علماء: ترك السنن بداية التجرّؤ على الفرائض

الرئيسية » بصائر تربوية » علماء: ترك السنن بداية التجرّؤ على الفرائض
alt

لا غرابة في تقصير بعض المسلمين بأداء الصّلوات أو ترك السنن، أو تأخير الصّلاة وهجر المسجد إلاَّ في أيام معدودة، مثل يوم الجمعة أو شهر رمضان أو غير ذلك، فتجد منهم من يصلي فريضة أو اثنتين ويترك باقي الصلوات، فذلك أمر ربما اعتاده بعض الناس.

لكنَّ الغريب أن يتسلل هذا الدّاء إلى داخل التجمعات الدّعوية، ففي غمرة انشغال الدّاعية في أعماله الدنيوية، يحصل لديه أحياناً ـقصور في تزكية نفسه، ومحاسبتها.

وربما تتسلل إلى قلبه آفات قادحة في عمله وإخلاصه، مفسدة لقلبه، قد يشعر بها وينشغل عن علاجها، وقد لا يشعر بها أصلاً، فتجد ذلك التقصير يصدر من بعض الدّعاة الذين يمثلون القدوة للمجتمع، دون التفكير بتوابع ذلك وخطورته.

وحول هذه الظاهرة، تحدث الدكتور زياد مقداد أستاذ الفقه في الجامعة الإسلامية بغزة لــ"بصائر" قائلا: "إنَّ الأصل في المسلم أن يلتزم بشرع الله كاملاً، بالفرائض والسنن والآداب والأخلاق، لأنَّ الإسلام دينٌ متكامل، ودين عبادة ومعاملة ويعالج  كلّ قضايا الحياة، فكيف بالدعاة الذين يمثلون الإسلام؟".
وأضاف: "إنَّ ما نجده اليوم من بعض الدعاة على اختلاف المستويات من عدم الالتزام بأداء السنن أحياناً، أو ببعض الفرائض، إنّما يدلّ على ضعف في نفوس أولئك الدّعاة،  وهذه ظاهرة موجودة في مجتمعنا المعاصر، متسائلاً كيف يمكن لهؤلاء الذين يمثلون الإسلام أن يكونوا قدوة لغيرهم؟!".

أسباب ترك السنن

وأوضح مقداد أنَّ أسباب تلك الظاهرة تعود إلى عدم الاستزادة من العلم الشرعي بطريقة مستمرة، وعدم الاهتمام بتربية النفس على التقوى والصلاح والزهد، "ولربما رأيت بعضهم يتكلم في أمور عظيمة في شأن الأمَّة، وهو لا يحافظ على الصلاة في جماعة ولا على القيام بالنوافل ولا التزام مواطن السنن التي جاء بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم".

وأردف بالقول: "كما أنَّ حصر الدَّعوة عند البعض وتحجيمها في المحاضرة والموعظة دون النظر في الأعمال الكثيرة التي يمكن أن تتناسب مع قدراته وإمكاناته، وانشغال الدّعاة وبعض المسلمين في الدعوة ونسيان أنفسهم، "فتجد الداعية يذهب من مسجد إلى آخر ومن ندوة إلى خطبة وهكذا، فلا يجد الوقت الكافي لآداء السنن مثلاً، أو الصّلاة في المسجد، فتجده يصلي في البيت، أو يؤخّر الصَّلاة عن وقتها المحدَّد.

وتابع حديثه بالقول: أين الدعاة من قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)، مشيراً إلى الحديث الشريف الذي يوضح حال بعض الدّعاة بقوله: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فليقي في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدورُ الحمارُ في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك؟ ألم تك تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت أمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".

ومضى يقول: "إنَّ ترك السنن يعود لضعف الجانب التربوي القديم للداعية، وعدم وضع الفرد في مكانه الصحيح، فتجد الدَّاعية أصبح يلقى خطباً في المساجد، وهو غير مؤهل لذلك ، وعدم تقدير الشخص لطاقته أو تقدير الموجه لطاقة الشخص، بالإضافة إلى مقارنة النفس بمن هم أقل منه مستوى".

سببٌ صحيح تفسيره خاطئ

واستكمل أستاذ الفقه في الجامعة الإسلامية بغزة أسباب ترك الدعاة للسنن بالقول: "ربما تعود أسباب تلك الظاهرة إلى سبب شرعي صحيح لكن تفسيره غير صحيح"، مبيّناً أنَّ صلاة السنة في الأصل ينبغي أن تؤدّى في البيت حتى لا تصبح البيوت فارغة من ذكر الله، لكن الذي يحدث أنَّ كثيراً من المسلمين  يصلون الفرض في المسجد، وإذا ذهبوا لبيوتهم انشغلوا وتركوا السنن".

وأضاف: "أقول لهؤلاء الذين يخشون على أنفسهم من ترك السنن، والانشغال بالبيت أن يصلوها في المسجد ولا بأس في ذلك".

يوقع في الإثم

وحذَّر الداعية من تعمّد ترك السنة في الجملة، وإن لم يكن الأمر مجرّد انشغال فقد وقع في دائرة الإثم، "لأننا مطالبون بإتيان الفرائض والسنن، وهي تجبر ما يقع من خلل في الفريضة، لأنّنا ربّما لا نؤدّي الفرائض على الوجه الأكمل".

ونوَّه مقداد إلى أنَّ مسألة الاعتياد والتدرج في الترك تعدّ من أسباب انتشار ظاهرة التقصير في السنن والفرائض، "فبعض الدعاة والمسلمين يترك السنة مرة في اليوم، وبعد مدّة زمنية يتركها مرّة ثانية وثالثة حتّى يصبح عادة عنده، وإذا ترك السنن فإنَّه يخشى عليه من ترك الفريضة، (فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه)، فالمداومة على السنن أمر مهم للحفاظ على قدسية الفريضة".

