بعد "عطلات" صيفية اختلفت في تنوّعها وشكلها ومكانها وأنشطتها.. يتأهب كلّ "المعلمين والمعلمات" في وطننا العربي للعودة إلى مدارسهم من جديد.. عام آخر يدقّ الباب معلناً بداية النفير نحو عمل دؤوب وجهد حثيث..
يعود "معلمنا" العربي مثقلاً بهمومه.. فهو الذي يكدّ ليل نهار، وبالكاد يكفيه هذا "المعاش" الذي يأخذه.. ويبحث عن عمل إضافي ودروس تقوية لعلّه يسدّ احتياجاته من هنا وهناك.. وهو الآن عائد من الصَّيف الذي "صفّر" الأرصدة والحسابات ليبدأ العد من جديد..
خطّطي لأن يكون عامك هذا "عاماً" مختلفاً وقرّري أن سيكون بداية الانطلاق لعمل نافع مفيد في الدنيا والآخرة..
أمَّا "معلمتنا" فبعد إعداد البيت للعام الجديد، وتقليب للملفات والأوراق ودفاتر التحضير، تقف أمام الكتب والدفاتر، لتبحث عن آخر صفحة سوف تحضرها متى سيكون تاريخها، أو تسأل صديقتها: ما هو تاريخ نهاية هذا العام الدراسي الذي لم يبدأ بعد ؟
صور عديدة لاستعدادات معلمينا لا تخلو من نماذج مشرقة لمعلمين ومعلمات أخذوا على عاتقهم مهمة تربية الجيل تربية سليمة وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم..
مهمة صعبة!!
كانت ومازالت وستبقى المهمة الأصعب..تلك هي مهمة المعلِّم الذي يشكل هذه الشخصيات ويزودها بالعلوم النافعة، وفي عصر العولمة، وبعد أن أصبحت الكرة الأرضية قرية صغيرة وكثرت وتنوعت وسائل الاتصال حول العالم، وأصبحت وسائل التعلم الإيجابي والسلبي متاحة بين أيدي الطلبة كبيرهم وصغيرهم، لم يعد المعلم ذلك الكنز الثمين الذي يجتهد الطلبة لأن ينهلوا ممَّا بداخله.. لم يعد المعلم جذاباً بما يملك من معلومات منقوشة في الكتاب، ويمكن أن يعرف الطلبة أضعافها في لحظات..
تزداد صعوبة المهمَّة لكنَّها تبقى هي الأهم..وتبقى هي التحدي الأكبر أمام معلمينا ليثبتوا وجودهم وسهموا في دفع عجلة التقدم والتطور والنهضة..
نصائح لكِ:
على أعتاب العام الدراسي، خطّطي لأن يكون عامك هذا "عاماً" مختلفاً وقرّري أن سيكون بداية الانطلاق لعمل نافع مفيد في الدنيا والآخرة..اتخذي قراراً بأنه سيكون بوابتك إلى "الجنة" فمعلّم الناس الخير يصلي عليه أهل السماء والأرض..ومن جملة الاستعدادات لا تنسي ما يلي:
1) تعرَّفي على خصائص المرحلة العمرية التي ستتعاملين معها، التجربة السَّابقة تفيدك نعم، ولكن العلم المبني على الأصول والقواعد المنهجية يكفيك شر خطأ قد لا تستطيعي تصحيحه فيما بعد..لا بد لك من جولة قرائية استيعابية في كتب علم نفس النمو وعلم النفس الارتقائي وعلم النفس التربوي، ولتطلعي على احتياجات المرحلة العمرية وسماتهم وهناك بعض الكتب التي تدلك على بعض المفاتيح للتقرب إلى الفئات العمرية المختلفة من خلال سدّ احتياجاتها النفسية والاجتماعية.
2) قرِّري أن تكسبي قلوبهم قبل عقولهم، فمحطة التأثير الأكبر هي القلب..العاطفة، ويمكنك ذلك بسهولة من خلال التزام بشاشة الوجه والابتسامة الدائمة، والكلام الطيب اللين، ومشاركتهم في لعبهم وسؤالهم عن اهتماماتهم وميولهم ومساعدتهم قدر الاستطاعة في تحقيقها أو تنميتها.
