"تجديد الخطاب الديني" .. كلمة متداولة نسمعها بين الحين والآخر، فالعديد من العلماء يعدّها دعوة لاستخدام الوسائل العصرية في الدَّعوة، فيما يرى آخرون بأنَّها كلمة حقّ يراد بها باطل والمطلوب منها تفريغ الخطاب من مضمونه الإسلامي وأن يرضي بها أطراف خارجية... فما هو مفهوم الخطاب الديني المتجدّد؟، وما الصفات الواجب توافرها في الدّاعية حتى يكون داعية بخطاب متجدّد؟، وماذا عن الاتهام لبعض أبناء الحركة الإسلامية بأنّهم مقيّدون بالماضي أكثر من الحاضر وما علامات ذلك؟
بداية يقول فضيلة الشيخ إبراهيم حامد نور الدين عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إنَّ الخطاب الديني المتجدّد معناه أن نفهم عصرنا الذي نعيشه، وأن نكلم الناس باللسان الذي يفهمون، وأن نستخدم من الأساليب العصرية ما نستطيع من خلالها أن ندعو إلى الله تعالى في كلّ فرع من فروع الشريعة، فالخطاب الديني عندما نقول بأمور التجديد فيه، فإننا نقصد الوسائل والفروع، وليس القواعد والأصول.
وأضاف: لابد للدَّاعية الذي يريد أن يحمل خطاباً دينياً متجدّداً أن يفهم أنّه بين مرحلتين مرحلة التحمل ومرحلة الأداء، فلابد قبل أن يؤدي أن يتعلم ويتحمّل، فالداعية لكي يؤدي عليه أن يكون كمل الأهلية الدّعوية، وأن يبلغ من الشريعة في التحمّل بمعنى أن يكون لديه من العلم والفهم خلال مرحلة التحمّل، وأن يضرب بفهم في فروع الشريعة الإسلامية كذلك، وأن يستخدم الأساليب الحديثة التي تعينه على أداء رسالته، فالشريعة صالحة لكلِّ زمان ومكان.
إنَّ الخطاب الديني المتجدّد معناه أن نفهم عصرنا الذي نعيشه، وأن نكلم الناس باللسان الذي يفهمون، وأن نستخدم من الأساليب العصرية ما نستطيع من خلالها أن ندعو إلى الله تعالى في كلّ فرع من فروع الشريعة، فالخطاب الديني عندما نقول بأمور التجديد فيه، فإننا نقصد الوسائل والفروع، وليس القواعد والأصول.
وأمَّا مرحلة الأداء، فإنَّه يقوم بدوره بعد أن تحمل عليه واجب البلاغ والأداء، وأن لا يتوقف في مرحلة التحمل عند حد معين؛ فإنَّ مرحلة الأداء تجعله يطلب المزيد وتجعله على اتصال دائم بالتحمّل.
وقال أيضاً : كما قلنا: إنَّ الشريعة الإسلامية صالحة لكلِّ زمان ومكان، ومعنى صلاحها أنَّها تعالج احتياجات الناس وتقدّم الحلول لمشاكلهم في كلِّ عصر والدَّاعية الناجح هو الذي يعيش عصره ولا يعيش عصور السَّابقين ويحاول من خلال خطبته التي ربما يعلم الناس الخطوط العريضة لها أن يتناول قضايا العصر ومشكلات المجتمع وأن يوضح الحلّ الإسلامي لهذه المشكلات الواقعية.
وقال :إنَّ علامات تقيّد بعض الدّعاة بالماضي منها أن الموضوعات متكرّرة من حيث العنوانُ والشكل والمضمون ممَّا يجعل الدَّاعية يصاب بحالة من الجمود الفكري وانحسار دعوته بين الناس.
ولكننا يمكننا أن نقول بأنَّ التعميم خطأ، فهذه النوعية موجودة وليست الغالبية، وقد انصرف الناس عنها ومن العلماء المشهورين من أشهر إفلاسه بنفسه من خلال عدم تقديم موضوعات جديدة وعدم معالجة الواقع برؤية إسلامية عصرية، فنرى منهم التخبط بغير تثبت في قضايا عصرية مثل الانتخابات وتكوين الأحزاب والفهم الخاطئ للخروج على الحاكم وهي أمور عصرية لابد للدَّاعية أن يكون على قدر عال من الفهم والوعي فيها.
أمَّا فضيلة الشيخ محمود شاكر المالكي الدَّاعية الإسلامي فكان له رأي مخالف، فقال: كلمة تجديد الخطاب الديني هي كلمة حق أريد بها باطل من بعض الناس الذين أرادوا أن يكون الخطاب الديني خطاباً مفرّغاً من مضمونه الإسلامي، وأن يرضي بها أطراف خارجية من حيث إنَّه لا يتكلّم في قضايا عصرية، وأن يتكلم في أمور خلافية فرعية فلا يتكلم في أمور تخص السياسة والتركيبات المختلفة للمجتمع ولا تمس العادلة والحرية.
أمَّا التجديد الحقيقي، فلا يقصد به القضاء على الإسلام، ولكن مواكبته للعصر وما يطرأ عليه من تغيرات اجتماعية وسياسية ومعالجتها والتجديد، في عمومه ليس بدعة طبقاً لقول النبيّ صلّى الهج عليه وسلم أن الله يبعث إلى هذه الأمَّة على رأس كل 100سنة من يجدّد دينها .
أمَّا عن صفات الداعية، فقال يجب أن يكون محيطاً بظروف المجتمع، وأن يقوم بالدَّعوة فيه من ناحية التركيبة الاجتماعية والظروف السياسية وأن يكون محيطاً من ناحية القوانين التي تحكم البلد التي يقوم بالدعوة فيها.
وذلك يجانب الصفات المعروفة للدَّاعية مثل أن يكون ملماً بأمور الفتوى والأمور الشرعية المختلفة، والصفات العامة لأي داعية.
وعن الاتهام لبعض أبناء الحركة من الخطباء بأنّهم مقيّدون قال: إنَّ الحركة الإسلامية واسعة ونحن نرتبط بالماضي من أجل الحاضر وننظر في الماضي من أجل المستقبل والأمة ترجع إلى تاريخها والأصل في الخطاب أن نحدّث النَّاس بمشاكل الناس وواقعهم، كما كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلم يفعل، وكذلك من بعده أبو بكر كانوا يحدثون الناس بما يحدث في أوقاتهم وأزمانهم .
وقال : ليس هناك قلق كبير من انتشار هذا العيّنة المقيّدة بالماضي بمعنى الجمود ، فأنا أبشرك لو أنَّ الثورة أخذت مسارها في التّصحيح فسوف يصل التصحيح إلى الخطباء والمؤسسات الدينية، وسوف يرتقي هذه المنابر من يكون علم وفقه بأمور الدين الصّحيح.
أمَّا الداعية منتصر الدويني من علماء الأزهر، فقال: الخطاب الديني المتجدّد هو الذي يتحدث بلغة العصر بدون خروج عن الأصول والمبادئ وإنما يكون خطاباً قريباً من أذهان الناس وأفهامهم، ويحدث الناس بما يناسب واقعهم، ولا يكون في واد والناس في واد آخر، وينسجم مع مشاكل الناس.
الخطاب الديني المتجدّد هو الذي يتحدث بلغة العصر بدون خروج عن الأصول والمبادئ وإنما يكون خطاباً قريباً من أذهان الناس وأفهامهم، ويحدث الناس بما يناسب واقعهم، ولا يكون في واد والناس في واد آخر، وينسجم مع مشاكل الناس.
وأضاف لابد للداعية أن يكون ذا ثقافة موسوعية عامة، بحيث يعرف شيئاً عن كلّ شيء، ممَّا يحدث من حوله وأن يعرف مثلاً في الرّياضة والسياسة والمجتمع وحتّى عن الاقتصاد، ولا ينبغي أن يكون بعيداً عن الأصول الشرعية بمعنى أن يكون مجرّد مثقف ثقافة إسلامية عامة قرأ كتابا أو كتابين، ثمَّ ذهب يفتي الناس، فهذا لا يجوز، وإنَّما لا بد أن يكون داعية دارساً شرعياً فاهماً عن الأصول، والتلقي على أيدي العلماء الموثوق بهم.
وقال: ليس هناك دعاة مقيّدون بالماضي بمعنى الجمود بين أبناء الحركة الإسلامية، بل هم خطباء عصريون، وهذا الاتهام قد يطال الخطباء العاديين ممَّن أخذوا الدَّعوة بحكم الوظيفة وبعض أبناء الحركة الإسلامية ممَّن ظلموا أنفسهم.. لكنَّ المؤشر العام يبشر بخير بين أبناء الحركة الإسلامية، وهذا ما نتمناه من الله دائماً.