إلى الدّعاة.. من منكم صاحب النقب؟!

الرئيسية » بصائر تربوية » إلى الدّعاة.. من منكم صاحب النقب؟!
alt

الإخلاص.. أن يقصد المرء بعبادته وجه الله عزّ وجل (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً)، وقيمة العمل في الإسلام ترجع إلى طبيعة الدَّوافع المنبثق عنها العمل، فقد يجلس أحد العلماء إلى الناس ويعلمهم الخير قد تكون نيته أن يقال: عالم وقد تكون نيته خالصة لله فشتان.

إن كان هدفه ودافعه أن يقال عالم يكون بذلك مع أول من تسعر بهم النار مصداقاً للحديث: "أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به: رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال إن فلاناً قارئ فقد قيل ذلك..".

ويقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

يقول الشيخ محمَّد الغزالي رحمه الله: والحق أنَّ المرء ما دام قد أسلم لله وجهه، وأخلص نيته، فإن حركاته وسكناته ونوماته ويقظانه، تحتسب خطوات إلى مرضاة الله، وقد يعجز عن عمل الخير الذي يصبو إليه، لقلة ماله أو لضعف صحته، ولكن الله المطلع على خبايا النفوس يرفع الحريص على الإصلاح إلى مراتب المصلحين، والراغب في الجهاد إلى مراتب المجاهدين لأن بعد همتهم أرجح إليه من عجز وسائلهم.

حدث في غزوة العسرة أن تقدّم إلى رسول الله رجال يريدون أن يقاتلوا الكفار معه، وأن يجودوا بأنفسهم في سبيل الله، غير أنَّ الرَّسول لم يستطع تجنيدهم، فعادوا وفي حلوقهم غصة، لتخلفهم عن الميدان وفيهم نزل قوله عزّ وجل: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون).

أترى أنَّ الله يهدر هذا اليقين الرَّاسخ، وهذه الرّغبة العميقة في التضحية؟

ويقول الشيخ جمعة أمين: إنَّ الإخلاص هو لبُّ العمل وجوهر العبادة وتصبح العقيدة بدونه قالب لا قلب لها .
بدون الإخلاص العمل لا جدوى له (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممّا كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد).

الإخلاص في حياة الصَّحابة والتَّابعين ..
وكان أثر إخلاص صحابة النبيّ من بعده أن فتحت بلاد كثيرة وقويت أركان دولة الإسلام لأنهم تجرّدوا وأخلصوا لله فلم يكن جهادهم من أجل متاع الحياة الدنيا وجاء بعدهم السَّلف الصَّالح فأكملوا المسيرة حتّى وجدنا في قصصهم ما يثير الإعجاب والاندهاش من هذا التجرّد والإخلاص.

فقد روي أنَّ مسلمة بن عبد الملك كان على رأس جيش للمسلمين يحاصرون قلعة عظيمة للروم، ولكن القلعة استعصت على جيش المسلمين لارتفاع أسوارها ولإغلاق جميع المنافذ إليها، الأمر الذي رجح كفة جنود الروم فأخذوا يقذفون جيش المسلمين من أعلاها، فازداد تعب وإنهاك جنود المسلمين.  وفي الليل قام أحد جنود المسلمين بالتخفي والصعود إلى قلعة الروم إلى أن وصل باب القلعة وظل ينقب فيه وينقب حتى استطاع أن يُحدث به نقباً ثم رجع دون أن يُخبر أحداً، وعند الغد تأهب المسلمون للقتال كعادتهم، فدخل هذا البطل من النقب وقام بفتح الباب فتدافع المسلمون وتسلقوا أسوار القلعة وما هي إلاَّ لحظات حتى سمع الرّوم أصوات تكبيرات المسلمين على أسوار قلعتهم وداخل ساحتها فتحقق لهم النصر.             

بعد المعركة جمع القائد مسلمة بن عبد الملك الجيش، ونادى بأعلى صوته: مَن أحدث النقب في باب القلعة فليخرج لنكافئه فلم يخرج أحد! فعاد وقالها مرة أخرى، من أحدث النقب فليخرج فلم يخرج أحد ثم وقف من الغد وأعاد ما قاله بالأمس فلم يخرج أحد وفي اليوم الثالث، وقف وقال: أقسمت على من أحدث النقب أن يأتيني أي وقت يشاء من ليل أو نهار وعند حلول الليل والقائد يجلس في خيمته، دخل عليه رجل ملثم، فقال مسلمة: هل أنت صاحب النقب؟ فقال الرّجل: إنَّ صاحب النقب يريد أن يبر قسم أميره ولكن لديه ثلاثة شروط حتى يلبي الطلب. فقال مسلمة: وما هي؟ قال الرجل أن لا تسأل عن اسمه، ولا أن يكشف عن وجهه، ولا أن تأمل له بعطاء، فقال مسلمة له ما طلب عندها قال الرّجل: أنا صاحب النقب، ثمَّ عاد أدراجه مسرعاً واختفى بين خيام الجيش!

الرِّياء وأثره
على عكس الإخلاص تماماً، فإنَّ الذي تعظمه النية في حالة الاخلاص تحقره النية في حالة الرياء فقد يكون عملاً كبيراً ومجهوداً شاقاً ومبلغاً عظيماً دفع في باب من أبواب الخير ولكن بنية يشوبها الرياء حينها ينقلب العمل الصالح إلى معصية تستجلب الويل فقد قال الله عز وجل: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون).

وما أحوج رجال الدَّعوة إلى هذا النّوع من الأخلاق، لكي يبارك الله في عملهم ويجعل أثره فاعلاً قويّاً يصل إلى القلوب، فما خرج من القلب وصل إلى القلب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …