ذبلتان وأشياء أخرى

الرئيسية » بصائر تربوية » ذبلتان وأشياء أخرى
alt

"معيش غير ذبلتين تتجوزيني" هي آخر صيحة شبابية في فضاء محاربة غلاء المهور و العنوسة، و قد سبقها صرخات أخرى أُطلقت عبر وسائل الإعلام المختلفة بعضها يمتاز بالإيجابية و توفير الحلول و القدوات و منها مبادرات الزَّواج الجماعي، و بعضها يقدم واقعا ساخرا لفنتازيا الزواج وحكاية ألف عريس وعريس مثل مدونة "عايزة أتجوز" التي تحولت الى كتاب و مسلسل كوميدي لامس في سخريته الكثير من الأوجاع و الحقائق وخيبات الأمل، وغيرها من باب الكيل الطافح و آخر العلاج مثل حملة "خليها تعنس" التي ربما عالجت الخطأ بخطأ أكبر منه في ميدان الأصل فيه التروي و أخذ المجتمع بالحسنى و الهوينى

أَّمَّا الإيجابية الكبرى في مثل هذه الدَّعوات أنها تمثل طيفاً واسعاً من الشباب الذي ما زال يرى في الزَّواج والحلال سبيله الوحيد لحياة هانئة تُقضى فيها حاجات الروح و القلب و الجسد، و تتحقق الآمال و قرة العين، و يتوفر العون على أمور الدنيا و الآخرة، وهذه فضيلة تكال بميزان الذهب في زمن تتوفر فيه الملذات الحرام على قارعة الطريق بثمن بخس، فهكذا شباب ما زال متمسكاً بالحلال يستحق أن يُنظر في أمره مليّاً، ويُشدّ على يديه لينال مراده و يبلغ أربه.

والحملة الجديدة تبدو بسيطة صريحة في شعارها المطروح، ولكن الواقع يثبت أن في الزواج ما هو أكبر وأعظم من أمر ذبلتين، وصدق كبارنا عندما قالوا: "ما أهون العرس لولا طقاطيقه" أي تكاليفه و ملحقاته، فتوفير الحدود المقبولة من متطلبات الحياة أصبح شبه معجزة تفوق معجزة توفير الشبكة والمهر، فإيجار البيوت يأتي على الراتب وما يتبقى لا يُطعم خبزا، ولو ساعد الأهل أبناءهم، كما يفعل المعظم في أيامنا هذه، فإلى متى؟ و متى يقف الأزواج حديثو الزواج على أقدامهم في دوامة الغلاء المستمرة؟!

حتى الفتاة الراجحة العقل،البعيدة عن سفاسف الشكليات هل تستطيع مثلا أن تنام على الحصيرة بعد أن نامت على الأسرة المرفوعة في بيت أهلها؟ ألن يأتي اليوم الذي تراجع فيه نفسها ولو سرّاً عندما تؤثر الحصيرة و الفرشة في جنبيها و عظامها؟ لمثل هذا و لتجنب هذه الحساسيات والمقارنات أوصى الشرع للفتاة بمهر مثيلاتها من أهلها و المحيطات بها، وأوصى بالكفاءة بينها وبين الزوج في أحوال القلب والعقل والحياة.

غير أنَّ الواقع المؤلم الذي تؤكّده الإحصائيات في معظم الدول العربية يثبت وجود فتاتين إلى ثلاثة في المعدل في معظم البيوت قد فاتها بحسب الأعراف سن الزواج، و بهذا تزيد المشاكل التي تتحمل الإناث معظم تبعاتها، فالذكورة في الرجل لا تفنى في مجتمعاتنا و لو بلغ من الكبر عتياً بينما للمرأة فترة صلاحية محددة.!!!

ثمَّ إذا لم تتوفر متطلبات الحياة المعقولة ألا يُخشى من هذه الحملات أن تكون دعوة للاستسهال لا التسهيل أو شكل من أشكال الزواج العرفي الذي لا يحتاج الا الى عقد شكلي يوقع عليه الاثنان مع شهادة اثنين من الزملاء، أو زواج الأصدقاء، أو زواج الدم، أو زواج الخميس أو غيرها من التقليعات الباطلة التي تسوغ قضاء الوطر و الشهوات تحت لافتة محترمة هي منها جميعاً براء.

لقد كان صداق امرأة من أفضل نساء الدنيا والآخرة هي فاطمة بنت محمد رضي الله عنها درع علي بن أبي طالب باعه ليدفع مهرها أما بيتها وجهازه، فكانت حجرة فرشت بالرَّمل النَّاعم، وفيها فراش ووسائد حشوها ليف، وجلد شاه للجلوس عليه، ورحى ومنخل ومنشفة وكوز وقربة للماء وحصيرة!!! ولكن مع هذا القليل من متاع الدنيا كان مع علي بن أبي طالب سيرة ذاتية ومفاخر لم تتوفر لأحد من شباب المسلمين، فكان من أوائل المسلمين، ولم يسجد لصنم قط، وفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام بنفسه عندما نام في مكانه وتدثر بعباءته ليلة الهجرة، و شهد معه كل المشاهد، وهو الذي ظل يحب فاطمة بعد أن كبر سنه و شاب شعره و ينشد:

وبنت محمد سكني وعرسي      مشوب لحمها بدمي ولحمي

ربما لم يملك سيدنا علي الذبلتين، ولكنه ملك ما هو أثمن وأغلى من الألماس: قلباً صادقاً، ونفساً متوقدة، وهمَّة تطاول الجبال.

بينما قدم معاوية بن أبي سفيان لميسون قصور الشام ولكنّها لم يقدّم لها قلباً يضمّها وزوجاً يحتضنها فظلت تحن لبيت تخفق الرياح فيه، وتراه أجمل وأدفأ من القصر المنيف، فليست المادة تكفي كل النساء، ولكن الرجولة و الأخلاق تملأ عيونهن كلهن.

ولو قبلت الفتاة بالذبلتين، فلن يرحمها المجتمع و ستخرج عليها الأقاويل من شاكلة: لقد باعت نفسها أو مستجوزة، ليس لها أهل ينصحونها و غيرها!!! فالمشكلة ليست مشكلة توفر ذبلتين من عدمها، و الحل يحتاج الى تغيير القناعات قبل الممارسات
ثمَّ ألا يُخشى من هذا الشاب الذي قُبل فقيرا ثم أغناه الله أن ينسى التضحية الأولى فيجري المال في جيبه فيسعى لتجديد شبابه مع أخرى، و ينسى تضحية من أكل الفقر و السنين من عمرها، و المجتمع قد يقف في صالحه بل و يرى عمله محمودا للتقليل من العنوسة، فالخيّر كما يقولون عنده اثنتين و ثلاثة!!!!
لقد أبدع الرَّافعي في وصف الحالة المثالية للزوجة والزوج والحياة الزوجية فقال: "" إنها تعتبر نفسها إنسانا يريد إنسانا، لا متاعا يطلب شاريا...مهرها الصَّحيح ليس الذي تأخذه قبل أن تُحمل إلى دار زوجها، و لكنه الذي تجده منه بعد أن تُحمل إلى داره، مهرها معاملتها، تأخذ منه يوما فيوما، فلا تزال بذلك عروسا على زوجها، أما الصداق من الذهب و الفضة، فهو صداق العروس الداخلة على الجسم لا على النفس، أفلا تراه كالجسم يهلك و يبلى؟ أفلا ترى هذه الغالية إن لم تجد النفس في زوجها قد تكون عروس اليوم و مطلقة الغد؟".
فأين من تنطبق عليهم و عليهن الأوصاف؟
لقد غنوا قديما "يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا و نبني طوبة طوبة في عش حبنا" و يا ليتها تبقى الصورة مشرقة للمقبلين، و ييسر الله للمتمسكين بالحلال طريقا إليه فقد تعهد سبحانه بعون الناكح الذي يبغي العفاف، وما عليه سوى أن يحضر نيته و ذبلته، و يحكم دينه و أخلاقه، و يرقى بفكره ليجد الفرج قريبا بإذن الله، وعسى الله أن يبعد عن شبابنا ذلك اليوم الذي تصدق فيه المُلحة:
الزَّواج في بلادنا صار....لمن استطاع إليه سبيلاً.

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …