استعرضنا في الحلقة الماضية ظروف نشأة الشهيد سيد قطب ومشهد إعدامه , كما تحذنا في ذكرى إستشهادة عن تعليمه وسفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية ثم عودته وإنضمامه إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد تحول فكره لخدمة الإسلام , ونعرض في هذه الحلقة تفاصيل إعتقال صاحب الظلال , وأفكاره التي ساهمت في تشكيل فكر الكثيرين من أبناء الحركات الإسلامية .
اعتقال سيّد قطب ..
توطّدت علاقة سيّد قطب بالإخوان المسلمين وساهم في تشكيل الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان. وكان سيّد قطب المدني الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات مجلس الثورة التي قام بها الضباط الأحرار بقيادة محمّد نجيب ولكنه سرعان ما اختلف معهم على منهجية تسيير الأمور، ممَّا اضطره إلى الانفصال عنهم.
وفي عام 1954م، دبّرت تمثيلية اغتيال جمال عبد الناصر في منطقة المنشية، واتهم الإخوان بأنهم هم الذين يقفون وراءها، وتمَّ اعتقال الكثيرين منهم وكان سيّد أحدهم، حيث تمَّ الزّج به بالسجن لمدَّة 10 أعوام معانياً شتى أصناف التعذيب في السجن.
وقد تدخل الرئيس العراقي الأسبق المشير عبد السَّلام عارف لدى الرَّئيس عبد الناصر للإفراج عنه في مايو 1964م إلاَّ أنَّه ما لبث أن اعتقل ثانيةً بعد حوالي ثمانية أشهر بتهمة التحريض على حرق معامل حلوان لإسقاط الحكومة، كما حدث في حريق القاهرة.
وفي 30 يوليو 1965م، ألقت الشرطة المصرية القبض على شقيق سيّد محمد قطب، وقام سيّد بإرسال رسالة احتجاج للمباحث العامة في تاريخ 9 أغسطس 1965. أدّت تلك الرِّسالة إلى إلقاء القبض على سيّد والكثير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وحُكم عليه بالإعدام مع 6 آخرين وتم تنفيذ الحكم في فجر الإثنين 13 جمادى الآخرة 1386 هـ، الموافق 29 أغسطس 1966م.
أفكاره ..
لم تلق أفكار شخصية مصرية مثلما لاقت أفكار الشهيد سيّد قطب من جدل، فانقسم النَّاس حوله الى مؤيّد ومتبنٍ لأفكاره وبين معارض لها معتبراً أنَّها تحمل أفكاراً تكفيرية تدعو لاعتزال المجتمع وتكفيره.
ومن بين من انتقدوا أفكاره الشيخ يوسف القرضاوي الذي يرى أنَّ قطب أخطأ في تكفير جموع المسلمين والحكام والأنظمة باستخدامه لفظ جاهلية المجتمع .
إلاَّ أنَّ الفريق الآخر يرى أنَّ سيّد قطب استخدم لفظ "الجاهلية" في وصف المجتمعات الإسلامية، ولم يستخدم لفظ "الكفر"، ولم يصرِّح بتكفير فرد أو مجتمع. والنبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم وصف استعداد الأوس والخزرج للقتال بقوله: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم). وأيضاً عندما قال النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذر الغفاري: (إنك امرؤ فيك جاهلية)، وذلك عندما عاير بلال بن رباح بأمه ويرى هذا الفريق أن سيّد قطب كان أديباً ومفكراً أكثر منه عالم دين، ولذلك قد لا يكون قد التزم بمصطلحات العلماء في كتباته.
معالم في الطريق ..
يعدُّ هذا الكتاب من أهم كتب سيّد قطب؛ فقد شكَّل رافداً فكرياً وحركياً للكثيرين من أبناء الحركات الإسلامية حتّى وقتنا هذا، وقد كان لهذا الكتاب طبيعة خاصة، فقد كتبه في السجن على شكل رسائل جمعت وصدرت في كتاب، تتركز فيه أفكاره الأساسية في التغيير الذي ينشده، كان من أبرز ما جاء في المعالم الدَّعوة إلى قيادة جديدة للبشرية، فقيادة الرَّجل الغربي للبشرية قد أوشكت على الزوال، فلم يعد النظام الغربي يملك رصيداً من القيم يسمح له بالقيادة.
يضع سيّد قطب في هذا الكتاب المعالم اللازمة لاستعادة الحاكمية، ويركِّز سيّد قطب بشكل عام على مفهوم الحاكمية لله في جميع كتاباته. يبدأ الكتاب بموضع جيل قرآني فريد وهو جيل الصَّحابة، ويرى سيّد قطب أنَّ المجتمع الإسلامي كان مجتمعاً مبنياً على رابطة العقيدة.