3) كوني قدوة..وقدمي نموذجاً، فحين تكونين كذلك فإنك تقطعين مسافات طويلة في النفوس، وتختصرين كلمات كثيرة يمكن أن لا تصغى لها الآذان، احرصي على أن تكوني الأفضل في كل شيء، في التزامك بدوامك، واحترامك لزميلاتك، ولباقتك في الحديث مع الكبير والصَّغير، واجتهادك في البحث عن المعلومة النافعة، وتقبلك للرَّأي الآخر دون تسخيف أو تجهيل.. أنتِ بذلك تعكسين صورة "الإسلام" حيَّة في نفوس الطالبات، فاحرصي على ذلك.
4) عليك بالتشجيع والمكافأة، واجتهدي أن لا تري الطالبات بعين "الذبابة" التي تتصيّد الأخطاء وتقع عليها، بل انظري إليهن بعين " النحلة" التي تبحث عن الطيّب لتحط عليه، فابحثي عن كلّ عمل جيد وأثني عليه، وراقبي كل تصرف حسن ولو بسيط وشجعيه، إنك بذلك تجعلين التصرفات الصَّحيحة تنمو وتكبر في نفوس الطالبات إلى أن تصبح عادة وسجية.
5) ضعي خطة "شخصية" لك لتحبيب طالباتك بالالتزام بأوامر ربهن والاقتداء برسولهن محمّد صلَّى الله عليه وسلم، فإذا كنت معلّمة للتربية الإسلامية، فالمجال أمامك مفتوح على اتساعه لاستغلال الدروس في تثبيت هذه المفاهيم والآداب، وإذا كنت معلّمة لغيرها من المواد، فاحرصي أن يكون لك في كل حصة "لفتة" إلى محبّة الله المنعم المتفضل، وإلى سنة رسوله الهادي المعلم.
6) فعّلي الأنشطة في مدرستك، واستثمري طاقات الطالبات في إحياء بعض المناسبات الدينية والاجتماعية المختلفة.. كوني مبادرة في تشكيل فريق إذاعي، أو فريق لتقديم نشرة ثقافية في المدرسة بشكل دوري أو أسبوعي .. الأفكار كثيرة ولا تحتاج إلى تعب كثير، ولكنَّها تحتاج إلى صاحبة همَّة كبيرة..مثلك.
تذكرة وإجابة ..
ونريد أن نذكّرك بعدة أمور يجب أن تكون نصب عينيك :
- إخلاص النيَّة لله عزَّ وجل، فأنت في مهمَّة عظيمة، خلافة الأنبياء في تعليم الناس الخير، فلا يكن نصيبك من هذه المهنة "التعب" والإرهاق فقط!!
- الصَّبر والثبات، ستتعاملين مع نفسيات مختلفة أنت بحاجة إلى استيعابها وتحملها ومداراتها وتكوين علاقات معها، فكوني واعية.
- الزمي الكلمة الطيبة مع الجميع، وقابلي الإساءة بالإحسان تأسري من أساء إليك بكرم طبعك وطيب خُلُقك، ولا تجعلي للشيطان إلى نفسك سبيلاً يدفعك للثأر لنفسك ومن ثم يتركك في موقف الخاسر..
- قدِّمي بعطاء لا يعرف الحدود، ولا تنتظري من الغير مدحاً أو ثناءً، إن جاءك ذلك فتلك عاجل بشرى المؤمن وهو خير، وإن لم يأتك فلا تتحسري ولا تستائي، فسجل أعمالك عند ربِّ العباد يرفعك، بإذن الله ويبيّض وجهك يوم تسوّد وجوه..
معلّمتنا الغالية..
لن تخلو لحظاتك من تجارب ناجحة، أو عثرات تعلّمت منها.. ندعوك هنا لتشاركي أخواتك المعلمات في كلِّ مكان هذه التجارب، ليكون ذلك في ميزان الحسنات علم ينتفع به، وهو من باب الصَّدقة الجارية التي ينتفع بها المؤمن حتَّى بعد موته..نحن بانتظار هذه التجارب القيّمة..