تحدَّثنا في الحلقة الماضية عن قدرات إمام المسجد المتمكن من صناعة الوعي، وعرضنا بعض النماذج المضيئة وكيف كان سلف رسول الله صلّى الله عليه وسلم ينظرون للمسجد ولإمام المسجد .
وفى هذه الحلقة نتحدَّث عن الإمام الناجح، وكيف هو مصدر قوَّة لأمّة واعية متيقظة عارفة بما يدور حولها، بحيث تعرف حقيقة الأشياء، وكيفية التعامل معها، حتى تكون ثابتة على النهج والطريق المستقيم.
إنَّ الإمام أصبح دوره أكثر أهمية، في ظل إقبال الناس على المساجد، خصوصاً في أيامنا هذه، حيث يزداد إقبالهم، ليستمعوا بكل أذن صاغية لما يقال لهم من كلام العلم والإيمان والحكمة. ومع بالغ الأسف، كثير من الأئمَّة، خانوا تلك الثقة، فكانوا إمّا غير مؤهلين للحديث وتصدر المجالس وصعود المنابر، أو كانوا مؤهلين، لكنهم خافوا من قول كلمة الحق، وأحبطوا الناس إما بالابتعاد عن الواقع، أو بتناول قضايا هامشية على حساب القضايا الكلية المهمة.
إنَّ هناك حالات كثيرة من الاستياء بين المصلين حول دور الأئمّة، لأنَّ أئمتهم يتعاملون مع ما كُلّفوا به وفق منطق الوظيفة، وليس وفق منطق المسؤولية، فيكون همهم الحصول على الراتب الشهري، والمكافآت المجزية، بغض النظر عما يحققوه من فائدة وإصلاح بين الناس.
إنَّ الإمامة والخطابة، أصبحت في زماننا وظيفة حكومية، يقوم بها الموظف بطريقة تؤكّد عدم مناسبته لهذا المكان، فقلّما تجد الإمام الواعي، الذي يحرِّك المشاعر ويلهبها، والذي يوقظ الهمم ويزيد من فاعليتها ودورها.
لقد كان للأئمَّة على دور التاريخ دور حاسمٌ في التوجيه والوعي، خلافاً لما هو حال كثير من زماننا، حيث أبعد الكثير من المؤهلين عن الإمامة والخطابة، وأبرزها الأسباب السياسية المجحفة، بحيث يخشى أصحاب السلطة أن يكون الإمام مصدر وعي لجمهور الأمَّة، ممَّا يؤدِّي إلى وقوفهم في وجه الطغاة والمفسدين. ولهذا يقدّمون لهذه المهمّة من يتأكدون من ولائه لهم، وسكوته على كل ما يجري، ولا يعرف إلاَّ تمجيد المفسدين ومحاربة المصلحين. أو يشوّه للنَّاس دينهم، إما بقوله أو سلوكه وكلاهما خطر جداً على الأمة. بحيث يعكس صورة سلبية على أذهان الكثير من الناس.
إنَّ الإمامة والخطابة، أصبحت في زماننا وظيفة حكومية، يقوم بها الموظف بطريقة تؤكّد عدم مناسبته لهذا المكان، فقلّما تجد الإمام الواعي، الذي يحرِّك المشاعر ويلهبها، والذي يوقظ الهمم ويزيد من فاعليتها ودورها.
صفات الإمام الناجح
وختاماً نختم كلامنا بأبرز صفات الإمام الناجح القائد، والذي يحقّق الخير لأمته، خصوصاً وأنَّ المساجد باتت الآن محطات للحريّة ومصدر طاقة للوقوف في وجه الفساد والمطالبة بالحقوق.. ممَّا يتطلب الوقوف على أبرز صفات الإمام الناجح . لكن وقبل ذلك أشير إلى أنَّه ورد في التاريخ أنَّ الإمام لم يكن يعين إلاَّ بشروط معينة، وأذكر مثالاً على ذلك، ما اشترطه خليفة المسلمين، السلطان العثماني سليمان القانوني، حيث اشترط فيمن يريد أن يدخل في مسابقة نيل إمامة المسجد الجامع في اسطنبول شروطاً عدَّة منها:
1- أن يجيد اللغات العربية والفارسية واللاتينية والتركية.
2- معرفة علوم القرآن الكريم وكذلك معرفة التوراة والإنجيل.
3- أن يكون قادراً على الافتاء في القضايا المعاصرة، مما يستدعي علمه بالفقه وما يلزمه كعلم الأصول.
4- أن يعرف فنون الجهاد القائمة في عصره.
5- أن يجيد الرياضيات والفيزياء لتدريسهما في المسجد.
6- أن يكون حسن المظهر.
7- أن يكون ندي الصّوت.
والمعلوم أنَّ هذه الشروط من الصعب توفرها في الأئمة في زماننا، لكن هذا يؤكّد على مدى أهمية هذا المنصب في الدولة، حيث إنَّ الإمام مرجع ديني موجّه للأمَّة.
أمَّا أبرز صفات الإمام الناجح في زماننا، فنلخصها بما يلي:
1- أن يكون مخلصاً لله فيكون محبوباً عند الناس، كما يبتعد عن الرّياء والمباهاة والنفاق.
2- أن يكون حافظاً لقدر كبير من كتاب الله على الأقل، وأن يحفظ عدداً لا بأس به من الأحاديث.
3- أن يعرف أمهات المسائل في العقيدة الفقه وغيرها، وخصوصا فقه الإمامة والصَّلاة، بحيث يعلمها للناس فيفقههم في دينهم ويعلم أصول دينهم، وكيفية اجتناب الحرام، وعمل الحلال.
4- أن يكون لديه علم بالسيرة ومواقف التاريخ الإسلامي العامة، حتى يسخرها في الرّبط بينها وبين الواقع، واستخلاص العبر والدروس منها.
5- أن تكون لديه ثقافة واسعة ومتجدّدة، بمشاكل الأمَّة واحتياجاتها، والفرق المعادية للإسلام، والجماعات العاملة للإسلام، فيعالج مشاكل الأمَّة، ويحذِّر ممَّا يضعف قوتها وهيبتها، وفي الوقت نفسه يناصر ويؤيِّد كلَّ من يعمل للإسلام ولخدمة الدين.
6- أن يكون حراًّ، لا يقبل أن يحارب الحق أو يقف ضده وضد أهله، لأجل المال، أو المنصب، أو التحيّز والهوى، فإنَّ الإمام جامع لكلِّ المسلمين بأطيافهم المختلفة، وأجناسهم المتعدّدة.