تحرير العقل في ميزان الشّريعة الإسلامية

الرئيسية » بصائر تربوية » تحرير العقل في ميزان الشّريعة الإسلامية
alt

"الإسلام يحرّر العقل ويحث على النظر في الكون"  هذا من أبرز المعاني التي أكَّد  عليها الإمام الشهيد حسن البنا  في الأصول العشرين؛ و مع اتهام الإسلاميين من حين لأخر بتغييب العقل، لزم علينا إعادة فتح هذا  الملف لمعرفة إلى أيّ مدى تتضح الإشارة إلى ذلك في تعاليم الإسلام ونصوصه، وإلى أيّ مدى يظهر ذلك في المنتمين للحركة الإسلامية في ظل تعنت البعض لرأي معيّن وشيخ محدّد.. وأيّ الأمور مسموح بإعمال العقل فيها وفي أيّها لا يجوز؟

بداية يقول فضيلة الشيخ إبراهيم حامد نور الدّين عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين : لابد أن نقف على معنى تحرير العقل وتحديد معناه، فالعقل ليس عضواً من أعضاء الجسد، ولكنَّه ملكة إدراكية تتعاون جميع الأعضاء الظّاهرة والباطنة  في الإنسان من أجلها؛ والعقل له مكانة في الإسلام كبيرة، فلولا العقل لما كان الشَّرع، لأنَّ الشَّرع لا يأتي إلاَّ للمكلّفين "فإذا نـُزع ما وُهب رُفع ما كـُتب"

وآيات القرآن وفي خواتيمها التي تدعو إلى التذكر: "لعلكم تذكرون"، والتفكر:"لعلكم تفكرون"، والتدبر: "أفلا يتدبرون".  كما دعا القرآن إلى إعمال العقل بقوله: "إن في ذلك لآيات لأولى الألباب". و"لآيات لأولي النهى" . وهذه الآيات كلّها تدل على قيمة العقل في الإسلام، وأنَّ الإسلام جاء لتحرير العقول من قيود العبودية التي عطلته ومنعته من أن يقوم بدوره.
العقل ليس عضواً من أعضاء الجسد، ولكنَّه ملكة إدراكية تتعاون جميع الأعضاء الظّاهرة والباطنة  في الإنسان من أجلها؛ والعقل له مكانة في الإسلام كبيرة، فلولا العقل لما كان الشَّرع، لأنَّ الشَّرع لا يأتي إلاَّ للمكلّفين "فإذا نـُزع ما وُهب رُفع ما كـُتب"

ثمَّ أضاف : بأنَّ التفكر في الكون عبادة بتكليف رباني، والنظر لآيات القرآن التي تتحدّث عن خليل الرَّحمن إبراهيم عليه السَّلام عندما جنَّ عليه الله فرأى كوكباً ثمَّ القمر ثمَّ الشمس، وهو يعرف ما وراء هذه الأشياء، ولكنَّه أراد من قوله أن يعملوا عقولهم ويشحذوا أفهامهم لكي يصلوا إلى ما أعلنه في النهاية .. "إنّي وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين"

وعن تعنّت وجمود بعض الأفراد قال: إنَّ التعنّت يؤدِّي إلى حرمان هذا الفرد وهذا الشخص من جهود الآخرين، فمن تعنّت لرأيه سيكون حبيساً لفكر ما يؤدّي إلى أن يُحرم من جهود الآخرين التي ربّما تكون أفضل.

وقال :إنَّ التعنّت سيؤدّي إلى تفتيت الجماعة المسلمة وتشتيت التيار الإسلامي في عصر يعتمد على العمل الجماعي والمؤسسية، مضيفا:إنَّ هذا يعدّ حجراً على العقل.

والنظر إلى العلماء السَّابقين يعلمنا كيف كانوا يتعاملون مع بعضهم وهم أئمّة مذاهب مختلفة. فعندما سُأل مالك عن الشّافعي قال: (من أراد العلم النفيس فعليه بمحمّد بن إدريس)_وهو تلميذ مالك_ وعندما سُأل الشَّافعي عن أبي حنيفة، قال: (العلماء عيال على أبي حنيفة).

وعن أي الأمور التي يتم إعمال العقل فيها، وفي أيّها لا يجوز، قال: لا بدَّ أن نعلم أنّنا أمام عالمين؛ عالم الغيب وعالم الشهادة، فعالم الغيب لا مجال للعقل فيه إطلاقاً لأنَّ ذلك ليس من مجال العقل، لأنَّ العقل لا يعرف عن الغيب إلاَّ ما أخبر به الوحي؛ وفي عالم الشهادة لا يمكن للعقل أن يعمل وحده في الحياة الدنيا التي نعيش فيها إلاَّ بوجود ما يوجّهه، فإن تـُرك العقل ليعمل وحده فربَّما يضلّ ويزلّ ويخطأ وهو يريد الصّواب، فإذا كان العقل له أن يتعامل مع الكون والحياة، فلابد أن يكون مضبوطاً بنور الشَّرع.

وشدَّد فضيلته على أنَّه لا تعارض مطلقاً بين العقل والشَّرع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: ((درء تعارض العقل والنقل)): (لا يمكن أن يتعارض العقل الصَّحيح مع النَّص الصَّريح)، وقال حجة الإسلام  أبو حامد الغزالي: (العقل نور والشَّرع نور، والعقل مع الشَّرع نور على نور).

وعن اتهام البعض لغالبية المنتمين للحركة الإسلامية بأنّهم متعنّتون أو مغيّبون.قال: (إنَّ الظاهرة موجودة وبقوَّة، ولا يمكن أن نعممها على طائفة محدّدة، لأنَّ هذا الأمر لا ينطبق على جميع أفرادها..حيث إنَّ التَّعميم خطأ في العلم وخطأ في الدِّين).
لا تعارض مطلقاً بين العقل والشَّرع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: ((درء تعارض العقل والنقل)): (لا يمكن أن يتعارض العقل الصَّحيح مع النَّص الصَّريح)، وقال حجة الإسلام  أبو حامد الغزالي: (العقل نور والشَّرع نور، والعقل مع الشَّرع نور على نور).
أمَّا فضيلة الشيخ طلعت علي الجنايني الدَّاعية الإسلامي فيقول :إنَّ الأدلة على الإشارة  إلى تحرير العقل في تعاليم الإسلام ونصوصه وردت كثيرة ومتعدّدة؛منها ما ورد في آخر سورة آل عمران : "إنَّ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار....."إلى آخر الآية؛ وأيضاً:  "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" و"أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"؛ وهي دعوة أيضا في كتاب الله المقروء، وهو القرآن وفي كتاب الله المنظور وهو الكون، وهناك سورة كاملة في القرآن وهي سورة "تبارك" تدعو للتدبّر في الكون،حتّى إن ربنا تعالى يكرّر: "ثم ارجع البصر كرتين...."

فالإسلام أعظم دين حرَّر العقل من قيوده، وأطلق له الحريّة يتفكّر احتراماً للعقل،  لأنَّ العقل معجزة الله في الإنسان.

وعن النظر في الكون  هل فضل عبادة أم تكيف رباني ؟ قال :إنَّه تكليفٌ رباني، لأنَّ الله لم يعطنا العقل ترفاً، ولكن لنستعمله لكي نتدبر في الكون وأسرار الله عزّ وجل

وأضاف فضيلته بأنَّ التعنّت من التعصب الذي نهى عنه الإسلام، لأنَّ  هناك قاعدة فقهية أسَّس لها الإمام مالك تقول بأنَّ كلٌ يأخذ منه ويرد إلاَّ المعصوم عليه الصَّلاة والسَّلام. ومن التزم بشيخ واحد قد يضل من حيث يريد الهدى والإصلاح، فالتعصب يغلق منافذ الفكر أمام الإنسان، ويجعله لا يرى الأشياء إلاً شيئاً واحداً، وهو شيخه ومذهبه.

وقال أيضاً: إنَّ من استبد برأيه هلك ؛ والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها؛ ومن مصادر التشريع في الإسلام شرع من قبلنا، فمن لا يُعمِل عقله يحرم نفسه، ويحرم الناس من خير كثير.

وعن أيّ الأشياء المسموح بإعمال العقل فيها وأيها لا يجوز، قال:النصوص القطعية لا يجوز فيها إعمال العقل، وهي النصوص قطعية الثبوت مثل أحكام العقيدة والعبادات والمواريث وأحكام الطلاق وكل ما أمر الله بنص قطعي، وعدا ذلك فالأصل فيه إعمال العقل؛ مثل شؤون الدنيا والاختراعات العلمية وتعمير الأرض وتحسين مستوى الإنسان.

وعلَّق فضيلته على اتهام البعض لغالبية المنتمين للحركة الإسلامية بأنّهم لا يُعملون عقولهم أو مغيبون  فقال: إنَّ التعميم تعتيم، وإذا وجدت نماذج بهذا الفهم في من وجهة نظري لن تتعدى نسبة20% من المنتمين للتيار الإسلامي مع اعتقادي بخطأ إطلاق حكم وحقيقة مسبقة على فئة معينة بهذا الحجم، ولكن الأغلب هو تيار مستنير لا يتعصب لمذهب معين،  وهذه سنة التعدّد والتنوّع، فهو صفة بشرية.

أمَّا فضيلة الشيخ محمود شاكر المالكي  الدَّاعية الإسلامي، فيقول: لابد أولا أن نعلم كيف أنَّ الإسلام دعا إلى تحرير العقل من جمود التبعية كما ظهر جليّاً في قصة إبراهيم عليه السَّلام مع قومه.

وقال :إنَّ الإسلام يجعل الحجة العقلية أساس كلّ إيمان، فعندما سألوا الأعرابي عن الدليل على وجود الله قال: إنَّما السير يدلّ على المسير، والبعرة تدلّ على البعير، وهذا الكون بأفلاكه يدل على القدير.

وسورة الغاشية كلها تدعو إلاَّ التفكر والتدبر، وحديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ((ما اكتسب رجل مثل ما اكتسب فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى أو يرده عن ضلاله)). متفق عليه.

وأضاف :إنَّ التفكّر في الكون تكليف رباني،بل إنَّ الدعوة إلى ذلك وردت في القرآن أكثر من أربع آيات بلفظة واحده "قل سيروا في الأرض" . ثمَّ : "وفي الأرض آيات للموقنين"، ثمَّ : "وفي أنفسكم أفلا تنظرون".

وقال: إنَّ التعنّت تبعية بغيضة لا تبنى على دليل، فالأئمة الأربعة كانوا مختلفين، وهذا الخلاف لم يكن ليفرقهم .

وفي العصر الحديث، نذكر موقف مثلاً للإمام البنا رحمة الله عليه عندما سأل عن الفرق بين جماعة الإخوان  وأنصار السنة، قال جماعة الإخوان مقرّها في السيّدة زينب، وجماعة أنصار السنة مقرها في الزيتون..
وكذلك الشيخ إبراهيم عزّت عندما سأل عن الفرق بين جماعة التبليغ والدَّعوة قال: نحن نأتي بالنّاس من الشارع إلى المساجد لكي يربوهم الإخوان في المساجد.

فهؤلاء لم يكونوا إلاَّ مثلاً في التعايش وعدم التعصب .. وإن كنت أظن أنَّ الخلافات التي كانت تطفوا أحياناً في العهد القريب قبل الثورة كان محرّكها أجهزة الأمن التي كانت تفرق ولا تجمع.
وقال:  إنَّ التعصب يضرّ بالجماعة المتعنتة.. وهذا فقهه الإمام حسن البنا حين رفض أن يكون للجماعة فقهاً محدّداً، لأنَّ الأمور الفقهية مختلف فيها في الفروع بين السَّلف فكيف يتفق عليا الخلف؟

وقال أيضاً: إنَّ كلَّ الأمور مسموح فيها بإعمال العقل عدا الأمور العقدية التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة من التشبيه والتأويل ومخالفة نصّ صريح.

وإن كنت أرى أنَّ أهل السنة والجماعة لم يختلفوا إلاَّ في وسائل الدَّعوة إلى الله من تقديم وتأخير الأولويات في سائل الدعوة.. وكلهم على نحسبهم على خير، إن شاء الله.

وعن اتهام البعض لغالبية المنتمين للحركة الإسلامية بعدم إعمال العقل والتحزّب لشيخ معيّن وفقه محدّد، قال :إذا قلت بأنَّ هذا ليس موجوداً، فأنا ألغي واقعاً، فهذه آفة يجب على المنتمين للحركة الإسلامية أن يترفعوا عنها، وعندها يتحقق الخير الكثير.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …