب.