يُعدُّ مشروع الوحدة الإسلاميَّة من أسمى أهداف الحركة الإسلاميَّة، ويحتل مكانةً بارزةً في مشروعات النَّهضة الإسلاميَّة التي ظهرت في العقود التَّسعة الأخيرة؛ حيث كانت الغايةَ الأسمى لمختلف هذه المشروعات هي تحقيق الوحدة بين جموع المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وإعادة إحياء الدَّولة الإسلاميَّة الكبرى التي امتدت قديمًا من تخوم الصين شرقًا وحتى ساحل المحيط الأطلنطي وبلاد الأندلس غربًا، ومن غانا جنوبًا وحتّى فرغانة في بلاد الأفغان شمالاً.
وقد واجهت هذه المشروعات متاعبَ ومصاعِبَ عدَّة، مع اصطدام فكرة الوحدة الإسلاميَّة بالعديد من الظُّروف والقوى المحليَّة والدوليَّة التي لها مصالحها التي تتعارض بكل تأكيد مع مشروع إعادة توحيد الأمة، الذي هو أحد الفروض الواجبة على المسلمين، كما جاء في القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة.
وتتمثَّل هذه القوى في ثلاثة أطرافٍ رئيسةٍ؛ الطرف الأوَّل منها هو نظم الحكم الفاسدة في كثيرٍ من دول العالم العربيِّ والإسلاميِّ، والثاني تمثَّل في قوى الاستعمار العالمي الموجودة في كلِّ ركنٍ من أركان الأمة في ذلك الوقت، أمَّا الطَّرف الثَّالث فيتمثل في المشروع الصهيوني الذي له روابطه القوية مع كل من الطَّرَفَيْن السابقَيْن؛ فالمشروع الصهيوني يستمد حمايته من المشروع الاستعماريِّ الأمريكيِّ الغربيِّ، كما أنَّ من مصلحة الصَّهاينة أنْ تستمر نظم الحكم الدِّيكتاتوريَّة الفاسدة في الحكم في العالم العربيِّ والإسلاميِّ لتعطيل مشروع الوحدة الإسلاميَّة.
وكانت من أهم العوامل التي دفعت إلى ظهور الدَّعوات التي تدعو إلى توحيد المسلمين وتقوية الرَّوابط فيما بينهم:
- حالة التشرذم والفرقة الكبيرة التي عليها الأمة العربيَّة والإسلاميَّة، والتي كانت سببًا مُهمًّا وأيضًا سمتًا مميّزًا لحالة التَّخلُّف العلميِّ والفكريِّ والحضاريِّ الشَّامل الذي عليه الأمة، رغم أنَّها تضمُّ في أنحائها العديد من مواطن الحضارات الإنسانيَّة الأولى كما في مصر والعراق وإيران وسوريا.
- إعلان كمال أتاتورك في العام 1924م عن إلغاء الخلافة الإسلاميَّة وإسقاط الدَّولة العثمانيَّة وإقامة دولة تركيا كجمهوريَّةٍ علمانيَّةٍ على أنقاضها، ليضع بذلك حجرًا مُهمًّا في دعم المشروع الاستعماري الغربي في العالم العربيِّ والإسلاميِّ، وليقطع أهم رابطٍ كان لا يزال يجمع ما بين أركان الأمة وجموع المسلمين في كلِّ أنحاء العالم، وبدلاً من أنْ تكون هويَّة المُسلم في بطاقة هويَّته الرَّسميَّة في خانة الجنسيَّة "مسلم"، أصبح عراقيّاً أو ليبيّاً أو سوريّاً، وهكذا.
- امتداد الاستعمار الغربي إلى كل أجزاءِ الأمة العربية والإسلامية تقريبًا، باستثناء المناطق الدَّاخليَّة من شبه جزيرة العرب التي أقام عليها سلطان نجد والحجاز في ذلك الحين عبد العزيز بن عبد الرَّحمن الفيصل آل سعود، ما يُعرَفُ المملكة العربيَّة السَّعوديَّة.
لعبت قوى الاستعمار على إثارة النَّعَرَات القوميَّة والشعوبيَّة، بل والقبليَّة والعشائريَّة
ولكن وبخلاف مناطق نجد والحجاز كان الاستعمار البريطانيُّ والفرنسيُّ بالذَّات يُسيطر على نحو 90% من مساحة العالم العربيِّ والإسلاميِّ، وقد لعبت قوى الاستعمار على إثارة النَّعَرَات القوميَّة والشعوبيَّة، بل والقبليَّة والعشائريَّة أيضًا، إضافةً إلى الانقسامات المذهبيَّة في مختلف ربوع الأمة، فعادت دعاوى الهويَّة تظهر، مثل الفارسيَّة والفرعونية وغيرها، والتي قضى عليها الإسلام في سنواته الأولى، تظهر في إيران ومصر وتركيا ومختلف أرجاء الأمة.
وقد خلق هذا السلوك الاستعماري مشكلات حتى داخل الدَّولة القوميَّة الواحدة في العالم العربيِّ والإسلاميِّ، فالعراق مُقَسَّم ما بين شيعة وسُنَّة وأكراد بينما كلهم مسلمون!!، وهكذا.
وتزايدت الاهتمام بموضوع الوحدة الإسلاميَّة في السَّنوات الأخيرة، مع ما تشهده المرحلةَ الرَّاهنةَ، في إطار الأزمة الحضاريَّة الراهنة التي تعيشها الأمة، وازدياد حدة أزماتها الداخليَّة والبينيَّة، وانقساماتها، مع وقوف العديد من العوامل السِّياسيَّة والمذهبيَّة وقفت حالاً أمام مسألة الحوار الإسلامي- الإسلامي، أو السُّنِّيِّ- الشِّيعيِّ بالأساس، ومن بين هذه العوامل ضغوط الغرب الراهنة وسياساته في العالم العربيِّ والإسلاميِّ.
وفي هذا الإطار، نحاول النَّظر في بعض الجوانب الفقهيَّة المتعلِّقة بفكرة الوحدة في القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة الشَّريفة، والكيفيَّة التي يمكن بها الوصول إلى درجةٍ من درجات الوحدة بين المسلمين، تمهيدًا لإطلاق مشروع الوحدة الكبرى؛ لإعادة الأُمَّة إلى سابق عهدها من القوَّةِ والمنعة وريادة الأمم الأخرى.
الوحدة في القرآن والسُّنَّة
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [سورة آل عمران: الآية 103].. تُعْتَبَر قضيَّة الوحدة الإسلاميَّة إحدى المقاصد الكُبرى في الشريعة الإسلاميِّة، وهو مفهومٌ مُقتبسٌ من عقيدة التَّوحيد، توحيد الخالق والرَّب والإله الواحد الأحد الفرد الصَّمد، الله عزّ وجل، وأنَّ هذه الأمَّة أمَّة توحيدٍ واتِّحادٍ.. قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)﴾ [سورة الأنبياء]، وفي آيةٍ قرآنيَّةٍ أخرى بقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)﴾ [سورة المؤمنون].
وهنا نجد أنَّ القرآن الكريم قد ربط ما بين الوحدة الإسلاميَّة، وبين تحقيق عددٍ من الصِّفات والاشتراطات، ومن أهمُّها عبادة الله عزَّ وجلَّ وتوحيده، وكذلك تقوى الله تعالى في كلِّ عملٍ من أعمال المسلم.
إلاَّ أنَّ القرآن الكريم ربط ما بين فكرة الأخوة والوحدة بين المسلمين وبين مبدأٍ آخرَ شديد الأهمِّيَّة في الحياة العامَّة للمسلمين والخاصَّة للإنسان المسلم، وهي فكرة الإصلاح؛ حيث يقول الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾ [سورة الحجرات]، بل إنَّ هذا يُعتَبر المبدأ الرَّئيسيُّ، وصُلب دعوة الأنبياء والمرسلين.. قال الله تعالى في كتابه العزيز في الآية 88 من سورة هود: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.
