“الغلو” و”الإسراف”..يقودان الداعية لـ “الكسل والفتور”

الرئيسية » بصائر تربوية » “الغلو” و”الإسراف”..يقودان الداعية لـ “الكسل والفتور”
alt

يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: أيّ العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله، والجهاد في سبيله، قلت: فأيّ الرّقاب أفضل ؟ قال: أغلاها ثمناً وأنفسُها عند أهلها.

قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تُعين ضائعاً، أو تصنع لأخرق، قلت: يا رسول الله: أرأيت إن ضعُفت عن بعض العمل؟ قال: تكفُّ شرك عن الناس، فإنها صدقة تتصدق بها على نفسك (متفق عليه).

كلماتٌ يوجّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من خلالها النفس المسلمة حين تضعف عن العمل، وتكلّ من الجهد.

فالدَّاعية بطبيعة نفسه البشرية يجتهد حينا ويفتر ويضعف حيناً، وكان مجتمع الصَّحابة رضوان الله عليهم يعانون في بعض الأحيان من الفتور والكسل.

وقال الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم في ذلك: "إنَّ لكلِّ شيء شرة، ولكلّ شرة فترة، فإن صاحبها سدّد وقارب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه".

فلماذا يصيب الفتور الإيماني الدَّاعية ؟، وما السبيل لمواجهته ؟، وكيف يمكن للدَّاعية المسلم أن يقي نفسه من الكسل والضعف ؟ هذه الأسئلة يجيب عليها التقرير التالي:

أسباب

يرجع الدّاعية الفلسطيني المعروف وأستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية في غزة الدكتور يونس الأسطل فتور الدَّاعية إلى عدَّة أسباب، أبرزها الغلو والتشدد المشابه لرهبانية النصارى .

وفي هذا الصَّدد يشير إلى قصة النفر الثلاثة الذين قدموا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأرادوا أن يشدّدوا على أنفسهم بأن يصوم أحدهم الدّهر فلا يفطر، ويقوم الثاني الليل فلا ينام، ويعتزل الثالث الزواج تفرّغاً لنوافل العبادات فنهاهم النبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام وأخبرهم أنَّه يصوم ويفطر ويقوم ويرقد ويتزوج النساء.

ويرى د.الأسطل في حوار مع موقع "بصائر" أنَّ السبب الثاني للفتور، هو الإسراف في المباحات كالمطاعم لأنَّه يؤدِّي إلى ثقل الجسم فيشعر الدَّاعية بالإرهاق من أدنى جهد فيحمله هذا على الكسل".

ويشير كذلك إلى أنَّ إيثار العزلة والابتعاد عن العمل الجماعي من أهم أسباب الفتور لأنَّ الشيطان يتفرَّد بالفرد فيزيّن له الاسترخاء والكسل، ولكنَّه من الاثنين أبعد فكيف بالجماعة، وقد قال صلَّى الله عليه وسلّم:"من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة".

ويوضح أنَّ من أسباب الضعف والفتور أيضاً قلة تذكّر الموت والغفلة عن الآخرة، وقد أمرنا الله عزَّ وجل أن لا نموت إلاَّ ونحن مسلمون، فمن لم يشفق من سوء الخاتمة، ولم يوجل من الآخرة دفعه ذلك للقعود والكسل والإهمال، ولذلك ندبنا إلى الإكثار من زيارة القبور لتذكر الموت والآخرة.

وتابع بالقول: "إنَّ التقصير في عمل اليوم والليل من أذكار وعبادات تجعل الإنسان يغفل عن الله، خاصة إذا أهمل تلاوة القرآن الكريم وتدبره أو قصر في مطالعة ذوي الهمم العالية من الصَّحابة والسلف الصالح".
ويلفت إلى أنَّ من أسباب الفتور أيضاً تحمّل أعباء كثيرة ترهق الجسد فيكون الدَّاعية هنا كراكب الفرس الذي أسرع به ليصل طريقه بسرعة فتعثر في أثناء الطريق فلم يصل إلى هدفه ولم يبق فرسه.

وبيَّن أنَّ صحبة الكسالى تصيب الإنسان بعدوى الكسل، فالمرء على دين خليله والجليس السوء كنافخ الكير لا تجد منه إلاَّ ريحاً خبيثة، بنصّ حديث الرَّسول صلَّى الله عليه وسلم.

العلاج

ولعلَّ تشخيص أسباب الفتور والكسل يقود إلى العلاج اللازم للقضاء عليه وهو ما تحدث عنه عضو رابطة علماء فلسطين بغزة الدكتور ماهر السوسي .
د. ماهر السوسي:
"إنَّ الإيمان يعلو بزيادة الطاعة، وكلما زادت طاعة الإنسان لله سبحانه وتعالى كلَّما ارتفعت وتيرة الإيمان عنده، فالطاعة مقياس للإيمان"

الذي قال لمراسل موقع بصائر:" إنَّ الإيمان يعلو بزيادة الطاعة، وكلما زادت طاعة الإنسان لله سبحانه وتعالى كلَّما ارتفعت وتيرة الإيمان عنده، فالطاعة مقياس للإيمان لذلك يجب على الدَّاعية التزامها بأداء الواجبات التي أمر الله بها والزيادة عليها بالنوافل بدون تشدّد أو غلو".

ومضى يقول:"الاتصال بالله والتقرّب منه بالعبادات يزيد من إيمانه وثقته بالله، فالذين آمنوا تطمأن قلوبهم بذكر الله"، مبيّناً أنَّ ثقة الإنسان بربه تزيد من التزامه، وبالتالي ترفع إيمانه لأعلى الدرجات.
ويوضح د. السوسي أنَّ على الإنسان أن يبتعد عن العوامل المؤدية للكسل الجسدي مثل السمنة وكثرة النوم وغيرها من الأمور التي تدفع الإنسان للقعود والكسل، لافتا إلى أنَّ نشاط الإنسان جسديا يدفعه للتقرب إلى الله أكثر وبالتالي زيادة إيمانه.
ويشير إلى ضرورة ألاَّ يستعجل الداعية نتائج دعوته، لأنَّ الكثير من الناس لا يستجيبون بسرعة، فإن استعجل النتاج ستخبو جذوة همته وتضعف، مبيّنا أنَّ اطلاع الدَّاعية على قصص السلف الصَّالح وهمهم العالية عندما يراوده الشعور بالكسل يدفعه للاقتداء بهم وتشتعل همته من جديد.

وإن كان الإنسان يكسل ويضعف لوحده، فما سبيل علاج ذلك إلاَّ التزام الجماعة والعمل معها فهناك لا يقوى الشيطان عليه، كما د.يقول السوسي.

ويضيف:"كما يجب على الدَّاعية أن يختار بعناية وبدقة من سيعمل معه ويرافقهم فيختار الجليس الصَّالح الذي يذكره بالآخرة والقبر ويبتعد عن أصدقاء السوء الذين لا يجلبون إلاَّ الضعف والكسل".

الوقاية

إنَّ معرفة علاج الفتور ربّما لا يكفي فيجب على الداعية أن يصنع لنفسه جدار حماية من منه حتّى لا يصيبه، والدكتور يونس الأسطل تحدث عن هذا بشيء من التفصيل.
د. يونس الأسطل :
" يجب أن يدرك الداعية مفهوم الإيمان بالله، وما يوجبه علينا من حقوق ينبغي أن لا نقصر بها، حتى نتجنب الكسل والوهن" .

يقول:" ليتجنّب الدعية المسلم الكسل والوهن يجب أن يدرك الإيمان بالله وإدراك عظيم حقه علينا يوجب على المرء أن لا يقصر في حق الله لأنَّه تفضل علينا، ومنّ علينا بالهداية واشترى منا الأنفس والأموال وأعدَّ لنا جنة عرضها السموات والأرض".

ويضيف:"الواجب علينا أن نستحي من الله حق الحياء فلا يرانا مقصرين، ثمَّ إنَّ وراءنا يوم طوله خمسون ألف سنة يكون فيه الناس حفاةً عراةً غرلاً -أي خير مختونين- قد دنت منهم الشمس حتَّى صارت بمقدار ميل فيشتد كربهم وعرقهم بالإضافة إلى الزحام الشديد حتى إنَّ الآخرة خافضة رافعة وجهنم ترمي بشرر كالقصر، والملائكة الغلاظ الشداد في أيدهم مقامع من حديد".

ويقول:"يمكن أن نتساءل كيف من يطلب الجنة أن يطلبها دون أن يعمل ؟ ويجب أن يكون لنا أسوة بالنبي محمَّد صلى الله عليه وسلم والذين معه من الصحابة الذين كانوا يقومون أدنى من ثلثي الليل ونصفه".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …