مدير مشروع رصد الأهلة:”الفلك” كفيل برؤية الأهلة بدقّة

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » مدير مشروع رصد الأهلة:”الفلك” كفيل برؤية الأهلة بدقّة
alt

ارتبط اسم المشروع الإسلامي لرصد الأهلة بتحري هلال شهري رمضان وشوال كلّ عام، حيث يقوم أفراد هذا المشروع بتحري هلال الشهر  باستخدام أجهزة ومعدّات تمكنهم من الوصول لنتائج رصد دقيقة، لكن نتائج رصدهم كثيراً ما ترتطم بخلاف مع بعض الفقهاء الشرعيين الذين يتمسكون برؤية العين المُجرّدة لتحديد الصّوم والإفطار وتشكيكهم بقدرة المشروع أو الفلكيين ومصداقية إمكانياتهم.

هل ما يقوم به هؤلاء الفلكيون من جهود هي ضرب من التنجيم؟ لماذا تثير أقوال الفلكيين وشهاداتهم في الأهلة حفيظة بعض الفقهاء؟ وهل يطالب الفلكيون بسحب بساط تحديد بداية الشهر ونهايته من الفقهاء؟

وما حقيقة ما حدث مساء التاسع والعشرين من رمضان هذا العام؟ وما الذي يطمح له المشروع الإسلامي لرصد الأهلة؟ كل هذه الأسئلة  يجيب عنها المهندس محمد عودة مدير المشروع الإسلامي لرصد الأهلة .. وإليكم تفاصيل الحوار:

بصائر: من أين بدأت فكرة إنشاء مشروع رصد إسلامي؟ وما أبرز الإنجازات، وأهم محطات مسيرة هذا المشروع حتى الآن؟

م. محمد عودة :
أُنشئ المشروع الإسلامي لرصد الأهلة نهاية عام 1998م، وهو مشروع منبثق عن الجمعية الفلكية الأردنية كان الهدف منه في البداية إيجاد عدد من راصدي الأهلة من مُختلف مناطق العالم، مَهمتهم أن يقوموا برصد الهلال مطلع كلّ شهر عربي ونِهايته _ وليس فقط هلال رمضان وشوال_  ومن ثمَّ إرسال هذه النتائج لمركز المشروع الكائن في أبو ظبي، وتُنشر هذه النتائج على موقعنا عبر الإنترنت فور وصولها لتكون في متناول واطلاع الجميع عليها. والهدف من ذلك إطلاع المهتمين على نتائج تحرّي الهلال من مُختلف مناطق العالم وأحياناً يقدّم الموقع رصداً مدعماً بالصور حسب ما يزوّده به الرَّاصدون.

أمَّا الدافع وراء إنشاء هذا المشروع  كان بسبب خطأ بداية شهر رمضان في تلك السنة، وذلك بإعلان السعودية ومصر ثبوت رؤية الهلال، في حين لم يكن هناك إمكانية لرؤيته في الحقيقة، دفعنا ذلك في الجمعية الفلكية الأردنية _ حيث وُلِد المشروع قبل أن يستقل عنها_ إلى التواصل مع العديد من الفلكيين في السّعودية الذين شكّلوا حينها ست لجان تحرٍّ هناك، وأفادونا بأنَّ أيّاً منهم لم ير الهلال، وكذلك تواصلنا مع مرصد حلوان بمصر وكان الجواب بالنفي حينها، وبهذا بدأ المشروع بالإعلان عن عدم ثبوت رؤية رمضان لذلك العام. بعد ذلك بدأ المشروع يتفرد بتقارير دورية لنتائج رصد الهلال شهرياً من قبل من نعرفهم من فلكيين منتشرين في أغلب مناطق العالم، ويتعاهدون رصد الهلال، وهكذا استمر الوضع في مشروع الرصد لعدَّة سنوات.

أدركنا بعد ذلك أنَّ المشروع أصبح كبيراً ويحتاج لتوسعة فعالياته، عندما أقمنا المؤتمر الفلكي الأوّل في أبو ظبي بالتعاون مع جمعية الإمارات للفلك، بعدها شُكّل للمشروع مجلس إدارة مستقل المكوّن من سبع أشخاص هم المسؤولين عن ادارة المشروع، عام 2006م، وكان المؤتمر محطة مهمَّة في حياة المشروع، كونه أول مؤتمر فلكي إسلامي دولي، شارك فيه حوالي مئة شخص بين عالم دين وعالم فلك وخبراء، من حوالي 21 بلداً إسلامياً، تبعه المؤتمر الفلكي الثاني عام 2010، وكان مؤتمراً كبيراً دُعيت فيه شخصيات إسلامية مسؤولة ومتخذو قرار، كمفتي لبنان، وعدد من المستشارين وأفراد المحكمة العليا في السعودية، ومساعد مفتي سلطنة عُمان، وقاضي القضاة الدكتور أحمد هليل كان سيحضر لولا ظرف عرض له في السّاعات الأخيرة، وبعض المفتيين المصريين، فكان المؤتمر يجمع بين فلكيين ومتخذي القرار من الشرعيين.

بصائر: هل الفلكيون المشاركون في المشروع يعملون معكم بصورة تطوعية؟ وما مدى إمكانية الانتساب للمشروع؟ بمعنى لأيّ فئات تفتحون العضوية؟

م.محمد عودة: المشروع الإسلامي لرصد الأهلة هو مشروع تطوعي بحت، عدد أعضائه قرابة [500] شخص  ينقسمون ما بين عالم فلك، وأستاذ فلك في الجامعة، وهاوٍ فلك في جمعية فلكية، وأشخاص مهتمين.

بصائر: ما الذي يقدِّمه العضو؟

م.محمد عودة: هذا الأمر يختلف من عضو لآخر، فمثلا الخبراء لديهم ما يسمّى باللجنة العلمية في المشروع، دورها متابعة القضايا الفلكية وإصدار البيانات وكذلك راصدو الأهلة لهم دورهم في الرّصد والمتابعات الفلكية وتحضير نتائجها، أمّا الأعضاء الآخرون فدورهم نقل التوعية التي نهدف لغرسها في المجتمع، الباب مفتوح للانتساب للمشروع بلا شروط، لكن بالتأكيد لنا شروط في اختيار العضو لنوعية العضوية التي سيشاركنا فيها.

بصائر:  برأيك؛  لماذا يضرب بعض الشرعيين بأقوال الفلكيين عرض الحائط وتهمّش من دورها ودقتها؟ ومتى سنصل لكلمة جامعة يتفق عليها المسلمون في تحديد الرؤية بدلاً من اللغط المتجدّد كلّ عام؟

م.محمدعودة: لا أُعمِّم أنَّ كلَّ متخذي القرار _ومتخذي القرار بالمناسبة هم الشرعيون وليس الفلكيين_  رغم أنَّ الأصل اشتراك كلّ من الفلكي والشرعي بالقرار كون المسألة علمية شرعية.
المشروع الإسلامي لرصد الأهلة ليس لديه مشكلة لمن تكون الكلمة الأخيرة [للفقهاء أو الفلكيين] ولا نريد أن ننازع الشرعيين سلطاتهم، ولا نُنادي بإلغاء الرؤية والاعتماد على الحساب، كل ما نطالب به هو التدقيق في شهادات الشهود القائلين بثبوت الهلال في حالة عدم إمكانية ذلك فلكياً
بعض الفقهاء ليس لديهم خلفية في موضوع الفلك أصلاً، ولم يفهموا حتى الآن ما الذي ينادي به الفلكيون وهنا تكمن المشكلة، يعتقد بعض الفقهاء أنَّ الفلكيين يريدون إلغاء الرؤية، والاعتماد على الحساب، ونحن لا ولم ننادي بهذا، وللمصداقية هناك بعض الفلكيين لهم وجهة نظر تقول بإلغاء الرؤية واعتماد الفلك، وفي المقابل هناك أيضاً أقوال للعلماء معروفين نادوا بإلغاء الرّؤية والاعتماد على الحساب، كأحمد ابن شاكر وهو علّامة سلفي من القرن الأوَّل الهجري، وكذلك الشيخ مصطفى الزّرقا فقيه معروف، نادى بالاعتماد على الحساب وإلغاء الرؤية، وغيرهم، ولكن حالياً هذا الطرح قليل وليس الظاهر والمنادى به من قبل الفلكيين والشرعيين.

المشروع الإسلامي لرصد الأهلة ليس لديه مشكلة لمن تكون الكلمة الأخيرة [للفقهاء أو الفلكيين] ولا نريد أن ننازع الشرعيين سلطاتهم، ولا نُنادي بإلغاء الرؤية والاعتماد على الحساب، كل ما نطالب به هو التدقيق في شهادات الشهود القائلين بثبوت الهلال في حالة عدم إمكانية ذلك فلكياً، إمّا بسبب عدم وجود الهلال في السّماء، أو لأنَّ القمر يغيب بعد الشمس، ولكن لا تُمكن رؤيته، وهذا الطرح [طرح الفلكيين] يُطالب  في الحقيقة بتطبيق الحديث الصّحيح "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه".

بصائر:  في ليلة الثلاثين كان من المستحيل فلكياً رؤية الهلال، ومع هذا فقد رؤي وأفطر الناس حسب هذه الشهادة، ما حقيقة هذه الرّؤية؟ هل صحيح أن زُحل أفسد علينا صيامنا؟

م. محمد عودة: في الحقيقة زُحل لا علاقة له بكلِّ ما حدث، كل ما في الأمر أنَّ أحد أفراد الجمعية الفلكية  قال عبر إحدى المقابلات:  رُبما يكون الشاهد برؤية الهلال رأى زُحل فظنه الهلال، وتفاجأنا بخروج تصريح باسم الجمعية الفلكية بجدة يؤكّد ذلك علماً أنَّ التصريح لم يصدر عن الجمعية، ولا يُعرف من الذي أصدره باسمهم.

في الأردن لم يُرَ الهلال، وقد قال بذلك قاضي القضاة د. أحمد هليل في مؤتمره الصحفي المُتعلق بتحرّي الهلال، قال: نحن لم نر الهلال، لكن من أجل جمع كلمة المسلمين، فنحن نفطر على رؤية السعودية له.

أمَّا في السعودية؛ فقد خرج المُتحرّون لمنطقتي "سدير" وشقراء" واللتين تقعان في شمال وسط السعودية، وتبعدان عن بعضهما حوالي عشرين كيلو متراً، وكان الهلال في منطقة "شقراء" يغيب القمر فيها مع الشمس، ودائماً تحري الهلال يكون بعد غروب الشمس.

في المنطقة التي أتى منها الشهود "شقراء"  كان القمر يغيب مع الشمس، وبالتالي عندما غابت الشمس لم يكن هناك ما يُرى، والغريب أنَّ [كبيرهم الذي يشهد برؤية الهلال دائماً]  خرج في مقابلة مع إحدى الفضائيات وأفاد بأنَّه رأى الهلال لمدَّة  أربع دقائق بعد غياب الشَّمس !

البلبلة التي حدثت في شوال لهذا العام لم تحدث في أيّ وقت من التاريخ، فلا يكاد يمر يوم إلاَّ وتقرأ في الصحافة السعودية على الأقل مقالاً حول الموضوع ، أما كان الأولى بالمسؤولين أن يُلقوا بالاً للعلم ويتفادوا هذا الأمر؟!

بصائر: هل يحتمل وجود خطأ في الحسابات الفلكية كما يدّعي البعض؟

م.محمد عودة: الرّحلات الفلكية الغربية حطت في القمر منذ أربعين عاماً، وتستعد للنزول على المريخ، والمركبات الفضائية بلغت بلوتو، ونحن لا زلنا نشكك في علم الفلك ومدى دقته، أعتقد أنَّ هذا من العيب.
إنَّ الشواهد التي نراها كلَّ يوم على دقة الحسابات الفلكية كفيلة بإثبات ذلك
إنَّ الشواهد التي نراها كلَّ يوم على دقة الحسابات الفلكية كفيلة بإثبات ذلك، فمواقيت الصّلاة وغروب القمر كُلّها تعتمد على الحسابات الفلكية، ومشهود بدقتها.

هناك خمسمئة قمر صناعي فعّال يدور حول الأرض، و25000 قمر صناعي غير فعال، لدينا برامج وتقنيات تتمكن من حسابتهم ومعرفة أحوال هذه الأقمار الصناعية بالدقيقة والثانية، مع العلم أنَّ حساب الأقمار الصناعية أصعب من رصد القمر الطبيعي، هناك الكثير من الشواهد وبكل اختصار أرى أنَّ من المعيب التحدّث في مصداقية ودقة الفلك.

بصائر: برأيك ما الهدف من توهم البعض رؤية الهلال ؟ هل الأمر باعتقادك مقصود؟ كيف تنظر للموضوع؟هل لك لها تفسير معين كفلكي؟

م.محمد عودة: نحن لا نتهم أحداً بالكذب، لكن أُمة فيها مليار ونصف فرد، ألا يحتمل أن يكون منها واحد يدّعي رؤية الهلال؟ هل من السليم أنَّ أعلّق صيام وإفطار مليار ونصف مسلم على شهادة أحدهم لأنَّه حلف مثلا! وأضرب الحقائق العلمية المؤكّدة بأنَّ القمر كلّه ليس موجوداً عُرضَ الحائط؟

وبالنسبة للسؤال : كثيراً ما يُطرح علينا هذا السؤال، في الحقيقة حاولنا التوصل لسبب يدفع هؤلاء الأشخاص لادّعاء رؤية الهلال، لكنَّنا لم نصل إلاَّ لنتيجة أنَّ شهادتهم خاطئة، وهذا ما يعنينا في الحقيقة، ليس مهماً لماذا هناك من يقوم بذلك، بل المهم والواجب الذي نحمله إقناع المسؤولين بعدم قبول شهادتهم.

بالمُناسبة هناك من احتج علينا  بأنَّ هؤلاء الذين يشهدون برؤية الهلال أصحاب نظر ثاقب، وفي الحقيقة بعد فحص نظرهم كان 6/6، ولم يكن فيه ما هو خارق عن أبصارنا نحن العاديين، ومع ذلك يرون ما لا نراه، بل وما لا تراه مراصد بأقطار كبيرة ودقيقة!


بصائر: هل  تشهدون تجاوباً من قِبل صنَّاع القرار للاهتمام بالحساب إلى جانب الرُّؤية، أم أنَّ الأمر لا زال يراوح مكانه؟

م.محمد عودة: نعم، بحمد الله، بدأنا نحصد بعض التجاوب والاهتمام من قبل صنَّاع القرار، في السَّابق كان وضع الذين يدَّعون رؤية الهلال أسوء من هذه الأيام، وكان هناك من يشهد برؤيته حتّى عند غروبه قبل الشَّمس، لكن بعد الضجّة التي حدثت عقب مقابلة لنا بثتها قناة الجزيرة الفضائية ضمن برنامج (بلا حدود)  قبل حوالي أربع سنوات،  ووصلت أصداؤها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، استدعى عقبها عدداً من الفلكيين، وأكّدوا له صحة ما ورد، ووعدهم بحلِّ المشكلة، وبعد مدَّة قصيرة من لقاء الفلكيين بالملك، نقل صلاحية إثبات الهلال للمحكمة العليا، وكانت قبل ذلك لمجلس القضاء الأعلى، وأخيراً صدر قرار لدى المحكمة العليا أنَّ من يشهد برؤية الهلال، وكان القمر يغيب قبل الشمس تُردّ شهادته، وبالفعل تقدّم أناس يشهدون في هذه الحالة، ورفضت شهاداتهم، وهذا تطوّر.

بصائر: ما الذي تطمحون تحقيقه من خلال المشروع الإسلامي لرصد الأهلة، هل هناك خطط تطويرية للمشروع؟
طموحنا أن نحقّق تعاوناً أكبر بيننا كفلكيين وبين مُتخذي القرار والفقهاء.
م. محمد عودة: صحيح أنَّ نشأتنا كانت معنية في البداية برصد الهلال، لكنّنا بعد ذلك أصبح لنا اهتمام أوسع بالشؤون العلمية، وعقدنا المؤتمرات التي تخدم هذا الاهتمام والهدف، وأصبحت لنا مشاركات في مؤتمرات عالمية، كما حقّقنا بعض التعاون بين المشروع الإسلامي لرصد الأهلة وبين جهات إسلامية مرجعية ومرموقة في العالم الإسلامي، سواءً بشأن رؤية الهلال أو حساب مواقيت الصلاة، وتحديداً في الدول والمدن الأوروبية، وكان لنا أبحاث في هذا الشأن.

طموحنا أن نحقّق تعاوناً أكبر بيننا كفلكيين وبين مُتخذي القرار والفقهاء.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "السبيل" اليومية الأردنية في قسم الشؤون المحلية والتحقيقات. وكاتبة في مجلة "الفرقان" التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم / الأردن؛ في الشؤون الأسرية والتربوية. وتكتب بشكل متقطع في العديد من المجلات العربية منها؛ البيان؛ الفرقان الكويتي؛ وأجيال السعودية إلى جانب العديد من المواقع الإلكترونية.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …