الدَّولة ضرورة حضارية ” مشروع البنا نموذجا ” ( 2 -2 )

الرئيسية » بصائر الفكر » الدَّولة ضرورة حضارية ” مشروع البنا نموذجا ” ( 2 -2 )
alt

تحدثنا في الحلقة الماضية  عن ترشح المشروع الإسلامي لتصدر المشهد السياسي عقب نجاح الثورات العربية في كثير من البلدان العربية , وإستفضنا في الحديث عن رؤية المشروع الإسلامي للدولة , والدولة الإسلامية في فكر وأدبيات الإمام الشهيد حسن البنا  , ونستعرض في هذه الحلقة الدولة الإسلامية كضرورة حضارية  , وسمات الدولة الإسلامية

الدولة الإسلاميَّة كضرورة حضاريَّة:

على أساس هذه الصورة وضع الإمام البنا على رأس أهداف دعوة الإخوان المسلمين هدفين رئيسين؛ أولهما: تحرير العالم الإسلامي من الاستعمار الأجنبي، والثاني "أن تقوم في هذا الوطن الحُرِّ دولةٌ إسلاميَّة حُرَّةٌ تعمل بأحكام الإسلام وتُطَبِّق نظامَه الاجتماعي، وتُعْلن مبادئه القويمة وتبلِّغ دعوته الحكيمة الناس، وما لم تقم هذه الدولة فإنَّ المسلمين جميعًا آثمون مسئولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودِهِم عن إقامتها، ومن العقوق للإنسانيَّة في هذه الظروف الجائرة أنْ تقوم فيها دولة تهتف بالمبادئ الظَّالمة، وتُنادي بالدعوات الغاشمة ولا يكون في الناس من يعمل لتقوم دولة الحق والعدالة والسلام".وضع البنا والإخوان المسلمون من بعده تصوُّرًا للدولة الإسلاميَّة يقوم على أساس مبدئي عام يقول "الدولة الإسلاميَّة دولة مدنيَّة مرجعيتها إسلاميَّة"

 وفي السياق العام، وضع البنا والإخوان المسلمون من بعده تصوُّرًا للدولة الإسلاميَّة يقوم على أساس مبدئي عام يقول "الدولة الإسلاميَّة دولة مدنيَّة مرجعيتها إسلاميَّة" بعيدًا عن طراز الدولة العلمانيَّة التي تفصل ما بين الدين والسياسة والدولة، وعن نظام الدولة الكَنَسِيَّة الأوروبيَّة القديمة التي غالت في سيطرة الكنيسة الكاثوليكيَّة على الحكم، وغالت في هيمنة رجال الدين على أمور الدين والدنيا بما لا يُوجَد له أي أساس في الإسلام، لا على المستوى النظري أو المستوى التطبيقي.

وفي هذا المقام، بدأ الإمام البنا في رسالة "مشكلاتنا الداخليَّة في ضوء النظام الإسلامي" في تحديد القواعد الرَّئيسة لنظام الحكم الإسلامي- أول وأهم ركن من أركان الدولة- بشكل عام ومنهجي، وفي هذا الإطار فإن نظام الحكم في الإسلام يعتمد على القواعد الثلاث الآتيَّة: مسئوليَّة الحاكم، واحترام إرادة الأمة، والمحافظة على وحدة هذه الأمة، على أنْ يكون نظام الحكم الإسلامي نظامًا نيابيًّا يقوم على الشورى والانتخاب والتداول السلمي للسلطة، والحفاظ على المصلحة العام للأمَّة.

(أ). مسؤوليَّة الحاكم:

الحاكم مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى، وأمام الشعب والناس، "وهو أجير لهم وعامل لديهم"، وقد بنى البنا فلسفته الخاصة في هذا المقام على أساس كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلم، مثل: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))، وقال: إنَّ أبا بكر الصديق رضي الله عنه وضع أساس العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين بقوله عندما تولَّى الحكم: (أيها الناس، كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم، فأنا الآن أحترف لكم، فافرضوا لي من بيت مالكم).

 (ب). وحدة الأمَّة:

والمبدأ في هذا الإطار هو المبدأ القائم على أساس الأخوَّة في الله والدين، "لأنَّ الأخوَّة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصل من أصول الإيمان لا يتم إلاَّ بها ولا يتحقّق إلاَّ بوجودها"، وعلى العكس يكون الأثر السيئ متى تفرّقت الأمّة، ومن هنا ظهرت أهميَّة الطاعة لأولي الأمر ووحدة قراره شرط الالتزام بطاعة الله سبحانه وتعالى.

(ج). احترام إرادة الأمَّة:

وهذا المبدأ هو الأكثر تسييسًا فيما طرحه الإمام البنا من أركان الدولة الإسلاميَّة، وهو مبدأ أجمعت عليه كافة أنظمة الحكم في العصر الحالي، باعتبار أنَّ "الشعب هو مصدر السلطات كلها"، وفي القرآن الكريم والسنة النبويَّة وميراث الخلفاء الراشدين العديد من القواعد التي حدَّدَتْ هذه المسؤوليَّة.وينقسم نظام الحكم في الدولة الإسلاميَّة إلى راعٍ وحكومة ورعيَّة

 وينقسم نظام الحكم في الدولة الإسلاميَّة إلى راعٍ وحكومة ورعيَّة (وليس إلى حاكم وحكومة وكفى لأن الشعب جزء أصيل من نظام الحكم باعتبار أنَّه مصدر السلطات) وفي خصوص الشق الأول لنظام الحكم في الدولة الإسلاميَّة، وهو الحاكم، فإنه يجب أنْ يكون مستوفيًا لكافة شروط الولايَّة أو الإمامة الكبرى التي حددها الإسلام: الإسلام، والكفايَّة في الأداء، وسلامة العقل والجسم، والأمانة، والعدل، وغير ذلك من السمات.

أمَّا الحكومة، فقد قال فيها الإمام البنا: "يفترض الإسلام الحنيف الحكومة قاعدةً من قواعد النظام الاجتماعي الذي جاء به للناس، فهو لا يُقِرُّ الفوضى، ولا يدع الجماعة المسلمة بغير إمام، ولقد قال الرسول "صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم" لبعض أصحابه: "إذا نزلت ببلد وليس فيه سلطان فارحل عنه"، كما قال في حديث آخر لبعض أصحابه كذلك: "إذا كنتم ثلاثة فأمِّروا عليكم رجلاً"".

وقد ظهرت الدَّولة في حياة الأمم لصيانة حقوق المواطنين وحراسة الدين كوسيلة شرعيَّة وضرورة اجتماعيَّة لازمة، تعمل على تحقيق العديد من الأهداف في الداخل والخارج، ففي الداخل تحتل قضيَّة بناء الإنسان وزيادة رصيده الحضاري والمعرفي وتنميته، وتثبيت مبدأ الحكم بالشريعة الإسلاميَّة، وإقامة مجتمع الأخلاق، وفي الخارج تطوير وضعيَّة الأمة بين الأمم الأخرى والتفاعل مع من سالم المسلمين من الأمم الأخرى، وحمايَّة مصالح الأمة في الخارج، وردع المعتدين والغُزاة، وغير ذلك من مهام الدولة الحديثة.

سمات الدولة الإسلاميَّة:

الدَّولة في مشروع الإخوان المسلمين لها العديد من السّمات، فهي دولة مدنيَّة ذات مرجعيَّة إسلاميَّة كما سبق القول تقوم على أساس العقد الاجتماعي بين المحكومين والحاكم، وعلى أساس ذلك يكون لكل فرد فيها الحق في المواطنة، فهي إذن دولة مواطنة ذات طابع تمثيلي، أي الشورى نيابة الأمة من جانب أهل الحل والعقد، كذلك هي دولة تعدديَّة تقوم على أساس مبدأ تداول السلطة، وتكون السيادة فيها للمؤسسات لا الأفراد، وكذلك للقانون وليس للأحكام العرفيَّة، أو ما يُعرف في الأدبيات الحديثة باسم قوانين الطوارئ.

والمشروع الحضاري للإمام البنا- رحمه الله- يرى أنَّ الدولة الإسلاميَّة يجب أنْ تقوم على أساس الطاعة والدعم بالأموال والأنفس من جانب المواطنين تجاه الدولة أو الأمة حال قيام الدولة أو الحاكم بواجباته والتزاماته مثل تحقيق العدالة والأمن وصيانة المال العام ونشر التعليم والتنميَّة ونشر الفضيلة، والعمل على اكتساب كافة دعائم القوة الشاملة لتسود الأمة الإسلاميَّة على كل ما عداها من أممٍ أخرى وتُقَدِّم النموذج الذي يُحتذى من الآخرين كأقوى وسيلة لنشر الإسلام في العالم.

وبما أنَّ الإخوان فكرة إصلاحيَّة شاملة كما قال البنا في رسالته إلى المؤتمر الخامس للإخوان المسلمين بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس الجماعة، فإنَّ مشروع الدولة الإسلاميَّة تم وضع تصور دقيق وشامل له بين شكل سلطات الدولة ومهامها (التشريعيَّة والقضائيَّة والتنفيذيَّة)، وكذلك شكل المشروع الاجتماعي والاقتصادي الذي يجب على الدولة في الإسلام تبنيه، وكيفيَّة الحفاظ على المال العام.

ولعلَّ أهم ما عرضه الإمام البنا في هذا المقام كان مبدأ استقلاليَّة القضاء وسيادته، وكذلك مبدأ الفصل ما بين السلطات، هذا على المستوى السياسي، أمَّا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فقد ركَّز البنا على أهميَّة سيادة الأخلاق الإسلاميَّة في العمل الاقتصادي والبعد الاجتماعي بحيث لا يكون هناك فساد أو احتكار، وتسود قيم العدالة الاجتماعيَّة، والتكافل الاجتماعي، وحمايَّة المال العام.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

كيف قاد النبي ﷺ جيشه إلى النصر؟

لم يكن النبي ﷺ قائداً عسكرياً تقليدياً تلقى تعليمه في أكاديميات الحرب، لكنه كان خير …