الاعتكاف.. اترك الدُّنيا خلف ظهرك

الرئيسية » بصائر تربوية » الاعتكاف.. اترك الدُّنيا خلف ظهرك
alt

لا رهبانية في الإسلام، والرَّهبانية تقتضي أن يجلس العابد في مكان يلزمه دائماً للعبادة فقط، تاركاً وراء ظهره كلَّ أمور الدنيا، ولكنَّ الإسلام أتى بمنهج يتماشى مع طاقات النفس البشرية، فجعل هذا الاعتكاف وهذه الصّورة من الرّهبانية شيئاً من السنة، وحثّ عليه في أيام معينة، وهي العشر الأواخر من شهر رمضان، وهذه العشر الأواخر من رمضان هي آخر مرحلة في  سباق بدأ من أول الشهر، ثمَّ احتدم هذا السباق قبل نهايته، فتكون المرحلة السَّابقة بمثابة مرحلة إعداد.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يخص هذه العشر الأواخر بعدة أعمال .

ففي الصَّحيحين من حديث عائشة : (كان رسول الله إذا دخلت العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله و أيقظ أهله ) و لفظ لمسلم : (أحيا ليله و أيقظ أهله)، ولها عند مسلم : (كان رسول الله يجتهد في العشر ما لا يجتهد غي غيرها ).
ولها في الصَّحيحين: ( أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ).

وهذا الاعتكاف يوفّر للمسلم جوّاً ملائماً للتقرّب إلى الله، وذلك من خلال:

1-    الانقطاع عن الشهوات كلها، وقطع السبيل على النفس من التفكير في الحرام، أو النظر إلى الحرام، أو ارتكاب الحرام ، وبذلك يتوقف تيار السيئات المتدفق عبر الجوارح، فلا يد تبطش، ولا عين تنظر إلى حرام، ولا قدم تسير إلى الحرام، ممَّا يؤدي إلى فراغ القلب لله عزَّ وجل ، وهذا يساعد القلب على تدبّر القرآن واستطلاع معانيه } أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا {(النساء:82). فمثلا حينما يقول لنا القرآن: }قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ {(آل عمران:137). فتستطيع وأنت جالس ممسك بمصحفك أن تسير وتدخل هذه البلاد، وتعرف ماذا حدث لها منذ مئات السنين، دون أنت تتحرك من مكانك ، تستطيع أن تأخذ خلاصة التجارب البشرية في مجال الدعوة مثلا، وأنت جالس في مكانك، من خلال تعرفك على ما فعله الأنبياء والدعاة والمصلحين    فهذه الفترة من الاعتكاف والانقطاع للعبادة تجعلنا نتدبر القرآن وندرك أنه حقّاً كلام الله الذي لم يصبه تحريف لحرف واحد من حروفه .

2-    فراغ القلب من كل المشاغل والهموم، بما يساعده على الإقبال على الله وتذوق حلاوة الطاعة ولذة التقرب إلى الله. 

3-    مخالطة الصالحين ومجالستهم وهذا شيء محفز للهمم. كان بعض الصالحين يقول كنت إذا اعترتني فترة في العبادة، نظرت إلى أحوال محمد بن واسع وإلى اجتهاده، فعملت على ذلك أسبوعا.يقول الله عز وجل }وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {(الكهف:28). فمجالس الصالحين لا مكان فيها لشيطان.

4-    تجنّب أصحاب السّوء والخاملين المتكاسلين والمثبطين.

5-    التفكر والتدبر في آيات الله وفي خلق السَّموات والأرض (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  ) (آل عمران :191)

6-     تذكّر كلّ الذنوب والمعاصي وطلب مغفرة الله لأنها فرصة لطلب المغفرة من الله فرمضان يكون بمثابة الماء الذي يغسل الجسم ويطهره، بل ويعطره ويطيبه، لأنَّه يمحو عنه السيئات ويستبدلها بالحسنات

7-    معنى جديد وإضافة جديدة للصبر فقد كان الصَّبر في أوّل الشَّهر على شهوة الطعام والشراب والجماع، أمَّا الآن فالصَّبر على ترك الأهل والأصحاب وترك السمر واللغو . وهذا توسيع لدائرة التخلي عن المباح في تلك الأيام التي خصت بهذا .
8-    فرصة كبيرة لدراسة القرآن وتدبّر آياته ففيه قصص من قبلنا وفيها العبرة والعظة وفيها عرض مفصّل لكلّ أمراض القلوب وكيفية علاجها ، يمكننا أن نتفكر مثلاً في مرض كالنفاق ونضع أيدينا على كلّ الآيات التي تتحدث عن هذا المرض لكي نعرف ما هي أسبابه وتطوراته وما عاقبته . أمر مثل هذا يريد خلوة مع الله وصفاء للقلب والعقل وقراءة القرآن كأنّه أنزل علينا .

هذا الاعتكاف فرصة لبناء شخصية جديدة تتسلح بالإيمان الصَّادق والفهم الصَّحيح والوعي المستنير .
ولنحذر من الخلطة والكلام، وكلّ ما يقطع علينا خلوتنا بالله عزّ وجل ونحن معتكفون.
يقول ابن رجب: فحقيقة الاعتكاف: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق.
وللأخت المسلمة أن تعتكف في مسجد بيتها استناداً إلى رأي الأحناف في جواز ذلك، ولتقتطع من يومها وقتًا تلازم فيه مسجدها، وتقبل فيه على الله عزّوجل.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الصيام
  • رمضان
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    “بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

    كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …