تسبَّب مسلسل (الحسن والحسين) الذي يذاع هذه الأيام على بعض القنوات العربية في خلق حالة من الجدل حول مشروعية تمثيل صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، وهو ما تسبَّب في ظهور بعض دعوات المقاطعة للمسلسل في العالم العربي، خاصة وأنَّ المسلسل يظهر شخصيتي حفيدي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الحسن والحسين وبعض صحابة النبيّ مثل الزبير بن العوام وأبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان.
وتدور أحداث المسلسل في المرحلة ما بعد وفاة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه مروراً بتولّي الإمام علي رضي الله عنه ثمَّ استشهاده وتولّي الحسن واستشهاده، وتولي معاوية وتولي يزيد وحتَّى استشهاد الحسين في كربلاء، كما يتناول المسلسل أحداث معركتي الجمل وصفين.
ويرتكز العمل على عدَّة محاور هي آل البيت، أي: علي والحسن والحسين وأبناؤهم، ومحور الصَّحابة (بينهم طلحة والزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس)، وموقف كلّ منهم خلال تلك المرحلة، ومحور الذين خرجوا على الخليفة عثمان بن عفان، والخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب، وهو يتناول دور الخليفة الأموي الأوَّل معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن سبأ، والفرقة السبئية، ودورها في إثارة الفتنة بين الأطراف.
رفض المسلسل ..
كلُّ ما سبق جعل الأزهر الشريف يطالب بمنع عرض المسلسل استناداً لقرار مجمع البحوث الإسلامية الذي يحرِّم ظهور الأنبياء والصَّحابة وآل البيت في الأعمال الدرامية.
وأكَّد الشيخ علي عبد الباقي أمين عام مجمع البحوث الإسلامية حسبما جاء بجريدة "الأهرام" أنَّ الأزهر أرسل مذكرة إلى وزير الإعلام تطالب بمنع عرض المسلسل لعدم حصوله على موافقة مجمع البحوث الإسلامية، كما ينصّ القانون، فهناك تحريم بتصوير أو تجسيد الأنبياء وآل البيت والعشرة المبشرين بالجنّة، ولا يوجد من بين البشر الآن من هو في طهرهما وفي درجة تصل به إلى تجسيدهما.
وكان للشيعة أيضا موقف من المسلسل، إذ حذّر تجمع ثوابت الشيعة في الكويت من الاستمرار في تنفيذه متوعّداً القائمين عليه بالملاحقة القانونية، وأصدر محمد باقر المهري وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت فتوى بتحريم مشاهدة المسلسل؛ لأنَّ تجسيد الحسن والحسين فيه إساءة وإهانة لشخصهم.
ولعلَّ خير من تبنى وأصل هذه الأدلة التي تمنع تمثيل شخصية الرّسل والصّحابة هو بيان الأزهر الذي وقف به ضد فيلم (الرِّسالة) للمخرج الراحل مصطفى العقاد، وبنى قراره بالمنع على هذه الأدلة:
أولًا: يعترف المسلمون جميعًا أنَّ الرَّسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أكمل البشر، وخير المَخلوقين، وصُورته المعنوية في أذهان المسلمين صورة مُستمدة مِن إيمانهم وعقيدتهم، بأنَّه ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ على الذِّرْوة مِن الخُلق الكريم، ولا يتأتَّى تَمثيلُه في صورة تنزل بمَكانته الرَّفيعة وبقُدسيته التي فَرَضَتْها الرسالة.
والصَّحابة ـ رضوان الله عليهم ـ أثنى عليهم الرَّسول ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ ووَصَفهم بالحميد مِن الصفات، وتمثيلهم نُزولٌ ـ أيضًا ـ بهم عن مَكانتهم الشَّريفة.
وتساءل البيان مَن هو ذلك المُمثل الذي يُمثل شخصية أبي بكر، وعثمان، وعليّ وأبي عبيدة؟ ومَن هو المُمثِّل الذي يَستطيع أن يُمثل سيّد الشهداء حمْزةَ عمَّ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم؟ إنَّ كلَّ تمثيلٍ لسيد الشهداء نُزولٌ به عن مَكانته، فمَن يُدانيه حتى يُمثله..؟ هذا أمر.
والأمر الثاني: هو أنَّ المُمثِّلينَ يَرتبطون في أذهان المُشاهدين بعِدَّةِ مواقفَ مَثَّلوها مِن قبلُ، بعضها عابث، وبعضها عريقٌ في الإجْرام، وبعضها يُساهم في مواقف الغَرام بحظٍّ مَوْفور، فكيف نُبيح لأمثال هؤلاء الذين يرتبط ماضيهم بهذه المَواقف التمثيلية أن يَقتحموا حِصْنَ القداسة؛ فيُمثلوا حمزة أو يمثلوا أبا بكر؟
ثم إنَّ هؤلاء المُمثِّلينَ سيُمثِّلون في مُستقبل حياتهم أدوارًا أخرى، أدوار المُهرِّبين أو اللصوص، أو العُشَّاق، أو المُهرِّجين، ولا يَسمح الأزهر والصورة هكذا بأن يُمثَّل الصَّحابةُ على الشاشة.
المدافعون ..
يرى المدافعون عن المسلسل أنَّه ليس هناك نصٌّ قرآنيٌّ يشير لتحريم تجسيد الأنبياء، وقد أشار " مدير شركة "المها للانتاج الفني" محمد العنزي إلى أنَّه قد حصل على فتوى من وزارة الأوقاف الكويتية، تجيز العمل، بالإضافة إلى جهات أخرى من بينها السعودية، ذكر المنتج أنَّ طلب "الفتوى" كان من جزأين، الأول: جواز ظهور الإمامين الحسن والحسين، وقال جاءت الفتاوى المطلوبة من 30 شيخاً، منهم 4 من الطائفة الشيعية، وقال: إنَّ "السيد محمد فضل الله، رحمه الله، أعطانا فتوى خاصة للعمل بجواز ظهور الحسن والحسين في المسلسل، والنص كان فيه لجنة متخصصة بدكاترة تاريخيين، منهم علي الصلابي ومحمد البرزنجي ودار الإفتاء السورية والشيخ حسن الحسيني، هذا فيما يخص الروايات التاريخية".
وقد أجاز قاضي القضاة الأردني أحمد هليل تصوير المسلسل في الأردن، كما أجاز علماء دين آخرون التصوير والعرض، ومن أبرز هؤلاء العلاَّمة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، الدَّاعية السعودي الشيخ سلمان العودة، وزير الأوقاف اليمني الشيخ حمود الهتار، عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالقصيم (المملكة العربية السعودية) خالد بن عبد الله.
واستمراراً لحالة الجدل، فقد دشَّن نشطاء حملتين على موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) تدافعان عن المسلسل هما حملة : "مع مسلسل الحسن والحسين"، وحملة "تحية إلى كل من أسهم في إنتاج مسلسل الحسن والحسين" حاولوا من خلالها التأكيد على أنَّ التخوّف من عرض المسلسل غير مجدٍ على الإطلاق، فهو كأيّ مسلسل ديني يحاول كشف وسرد قصص الأنبياء عليهم السّلام والصَّحابة رضوان الله عليهم أجمعين.