“خُذوا ما آتيناكم بقوة”

الرئيسية » بصائر قرآنية » “خُذوا ما آتيناكم بقوة”
alt

هذه الجملة من آية في سورة البقرة، ضمن آيات تتحدث عن بني إسرائيل زمن نبيهم موسى عليه السلام، والآية هي قول الله عز وجل في خطاب بني إسرائيل:
{وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، خذوا ما آتيناكم بقوة، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} (البقرة: 63).

لما ذهب موسى عليه السلام لمناجاة ربه على جبل الطور، وغاب عن قومه أربعين يوماً؛ كفر قومه في غيبته، وعبدوا العجل الذهبي الذي صنعه لهم السامري، ولما عاد موسى عليه السلام إليهم، عاقبهم وذمّهم، فأعلنوا توبتهم، وعادوا إلى الإيمان، وطلب موسى منهم أن يختاروا أفضل وأصلح سبعين رجلاً منهم، ليذهبوا معه إلى جبل الطور، ليعاهدوا الله هناك نيابة عن قومهم, ولما وصلوا إلى هناك؛ تكاملوا وتراجعوا ورفضوا إعطاء العهد، وهم أصلح قومهم!! فهدّدهم الله بأن قلع جبل الطور، ورفعه فوقهم، فإن لم يعاهدوا أسقط الجبل عليهم!! عند ذلك أعطوا العهد!! وأشارت إلى هذه الحادثة عدة آيات من القرآن، منها قوله تعالى:{وإذ نَتَقْنا الجبل فوقهم كأنه ظلّة، وظنّوا أنه واقعٌ بهم، خذوا ما آتيناكم بقوة، واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} (الأعراف: 171).

ويلاحَظ توافق الآيتين: آية سورة البقرة، وآية سورة الأعراف، في حديثهما عن حادثة رفع جبل الطور وإعطاء الرجال العهد والميثاق!
أوجب الله على اليهود أخذ كتابهم "التوراة" بقوة، وحمله بأمانة، وتنفيذ أحكامه بدقة، وأوجب عليهم دراسته ومعرفته، وذكر ما فيه من أحكام وتوجيهات.
يخبر الله اليهود في المدينة زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بما فعله أجدادهم، ويذكّرهم بتلك الحادثة العجيبة، التي نتج عنها رفع جبل الطور، وأخذ الميثاق منهم: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور}.
وقد أمرهم الله بأمرين: {خذوا ما آتيناكم بقوة، واذكروا ما فيه}.

والذي آتاهم الله إياه هو كتابه "التوراة" التي أنزلها على موسى عليه السلام، وقد أوجب الله عليهم أخذه بقوة، وحمله بأمانة، وتنفيذ أحكامه بدقة، كما أوجب عليهم دراسته ومعرفته، وذكر ما فيه من أحكام وتوجيهات!

ومن المعلوم أن اليهود لم ينفذوا الأمرين المذكورين في الآية، فلم يأخذوا التوراة بقوة، ولم يذكروا ما فيها، وأشار إلى ذلك قوله تعالى: {ثم تولّيتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لَكُنْتُم من الخاسرين. ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت، فقلنا لهم: كونوا قردة خاسئين..} (البقرة: 64 - 65).

وقد أمرنا  الله - نحن المسلمين - أن نأخذ القرآن بقوة، كما أمر اليهود أن يأخذوا التوراة بقوة، لأن التوراة كتاب الله، والقرآن كتاب الله، ويجب أخذ كل منهما بقوة، وأن يُذكَرَ ما فيه من أحكام وتشريعات، وحقائق وتوجيهات!!
كلمة"بقوّة" جاءت نكرة منونة في الآية، والتنكير مع التنوين هنا يدل على العموم والشمول، لذا فهي تشمل جميع مظاهر القوة ومجالاتها، وصورها وألوانها.
على المسلمين أن يأخذوا القرآن بقوة، وأن يعتصموا به، وأن يوثقوا استمساكهم به، تنفيذاً للأمر السابق:
{خذوا ما آتيناكم بقوة} وتنفيذاً للأمر الرباني في قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} (آل عمران: 103).

والسؤال الآن: ما المراد بالقوة التي أمرنا الله بها؟

إن كلمة "بقوة" في الآية نكرة مُنوَّنة، والتنوين مع التنكير هنا يدل على العموم والشمول، أي أن الكلمة تشمل جميع مظاهر القوة ومجالاتها، وصورها وألوانها.

- إنها تشمل قوة العلم والفهم، لأن من عرف معاني القرآن، وفهم حقائقه، وتعلّم أحكامه؛ يعرف طبيعة هذا القرآن ومقاصده.. يعرف مهمته ودوره، في حياة الفرد والأمة، وكلما ازداد علمه بالقرآن؛ ازداد تعلّقه به وحياته معه.

- وتشمل قوة الوعي والبصيرة، فالقرآن يرتقي بمداركنا وتصوراتنا، ويشحذ عقولنا وأفكارنا، ويفتح آفاق الوعي عندنا، وينير بصائرنا، وشتان بين أصحاب البصائر المنيرة الذين يتعاملون مع القرآن بوعي وإشراف، وبين آخرين "سذّج" لا يعرفون عن القرآن إلا أنه قرآن عظيم!!

- وتشمل قوة العزيمة والإرادة والهمة، في حمل هذا القرآن، فبعد الفهم الصادق لأحكام القرآن، وبعد الوعي المتألق بهذا القرآن؛ تأتي قوة النفس المؤمنة التي تحمل هذا القرآن، فالقرآن كتاب ثقيل في مهمته وأثره، ولا يحمله إلا الإنسان الثقيل في عزيمته وهمته، وفي إرادته وطاقته!

- تشمل قوة الالتزام والعمل، والتنفيذ والتطبيق، بأن يحكم القرآن حياة الفرد والأمة، وأن يكون الواقع المعاش انعكاساً لأحكام القرآن..

- وتشمل قوة الدعوة والحركة والمواجهة، لأن دعوة الآخرين إلى هذا القرآن واجبة، فعلى الأمة المسلمة المنبثقة عن القرآن أن تدعو إلى هذا القرآن، وأن تتحرك بهذا القرآن، وأن ترفع راية القرآن، وأن تنحاز إلى هذا القرآن، وأن تواجه أعداء القرآن، وأن تجاهدهم بهذا القرآن.. وصدق الله: "خذوا ما آتيناكم بقوة..".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}

ها هو شهر رمضان الفضيل قد انقضت أيامه ورحلت عنّا لياليه المباركات التي كانت مليئة …