ذكر القاضي الدِّينَوَرِي في كتابه: ((المجالسة وجواهر العلم)) : أنَّه كان بالبصرة حارسان من بني عدي زمن زياد يحرسان، فاقتسما الليلة بينهما نصفين؛ يقوم من أوَّل الليل أحدهما، فيكبّر ويهلّل ويذكر الله، ثمَّ يقول في آخر كلامه:
هل ذاكرٌ لله يُحيي به
قلباً طويلَ السُّقْم والدَّاءِ
فلا يسمعه أحدٌ إلاَّ اسْتَبْكى وذكر الله، فلا يزال كذلك إلى شطر الليل.
ثمَّ يقوم الآخر فيُكبِّر ويُهَلِّلُ ويذكرُ اللهَ، ثمَّ يقول في آخر كلامه:
هل قائمٌ لله في ليله
يسأله العتق من النَّارِ
ولا يَسْمعه أحدٌ إلاَّ قام إلى الصَّلاة، قال: وَيُسْمَعَ البكاءُ والنَّحيبُ من المنازل.
إنَّ سؤال العتق من النّار ديدن المؤمنين في هذه الحياة، وهم في سباق متواصل وعمل مستمر لتحقيق هذا الهدف، فمن أعتقت رقبته فقد فاز فوزاً عظيماً،
وفي شهر رمضان المبارك، تتأكّد هذه الدّعوات؛ حيث ورد أنّ العشر الأخير هو عشر العتق من النَّار، فتلجأ قلوب المؤمنين إلى الله سبحانه وتعالى بالدّعاء وتجأر إليه بالطّلب بأن يعتقها من النَّار في هذا الشهر الفضيل .. (اللّهمَّ أعتق رقابنا من النّار) ... (اللهمَّ اجعلنا من عتقائك في رمضان من النَّار) ..
هل قائمٌ لله في ليله
يسأله العتق من النَّارِ
إنّها منّة كبرى يتجلّى الله بها على عباده في هذا الشهر الفضيل، الذي يجود الله فيه على عباده بالرَّحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيّما في ليلة القدر، فبعد شهر كامل من الصِّيام والقيام وأنواع الطَّاعات المتميّزة، يأتي يوم الجائزة، حيث ينال المؤمنون أجر الاستجابة لأوامر الخالق عزّ وجل، وثواب ترك واجتناب المعاصي والالتجاء والإنابة إليه وحده لا شريك له، والأجر هنا خاتمة المطاف والعاقبة الحسنى التي لا شيء بعدها.. إنَّه الفوز بالجنّة والعتق من النَّار.
من منّا لا يسعى إلى نيل هذه الجائزة .. فمن اجتهد وثابر في أيام وليالي رمضان، وأخلص لله عبادته ودعاءه، وكان دائم الصّلة بالله سبحانه نال هذه المنحة الرّبانية.
تحسّس أخي رقبتك .. هل أعتقت من النَّار في رمضان ؟