خطورة ترك السنن

وأشار إلى أنَّ تأخير الصلاة بشكل دائم والاكتفاء بالفرض وترك السنن،  يمثّل خطراً كبيراً على الدعاة الذين يمثلون الإسلام، "فمن يتجرّأ على ترك السنن يسهل عليه ترك الفرائض، مع أنها أمر واجب من الله ومن يتقاعس عنها يعصي رب الأكوان ويتجرّأ عليه".

ولفت مقداد إلى أنَّ من تجرّأ على ترك الفريضة فقد يتجرّأ على فرائض وطاعات أخرى ويسهل عليه الوقوع في المعاصي والمنكرات، حتّى يسيطر عليه الشيطان، ويخشى عليه من أن ينتزع الإيمان من قلبه بعد أن كان داعية.

الشرع يقول

وبالنسبة لرأي الشرع في قضية ترك السنن، قال مقداد: "إنَّ الأصل العام لمن أقام السنة أن يؤجر، ومن تركها لا يؤثم، إن لم يكن مقصوداً ومستمراً، لكن إذا كان تركها فيه نوع من الاستخفاف بأهميتها، فإنَّه بالتأكيد يقع في دائرة الإثم، والفريضة إن أداها تبقى مخدوشة وناقصة ولا يجد ما يجبرها".

وأكَّد أنَّ هذه الظاهرة تحتاج إلى علاج بوسائل متعددة، وذلك بتنمية الجانب العبادي (في الفرد)، وعلى الإنسان أن يسعى في إصلاح نفسه، ثمَّ في إصلاح غيره، ومتى ما اشتغل الإنسان بالدَّعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإخلاص في ذلك، فإنَّ الله سيعينه على التخلص من أخطائه، وسيكون اشتغاله بالدَّعوة إلى الله سبباً من أسباب ثباته، ودوام استقامته على مراد الله.

وأضاف: "تذكير الدَّاعية بالوعيد الشديد في حق من خالفت أفعاُله أقوالَه، أي في حق من يأمر بالمعروف ولا يعمل به، وينهى عن المنكر ويرتكبه، والتأكيد على وجوب العمل بالعلم؛ ذلك أنَّ الغرض من التعلم هو العمل به ابتغاء مرضات الله -تبارك وتعالى- والتحذير من النفاق، ومن سلوك طريق المنافقين، ذلك أنَّ النفاق إظهار الإنسان خلاف ما يبطن".

وتابع: "استشعار المسؤولية العظمى المناطة بالدعاة، ومعرفة أهمية الدعوة إلى الله والأجر العظيم منه سبحانه لمن دعا إلى الله: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}، وتربية النفس على الخوف من الله وعلى القيام بالواجبات والمحافظة على الصلوات والتزام السنن والنوافل".

وتابع مقداد حديثه بالقول: "يعدّ الإعلام أحد الوسائل الفعّالة لعلاج تلك الظاهرة وذلك بتوجيه الإعلام المرئي والمقروء في وضع النقاط على الحروف، وبيان خطورة ترك السنن من قبل الدّعاة".

تأخيرها من الكبائر

ومن جهته قال الأستاذ محمد السوسي المحاضر في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في غزة على ضرورة حفاظ الدّعاة على الصلاة بوقتها وعدم تأخيرها وأدائها في المسجد، لأنهم الأعلم بعقاب من يؤخر الصلاة ويتهاون في أدائها.

وأضاف: "كثيرٌ من المتدينين اليوم يتهاونون في الصلاة، وبعضهم يتركها بالكلية، والتهاون بها من المنكرات العظيمة، ومن صفات المنافقين، حيث قال الله عزّ وجل: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلًا)".

وأشار السوسي إلى أنه ثبت عن الرّسول صلّى الله عليه وسّلم أنّه أمر الذي أساء صلاته فلم يطمئن فيها بالإعادة، "وعلى الرّجال خاصة أن يحافظوا عليها في الجماعة مع إخوانهم في بيوت الله، وهي المساجد؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلاَّ من عذر)، وقيل لابن عباس رضي الله عنه ما هو العذر؟ قال: (خوف أو مرض)".

تركها كفر أكبر

وأكَّد السوسي أنَّ ترك الصلاة بالكلية ولو في بعض الأوقات كفر أكبر، وإن لم يجحد وجوبها، سواء كان التارك رجلاً أو امرأة؛ لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

ونوَّه إلى أنَّ من جحد وجوبها من الرِّجال أو النساء فإنّه يكفر كفرا أكبر بإجماع أهل العلم ولو صلّى.

وأردف قائلاً: "من يتهاون بالصَّلاة أو يتركها، فالواجب نصيحته، وتحذيره من غضب الله وعقابه، والاستمرار في ذلك، وهجر من لم يمتثل؛ لأن هذا كله من التعاون على البر والتقوى، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أوجبه الله على عباده من الرّجال والنساء.

ويبقى القول: إنَّه لا يمكن أن يتحقّق الفوز والنجاح لدعاة الإسلام ما لم يكونوا ربانيين، وأكثر الفتن والمشاكل التي تقع في حياة الدّعوة سببها تقصير الدعاة بحق أنفسهم وبانشغالهم بنقل الدَّعوة عن الالتزام بها والانفعال معها، وإذا لم يتحقّق تفاعل الدُّعاة مع الهداية لا يمكن أن يكونوا هداة للآخرين، لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …