الصِّدق سبيلُ المرسلين في تبليغ الدَّعوة

الرئيسية » بصائر تربوية » الصِّدق سبيلُ المرسلين في تبليغ الدَّعوة
alt

كم يؤلمني عندما أسمع قصصاً تروى عن بعض الدّعاة في عصرنا من خلال علاقاتهم مع النّاس، وحتى مع إخوانهم في الحقل الدّعوي، أو مع بعض مريديهم فحواها أنَّهم غيرُ صادقين !

فأقول في نفسي: إنَّ الدّعوة الصَّادقة ستنفي خبثها، وسيتساقط هؤلاء الدّعاة الكاذبون، ذلك أنَّ الصّدق سلعة غالية ما إن تمكّن منها الدُّعاة اليوم إلاَّ وضعوا دعوتهم على معالم السكة الصَّحيحة؛ قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}. ( الحجرات : 15).

ومن محطتها يتوصلون إلى تحقيق أهدافهم وغاياتهم، وجمع النَّاس حول دعوتهم، لذلك حثَّ الله سبحانه وتعالى على الصّدق، ودعا المؤمنين إلى أن يكونوا مع الصَّادقين، وبيّن أنَّ الصِّدق ثمرة الإخلاص والتقوى، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. (التوبة : 119).

ورسول الله عليه الصَّلاة والسّلام أمر المسلمين في عمومهم بالتزام الصِّدق، فقال في الحديث الصَّحيح : ((عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البر وإنَّ البر يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق ويتحرّى الصِّدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً)).
إنَّ الدّعوة الصَّادقة ستنفي خبثها، وسيتساقط هؤلاء الدّعاة الكاذبون، ذلك أنَّ الصّدق سلعة غالية ما إن تمكّن منها الدُّعاة اليوم إلاَّ وضعوا دعوتهم على معالم السكة الصَّحيحة
إنَّ الصِّدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرّع عنها غيرها من الأخلاق والفضائل، وفي هذا المعنى يقول الحارث المحاسبي: (واعلم - رحمك الله - أن الصِّدق والإخلاص : أصل كل حال، فمن الصدق يتشعب الصبر، والقناعة، والزهد، والرضا، والأنس، وعن الإخلاص يتشعب اليقين، والخوف، والمحبة، والإجلال والحياء، والتعظيم، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به: صدق القلب بالإيمان تحقيقًا، وصدق النية في الأعمال ، وصدق اللفظ في الكلام).

فالصِّدق يهدي صاحبه إلى سبل الخير  والهدى والفلاح، ويمكّنه من إبراز نصاعة الرّسالة التي يبلّغها للنّاس دون ضبابية أو غش يعكّر صفوها، ولا يدع مجالاً للمدعوين  سواء كانوا أنصاراً أو حسّاداً أو حاقدين لأي مجال للشك أو الطّعن في دعوته.

وخيرُ من مثّل وجسَّد الصِّدق في أبلغ صوره، وأعطى النموذج والقدوة الأمثل على مرّ الأيام والعصور هم الأنبياء والمرسلون عليهم السّلام،  ذلك أنَّ الله تعالى لا يجعل رسالته ولا يعطيها إلاَّ للصّادقين، الذي يتصفون بصفة الصّدق المطلق الذي لا ينقض في كلّ حال، بحيث لو امتحن كل قول له لكان مطابقاً للواقع؛ إذا وعد أو عاهد أو جَدَّ أو داعب أو أخبر أو تنبأ.
الصِّدق يهدي صاحبه إلى سبل الخير  والهدى والفلاح، ويمكّنه من إبراز نصاعة الرّسالة التي يبلّغها للنّاس دون ضبابية أو غش يعكّر صفوها، ولا يدع مجالاً للمدعوين  سواء كانوا أنصاراً أو حسّاداً أو حاقدين لأي مجال للشك أو الطّعن في دعوته
وإذا انتقضت هذه الصّفة أيَّ نقضٍ، فإنَّ دعوى الرِّسالة تنتقض من أساسها؛ لأنَّ النَّاس لا يثقون برسول غير صادق والرَّسول الصَّادق لا تجد في جزء من أجزء كلامه شيئاً من الباطل في أي حال من الأحوال.

نبي الله إبراهيم عليه السَّلام ربّه سبحانه، فقال : {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}. (الشعراء :84). فاستجاب له المولى عزّ وجل فقال : {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}. (مريم :50).
ولسان الصِّدق في هذه الآية  كما قال المفسرون هو قبول الدّعوة، والثناء الحسن،  والذكر الجميل، فكان لإبراهيم عليه السَّلام  القبول العام في الأمم اللاَّحقة، حيث كان جميع أتباع الشرائع السَّماوية التي جاءت من بعده  يتولَّونه ويثنون عليه.

وإبراهيم هو الذي صدّق الرُّؤيا .. {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (الصافات : 104- 105).

وإسماعيل عليه السّلام  وصف الله تعالى بأنّه كان صادقاً في مواعيده، فقال:  {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} (مريم :54). قال مجاهد: لم يعد شيئا إلاَّ وفى به. وقال مقاتل: وعد رجلاً أن يقيم مكانه حتّى يرجع إليه الرّجل، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتّى رجع إليه الرّجل.

وخاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلَّى الله عليه وسلّم، كان يلتزم الصّدق في أموره كلّها؛ في أقواله وأفعاله وأفكاره، حتى أنَّ  مزاحه كان صادقاً، ودعابته كانت صادقة، وكانت كلمته هي الضَّمان الذي ما بعده ضمان، حتّى أنَّ ألدَّ خصومه وأعرقهم في دعواته كان لا يتردَّد إذا تأكَّد أنَّ محمَّداً أمَّنه أن يلقي بنفسه في أحضان المسلمين، ثقة منه أنَّ كلمة محمَّدٍ ضمانٌ لا يعدله ضمان.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …