فيـما هي تبـحر في عـالمها الفضائي والإلكتروني تتنقـل بين أحـدث المســلسلات الأجنبية والتركية وآخر المقاطع الفنيـة، وبينما عـدّاد الـوقت يأكل من ساعات يومـها ما هو مفيـد ونافع إذا بمقطع فيديو يقتـحم خطـطها ليغيّـر مجـرى حياتها بالكامل."
فاطمة أحمد صاحبة الـ"25" ربيعاً والشغـوفة بعالم الإنترنت إلى حدِّ قضاء كامل يومها وليلها في رحاب مواقعه الغثـة استوقفها مقطعاً عبر الموقع الشهيـر "اليوتيوب" والذي كان صاحبه الدَّاعية الشاب "عمرو خالد"؛ كان يتحدَّث فيه بأسـلوب برّاق عن التوبة والإنابة إلى الله، وما هي ساعات حتَّى كانت دمـوع النـدم تسيل من عينيـها يتبعها وعداً للسَّماء بألاَّ تـعود .
المقطـع الذي اقتـحم صفحات مليئة بصنوف الإغراء وجذب الشباب نحو الهاوية، دعـا العلماء إلى إطـلاق النداء وحثّ الدعاة إلى الحضور في مكان في عالم النت والفضاء لانتشـال فاطمة وأخواتها من براثن الانحراف .
حدّ الوجوب
في حـديثه إلى "بصـائر" قال الدكتور زياد مقداد أستاذ الفقه في الجامعة الإسلامية بغزة : إنَّ على الدعاة الحضور الفاعل في كل المواقع والمنابر، وخاصة الشبابية والإلكترونية منها، لأنَّها تعدُّ الأكثر إقبالاً من الشباب، وهم الفئة الأهم في المجتمع مضيفاً " إذا تم ترك الشباب دون توعية دعوية وإسلامية سينحرفون ويتلقوا إرشادات وتوجيهات من دعاة الباطل.
وأوضح مقداد أنَّ الأمر يصل لدرجة الوجوب على الدُّعاة لكي يكون حضورهم فاعلاً ويشاركوا في المنتديات والمواقع الاجتماعية حتَّى يغلقوا الباب أمام دعاة الباطل، مشدّداً على أنَّ كثيراً من وسائل الإعلام الجديد تكثر فيها الانحرافات والقيل والقال، والذي لا يتفق مع الأخلاق والمبادئ الإسلامية".
كونوا هنـاك
وبيَّن مقداد أنَّ أبرز وسائل الإعلام الجديد التي يمكن للدعاة استثمارها في الدَّعوة، " المشاركة المباشرة، والمحادثة عبر "الشات", أو الايميل، والدعوة الفردية والجماعية، ومن خلال كتابة المقالات الدورية فيما يتعلق بالأخلاق وآداب الحوار، بالإضافة إلى تكاتف الدّعاة وحضورهم القويّ في المواقع التي يكثر إقبال الشباب عليها، وعرض فتاوى تهمهم.
وأكَّد أنَّ أهمية الإعلام الجديد تكمن بكثرة مستخدميه، وتنوع شرائحه، "فالدَّاعية ربما لا يستطيع أن يصل لشريحة الفتيات بشكل فعَّال، لكن بظهور الإعلام الجديد أصبح ذلك متاحاً وبكل يسر وسهولة"، مضيفاً أنَّ هذه المواقع تسقط عروشاً وتضع أقواما وترفع آخرين، "ورُبَّ كلمة من داعية عبر الفيس بوك أو تويتر يكون لها تأثير كبير بخلاف دعوة عبر المسجد أو أثناء خطبة الجمعة".
ونوَّه مقداد إلى أنَّ وسائل الإعلام الجديد والمتمثلة بالفيس بوك وتويتر واليوتيوب وموقع عرض الصور (فلكر) ومواقع التواصل الاجتماعي مثل المنتديات تعدُّ جميعها حقول ومجالات هيئها الله للدّعاة من حيث لا يحتسبون،"وتابع مخاطباً الدعاة :" فالشباب يحضرون من حولك وأنت في بيتك، والأصل أنَّ الدعاة يبحثون عن الشباب، لكن ظهور الإعلام الجديد جعل الشباب يلتفون حولك أينما كنت".
أخطاء الدُّعاة
وأشار إلى أنَّ أبرز الأخطاء التي يجب على الدُّعاة تجنّبها:" الابتعاد عن سمة الفظاظة والجفاف أثناء معاملاتهم وحديثهم فالله سبحانه يقول: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فيجب مخاطبتهم بلغة رقيقة تصل إلى القلوب، بعيداً عن الشتم والغلظة التي تؤثر سلباً على الدَّعوة".
واستكمل مقداد حديثه بالقول :"ينبغي على الداعية أن يكون محنكاً وحكيماً حتى يسيطر على قلوب الشباب وتصل كلمته لهم"، مبيّناً أنَّ الدّعاة هم بشرٌ، فيجب أن لا يسترسلوا فيما لا حاجة لهم فيه خارج إطار الدَّعوة، "فيكون التعارف بالقدر الذي يوصلك لخدمة دعوتك، والابتعاد عن الأمور التي تسبب الانزلاق، فبعد أن يكون المقصود الدّعوة ينزلق الدّاعية لمنحنى آخر".
وأضاف :"يجب على الداعية أن يلتفت أنه قد يواجه نوعيات مختلفة من البشر، فقد يواجه تهم وإساءات فلا يرد الخطأ بالخطأ بل بالإقناع".
ومن جهته، قال الداعية والخطيب د.وائل الزرد : إنَّ وسائل الدعوة إلى الله كثيرة ومتجددة، ولا تنحصر بأسلوب أو بآخر وينبغي على عموم الدعاة الدخول للوسائل المستحدثة بحسب الجمهور ومتابعاته".
وأضاف :"لكنَّه لا يتوجب على أعيان الدّعاة الدخول لمجال الإعلام الجديد إلاَّ إذا تمكنوا من استخدامه، لأنَّه بحاجة إلى تخصص وعلم ووقت، مؤكّداً أنَّ مفردات الإعلام الجديد كلها أساليب جديدة بإمكاننا تسخيرها للخير كما هي للشر، كما أنَّ هذه المجالات الجديدة فتحت مساحة أوسع للتعامل وجه لوجه مع الدُّعاة ومراسلتهم، ثمَّ الإجابة على استفساراتهم".
وأوضح أنَّه يجب على الدَّاعية أن يحدّد زمناً للدَّعوة ويعطي أهل بيته حقهم، وأن يتعامل بحذر، لأنَّه ربما دخل عليه من لا دين له ولا أخلاق ونيته فاسدة، توقع بالدَّاعية".
اطرقوا الباب
وأشار إلى أنَّ الدَّاعية عمرو خالد يعدُّ قدوة في استغلاله للإعلام الجديد من خلال موقعه على شبكة الإنترنت، منوّهاً إلى أنَّ رواد الموقع وصل لمئات الآلاف، وموقع قناة الرّسالة للدَّاعية طارق سويدان ، بالإضافة لموقع الإسلام على الإنترنت.
وأكَّد الزرد على وجود علاقة ضعيفة بين الدُّعاة ووسائل الإعلام الجديد، مرجعاً ذلك لعدم قدرة الدعاة على التعامل بالأساليب الجديدة، وانشغالهم بطرق الدعوة التقليدية،" وأنا أوصي نفسي أولا وأهيب بالدّعاة بأن يطرقوا هذا الباب ويدخلوه من أوسع أبوابه لكثرة تأثيره على الشباب".
ثورة الإعلام الجديد
من جهته، قال أستاذ الإعلام بالجامعة الإسلامية بغزة الدكتور أحمد الترك:" إنَّ هذه الشبكات تعدّ مواقع مفضلة للتواصل الاجتماعي المتميّز، لمجانيتها وجمهورها الضخم، ممَّا جعل البعض يطلق عليها اسم "ثورة الإعلام الجديد" و"الإعلام العصري"، نتيجة انتقالها من التقليدية إلى ما تنادي به النظريات الإعلامية الحديثة وهو "التفاعل الاجتماعي".
وأضاف :" إنَّ مصطلح "الإعلام الجديد" يعرف على أنه نشر للرأي والمعلومة والخبر والتجارب والصور الفيديو، من قبل أفراد مستقلين غير خاضعين لأي نظام سياسي، سوى التزام الفرد بما يؤمن به من قيم ومبادئ، وذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة المرتبطة بالإنترنت، بالإضافة إلى الصَّحافة الإلكترونية.
دعـاة بأسلوب جديد
وأوضح الترك أنَّه عن طريق المدونات يمكن نشر الآراء صراحةً دون الانحباس في دائرة رئيس التَّحرير أو المنهج الحركي للصحيفة أو حتى السلطات الأعلى، وعبر اليوتيوب يمكن إنشاء قنواتٍ خاصّة، لا نحتاج معها لقمرٍ صناعيّ أو موافقة رسميّة".
وأردف قائلاً :" بواسطة تويتر يمكن إرسال الرسائل القصيرة للمئات، وبالنسبة للفيس بوك يمكن تكوين مجموعاتٍ إعلاميّة ودعوية لنشر الأفكار الإسلامية والأهداف الدَّعوية".
وأشار الترك إلى أنَّه يجب على الدُّعاة الذين يستخدمون المواقع الاجتماعية في توصيل رسالتهم للناس أن يكونوا على دراية وفهم لطبيعة عمل تلك المواقع قبل الولوج إليها، وفهم إيجابياتها وسلبياتها، وخصائصها وطبيعة الجمهور الذي يتعامل معها وعلاقتها بالمجتمع ومدى انتشارها، والإشكالات التي تقف حولها، ليتمكن من التأثير في من يحاوره عبرها.
وحول إمكانية ترويج الدّعاة لأفكارهم عبر تلك الشبكات، ذكر الترك أنَّه يجب الأخذ بعين الاعتبار أنَّ فئة كبيرة من المشاركين بهذه المواقع هي فئة واعية مثقفة واعية متطورة ومتعلمة تتواصل مع الثقافات والمجتمعات بشتى أنواعها، الأمر الذي يحتاج لدعاة قادرين على التعامل مع مثل هذه الفئات من خلال تقديم مادة تلائم هذا الجمهور بخطاب جديد يلائم خصائص الوسيلة أيضاً.
ومن أجل النجاح في نشر أفكارهم الإسلامية دعا الترك الدُّعاة إلى البعد عن الخطاب التقليدي القديم الذي ينبذه الجميع، قائلاً:" نحتاج إلى دعاة على دراية وكفاءة عالية في استخدام التكنولوجيا، لتحديد خطاب ملائم للفئات المختلة مع تبيان ماهيتها وخصائصها لتقديم ما يلائم تفكيرها ومستواها من مواد دعوية".