كما وضع رسولنا الكريم، مُحمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم) دعائم الإخاء والمساواة والعدالة في عقيدة التَّوحيد التي بلغها عن ربِّ العزَّة سبحانه، فيقول: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى" [رواه الإمام أحمد في مسنده].
وفي خطبة حجَّة الوداع، نجده يُرسي قواعد الإخاء فيما بين المسلمين، ويضع أُسس العلاقات فيما بينكم؛ فيقول: "أيُّها النَّاس اسمَعُوا قَوْلي، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا ألقاكُم بعد عامِي هذا بهذا الموقف أبدًا، أيُّها النَّاس إنَّ دماءَكُم وأموالَكُم عليكم حرامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا ربَّكم كحرمةِ يَوْمِكُم هذا، وكحرمةِ شهرِكُم هذا، وإنَّكم ستَلقَوْن ربَّكُم فيسألُكُم عن أعمالكم وقد بلَّغت، فمنْ كان عِنْدَهُ أمانةٌ فليؤدِّها إلى مَنْ ائْتَمَنَهُ عليها" [رواية ابن إسحاق لخطبة الوداع].
ويقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أيضًا مخاطبًا بعض صحابته الكرام، رضوان الله تعالى عليهم جميعًا: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصَّلاة والصوم؟، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البَيْن, فإنَّ فساد ذات البَيْن هي الحالقة, لا أقول تحلق الشَّعر، ولكن تحلق الدِّين".. [رواه الترمذي عن أبي الدرداء وقال: حديثٌ حسنٌ صحيح]، وهو ما يعني أنَّ الرسول (صلَّى الله عليه وسلَّم)، الذي لا ينطق عن الهوى وضع الاختلاف المذموم الذي يُفرِّق بين المسلمين في مرتبة الخروج عن صحيح الدِّين وتعاليمه.
ويقول أيضًا (صلَّى الله عليه وسلَّم): "عليكم بالجماعةِ، وإيَّاكم الفرقة" [رواه الترمذي في سُنَنِه]، و.. "المؤمن للمؤمنِ كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضُه بعضًا" [صحيح مسلم].
الوحدة وسنن الاختلاف
إلاَّ أنَّه هناك قضيَّةٌ مُهمَّةٌ تعرض نفسها، وجب تناولها بشيء من التَّفصيل على أهميتها؛ لأنَّها تُشَكِّل هاجسًا مُهمًّا ونقطة التباس لدى الكثيرين من البحَّاثة حول موضوع الوحدة الإسلاميَّة، ووحدة المصير البشري عمومًا، وهي تلك المُتعلِّقة بِسُنَنِ الاختلاف في الأرض؛ حيث تختلف هذه السُّنَّة أو النَّاموس الإلهي في الخلق، عن فكرة الوحدة بين المسلمين.
فالاختلاف سُنَّةٌ كونيَّةٌ وتتمثل- بتبسيط غيرِ مُخلٍّ بالمعنى- في أنَّ الله سبحانه وتعالى لم يَخْلِقُ شيْئَيْن مُتطابِقَيْن تمام التَّطابُق على قدرته عز وجل على ذلك، في إشارةٍ مهمةٍ إلى خلقه إلى أنَّ الإنسان وكافَّة المخلوقات إنَّما الأصل فيها الاختلاف لحكمةٍ بالغةٍ من بينها تحقيق التَّعارف والتَّكامُل بين البشر أفرادًا وأممًا، مجتمعاتٍ وحضاراتٍ، لكنَّها لا تتعارض في شيء مع مقصِد الوحدة الإسلاميَّة التي لا تتعارض مع الاختلاف البشريِّ القائم في كل شيء بين المسلمين- أفرادًا ومجتمعاتٍ أيضًا- باعتبار أنَّ سُنَّة الاختلاف تَنْبُع من خصائص المجتمع البشري ككلٍّ.
