شرع الله الطَّاعة على المؤمنين، وألزمهم بها فهي فرض عين على كل مسلم (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، وطاعة الله تستوجب طاعة أوامره، وتجنّب نواهيه، فالطاعة هي العنصر الثاني من عناصر الإيمان بعد التصديق بالقلب.
ولقد فضح الله المنافقين الذين ادّعوا الإيمان وأصرّوا على معصية الله، فقال في حقهم: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون).
وما أكثر هذه النوعية في حياتنا، فكثير من الناس يدعي الإيمان ويأتي من الإسلام ما شاء، أمّا باقي أوامر الإسلام، فلا يحب أن يعرضها على منهج الله، لأنَّ له منهجاً آخر.
العلمانية ومبدأ الانتقائية
فمثلاً نجد أنَّ العلمانية قائمة على هذا المعنى يطيع في أشياء ولا يطيع في أشياء فليس لديه اعتراض على إقامة الصَّلاة وأداء بعض شعائر الإسلام الظاهرة، أمَّا إن قلت له: إنَّ الإسلام يضع مبادئ السياسة والاقتصاد وغيرها من شؤون الحياة يقول لك وما دخل الإسلام بهذا، نحن ننظم أمور حياتنا بعيداً عن الدين، وليكن الدين في المساجد فقط، فهؤلاء ممن قال الله فيهم: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) فطاعة الله كل لا يتجزأ فكيف تؤمن بالله وتعلم أنه الخالق ثم ترفض طاعته تقول أعرف أن الله هو خالقي ولكن لن أطيعه في بعض الأمور هل هذا تصرف معقول؟!.
الطاعة الواجبة
وضرب لنا القرآن الكريم مثلاً رائعاً في الطَّاعة في قصة سيّدنا إبراهيم مع ولده إسماعيل عليهما السَّلام، فحينما أخبره أن الله يأمره بأن يذبحه لم يتردّد سيّدنا إسماعيل وقال: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصَّابرين).
طاعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ضرب الصحابة الكرام أروع الأمثلة في طاعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وطاعة الرسول واجبة لأنه لا يقول إلاَّ الحق، وقد أمرنا الله بطاعته فقال: (وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين). وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)، (النساء)، فالله يقسم هذا القسم ينفي الإيمان عنهم حتى يحكموا النبيّ فيما شجر بينهم، وهذا مقتضى إتباعه وطاعته ومحبته.
وقد بين الله ما يجب أن يكون عليه المؤمنون في قوله: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)، (النور).
طاعة أولي الأمر: أولى الأمر هم الحكام ومن ينوب عنهم، وقد اتفق العلماء على وجوب السَّمع والطَّاعة لولاة الأمور ما لم يأمروا بمعصية الله ويكون السَّمع والطاعة في المنشط والمكره، ولكن هذه الطاعة ليست مطلقة فقد روى عن علي قال: "بعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سرية وأمر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه، فغضب عليهم، فقال: أليس قد أمر النبي أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم ناراً ثمَّ دخلتم فيها، فجمعوا حطباً فأوقدوا ناراً فلما هموا بالدخول فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض، فقال بعضهم: إنَّما اتبعنا النبي فراراً من النار، أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً، إنما الطاعة في المعروف"، رواه البخاري.