علمانية أردوغان .. الدّواء فيه سمٌّ قاتل (2-2 )

الرئيسية » بصائر الفكر » علمانية أردوغان .. الدّواء فيه سمٌّ قاتل (2-2 )
alt

تحدثنا في الحلقة الماضية عن حالة الجدل التي صنعتها تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في القاهرة والتي بشر فيها بالعلمانية وحث المصريين على اختيارها كنظام حكم  , ثم استطردنا إلى الحديث عن مفهوم العلمانية ونشأتها  والبيئة الحذرة التي أحطات بنشأتها في أوربا , حيث سيطرت الكنيسة على كل مقدرات الحياة  , وكيف ولدت حالة هيمنة الكنيسة على مقدرات الحياة حالة من "  فوبيا " المؤسسات الدينية , فاتجه دعاة العلمانية إلى فصل الدين عن الدولة  , ونتحدث في هذه الحلقة عن تسرب العلمانية للعالم الإسلامي . 

 

 العلمانية في العالم الإسلامي  ..

ساهم ضعف العالم الإسلامي في جعل بلاده بيئة خصبة لأية أفكار غريبة خاصة وإذا كانت هذه الأفكار قد نجحت في تحقيق بعض المكاسب الظاهرة في الأمور الحياتية،  يضاف إلى ذلك انبهار العديد من أبناء العالم الإسلامي الذين احتكوا بالثقافات الغربية عبر البعثات العلمية بهذه الحضارة المادية، فتسرب الفكر العلماني بسهولة حتّى وصل الأمر إلى الانحراف في فهم الإسلام نفسه، وانحسار  فهمه  في معان ضيقة ومدلولات  تقتصر على العبادات داخل جدران دور العبادة.

ساهم ضعف العالم الإسلامي في جعل بلاده بيئة خصبة لأية أفكار غريبة خاصة
وكان للغرب دور أساس في الحرص على تصدير التجربة إلى منطقتنا  بعد أن أدرك  من تجربة الحروب الصليبية أنَّ قوَّة المسلمين في دينهم، وأنَّه لا سبيل إليهم إلاَّ بتحطيم هذا الدين، وقد كشف عن هذا الكلام  رئيس وزراء بريطانيا "جلادستون" عندما وقف في مجلس العموم البريطاني يتحدَّث عن خطه الاستعمار البريطاني في العالم الإسلامي، فقال:  (مادام هذا القرآن موجوداً بين أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان).

ومن هذا المنطلق بدأت مخططات إخراج الأمَّة الإسلامية من دينها وتعريتها من مقوّمات وجودها.

العلمانية والخلافة   .. 

 ومن منطلق الحرص على تدمير الهوية الإسلامية كان لابد من استهداف الخلافة الإسلامية في تركيا  التي كانت الهدف الأوّل للعلمانيين؛ إذ كان منصب الخليفة هو رمز الإسلام ورمز وحدة الدولة الإسلامية وبضربة ينفك عقد العالم الإسلامي، فظهرت العديد من الحركات التي تحيي نعرات عرقية وثنية،  كان أولها حركة  " الاتحاد والترقي " المكوّنة من يهود الدونما إضافة إلى بعض المسلمين الذين لم يحملوا من إسلامهم سوى الأسماء،  وكانت هذه الحركة تسير وفق طقوس الماسونية العالمية، واستطاعت إقصاء السلطان عبد الحميد عن الخلافة سنة 1909م،  وذلك بمساعدة القوى الأجنبية، ومنذ ذلك التاريخ فصلت الخلافة عن السياسة، وألغيت فكرة الجامعة الإسلامية ونادوا بفكرة القومية. 

وكان أوّل مظهر لعلمنه القانون سنة 1857م، ومع إلغاء الخلافة، تمَّ إصدار قانون مدني مستمد من القانون السويسري وقانون جنائي مستمد من القانون الإيطالي وقانون تجاري مستمد من القانون الألماني .

وفى مصر، ظهر دعاة القومية العربية ومع معاهدة إلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937م، اشترط  المشاركون في المؤتمر أن تستمد مصر تشريعها من التشريع الغربي ومع زوال المحاكم المختلطة صدر القانون المدني عام 1948م، ناصاً في مادته الأولى على مصادر القانون جاعلاً في مقدمتها التشريع الوضعي، ثمّ العرف الوضعي ووضع في الدرجة الثالثة مبادئ الشريعة الإسلامية، ثمَّ قضى على الازدواج في القضاء بإلغاء المحاكم الشرعية بالقانون رقم 462 لسنة 1955م، وأحيل اختصاصها للمحاكم الوطنية، وتبعها في ذلك أكثر الدول العربية بعد الاستقلال .

ولم تكن مصر وحدها التي تركها الاستعمار تابعة له، بل فعلت الدولة الغربية المستعمرة ذلك كلّه مع جميع البلدان العربية فور تحرّرها، ولم يقف مسلسل علمنة الدّول الإسلامية عند هذا الحد، فبعد تحرّر هذه الدولة زاد الاهتمام بالمتفوّقين دراسياً، فزادت البعثات العلمية في محاولة للهيمنة على هذه العقول الشّابة التي ستتحول قريباً إلى قيادات في بلادها، فعاد الكثير من حملة الدكتوراه من دول الغرب بفكر يقدّم المادية على الرّوحية، يؤمن بالعقل أكثر من الروح، يرى في المنهج الإسلامي معوق للتقدّم، ويؤمن بأنَّ التحرّرَ من هذه القيود هو بداية الانطلاق، وساعدت الدول الغربية على أن يتقلد صنيعتهم كبرى المناصب في بلادهم حتى يحافظوا على النهج العلماني .

 

 مستقبل العلمانية  ..

وبالعودة إلى الأوضاع في تركيا، فبعد مرور أكثر من ثمانين عاماً على تصدير "علمانية أتاتورك" يسجل المشهد هناك تراجعاً في هيمنة الفكر العلماني خاصة في السنوات الثمانية الأخيرة، التي حكم خلالها حزب العدالة والتنمية ، حيث أوشكت علمانية أتاتورك على الأفول على غرار نظيراتها من الماركسية والمأوية وغيرها من الأيديولوجيات التي حكمت العالم لمرحلة من الزمن.

 وإذا قدِّر للجيش "حامي العلمانية في تركيا"  أن يستبعد عن صناعة القرار في تركيا، وهو أحد شروط الاتحاد الأوربي لانضمام تركيا للاتحاد، سيكون ذلك بمثابة إطلاق رصاصة الرَّحمة على  منهج أتاتورك، ووفقاً لقراءة الواقع، فإنَّ هناك تنامياً لتيار أردوغان الدّاعي للعودة إلى الإسلام والقيم الإسلامية والتواصل مع العالم العربي والإسلامي، وسوف يشهد هذا التيار تنامياً في المستقبل القريب مع اتساع رقعة الرّبيع العربي وتصاعد حركات إلى إسلامية في بلدان مثل مصر وتونس لمشاركتها في حكم البلاد بعد أن أقصيت تماماً خلال العقود الماضية، بفعل القوى العلمانية المسيطرة على البلاد.

 

 

 

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

هل يصح الشك بوابة لليقين؟ (2-2)

سبق في الجزء الأول بيان منشأ مذهب الشك على يد الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وآثار …