ولكنَّ الوحدة الإسلاميَّة تتعارض مع مبدأ الخلاف بين المسلمين، وهو ما يختلف عن الفكرة السَّابقة.
والقرآن الكريم يتناول هذه القضيَّة في كثيرٍ من مواضعه فالله عز وجل قال: ﴿وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [سورة الزُّخْرُف: من الآية 32]، وأيضًا قال عزَّ وجلَّ ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾ [سورة الأنعام]، وفي ذات السُّورة اختتمها رب العزة بالقول: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)﴾، وقال أيضًا: ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [سورة الإسراء: من الآية 21].
وقضية الاختلاف والأفضلية هنا شرطها الله عزّ وجل فهي تارةٌ مرتبطةٌ بالعلم، وتارةٌ أخرى مرتبطةٌ بالإيمان؛ فقال تعالى ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [سورة يوسف: من الآية 76]، وقال أيضًا في الآية 11 من سورة المُجادلة: ﴿يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾.
فهنا سُنَّة الاختلاف تكون على مستوى الأفراد والجماعات لاختلاف والطَّاقات والموارد- أيًّا كان نوعها- بينهم، وأيضًا لاختلاف طبائع البشر وتباينها وتعدُّد ثقافاتهم، وتَنَوُّع أفكارهم، "وبذلك يكون التكامل الحضاريُّ نتيجة من نتائج الاختلاف".
في المقابل، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قد نهى عن الخلاف مقابل تأكيد فكرة الاختلاف، وفي هذا هناك ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119)﴾ [سورة هود].
وفي شروحات بعض العلماء لهذه الآية وجدوا أنَّ الله عز وجل قد ذَكَرَ "الاختلاف" فيها مرَّتَيْن؛ في إحداها جرى وصفه بصفات ذميمة، ولكنَّه في الثانية جعله سبحانه وتعالى سمتًا للحياة الإنسانية بوجهٍ عام، ومن هنا يمكن فهم أنَّ الاختلاف المذموم في الآية هو الاختلاف الذي يؤدِّي إلى الضَّعف والتَّشَرْذُم، وهو يتمايز عن الاختلاف الهادف الذي يمكن عن طريقه تحقيق أهداف الخلق الإلهي للإنسان، مثل التَّعارُف وتلاقُح الحضارات، قال تعالى في سورة الحجرات: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ [الحجرات].
الوحدة الإسلاميَّة لن تحقق في الواقع إلاَّ في إطار الرِّسالة الإلهيَّة
كما أنَّ الآية الأخيرة من سورة الأنعام فيها ذات الدَّلالات؛ فالله تعالى قال فيها إنَّه من بين أهداف خلق الإنسان جعله خليفة لله تعالى في الأرض ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ?، وضمن هذا الاستخلاف تأتي سُنَّة الاختلاف ?وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [الأنعام: من الآية 165].
وفي الأخير، نشير إلى أنَّ الوحدة الإسلاميَّة لن تحقق في الواقع إلاَّ في إطار الرِّسالة الإلهيَّة؛ لأنَّ هذه الرِّسالة هي القادرة على تربية الفرد والمجتمع الإنسانيِّ وفق قيمٍ ومعاييرَ تزول معها كلّ ألوان الصِّراع المصلحيِّ الماديِّ بين أبناء البشر، والإسلام قادرٌ في الوقت الرَّاهن على إعادة تجربة الوحدة؛ حيث هو في الأساس، الإسلام، انطلق من أرضٍ تسودها ألوان الصِّراع القبليِّ والعنصريِّ والطَّبقيِّ، وما أنْ انتصرت كلمة الإسلام، حتى خُلِقَ مجتمعٌ رافضٌ لكلِّ أشكال التمييز.