في سكون اللَّيل يقوم المؤمنُ ليله متبتلاً إلى خالقه، قانتاً له سبحانه .. هي ساعات غالية يدرك أنّه إذا أرخصها بالغفلة، فلن يحصل على الزّاد ليكمل المسير ويقوى على الطاعة والعمل لهذا الدّين العظيم .. يقرأ قوله سبحانه: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ }. (الزمر:9)، وقوله عزّ وجل: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. (البقرة:238).
يعلم أنَّ ثواب القنوت لله سبحانه مغفرة وأجر عظيم .. {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} .. {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}. (الأحزاب:35).
وفي سير الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين يجد الأسوة والقدوة والمثال الصّالح .. نبي الله إبراهيم عليه السَّلام وصفه المولى سبحانه بأنّه.. {إنَّ إبراهيمَ كان أمَّةً قانتاً} [النحل:120].
قال الإمام مالك بن أنس: بلغني أنَّ عبد الله بن مسعود قال: يرحم الله معاذاً! كان أمّة قانتاً. فقيل له: يا أبا عبد الرَّحمن، إنَّما ذكر الله عزَّ وجل بهذا إبراهيم عليه السَّلام. فقال ابنُ مسعود: إنَّ الأمَّة الذي يعلّم النَّاس الخير، وإنَّ القانت هو المطيع.
ومريم بنت عمران، دعاها الله سبحانه بأن ..{ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ}. (آل عمران:43)، أي: أطيلي القيام في الصَّلاة لربك، والقنوت الطَّاعة، وقيل: القنوت طول القيام، ووصفها المولى عزّ وجل بأنّها .. {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} . (التحريم :12). فما أعظمها منزلة، منزلة القنوت لله سبحانه وتعالى ..
ونساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، جاء التوجيه الرّباني لهنّ.. {ومن يقنت منكن لله ورسوله} [الأحزاب/31]، فصفتا (نساء النبي)، و(أمهات المؤمنين)، تلزمهما بأن يكن ملتزمات بهذه الخصوصية فثواب الطاعة وجزاء المعصية عندهن يختلف عن غيرهن من النساء.
إنَّ تبعة الالتزام بتعاليم الدّين والانضواء تحت لواء الدّعوة الإسلامية تبعة عظيمة وجليلة، تترتب عليها واجبات ثقيلة، كي يستقيم العمل ويؤتي ثماره في النفس والأسرة والمجتمع
فالقنوت في اللغة أصله القيام، قاله الزَّجَّاج، ومنه الحديث: ((أفضلُ الصَّلاة طولُ القُنوت)).
وقيل: إنَّ أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء، ومن حيث كان أصل القنوت في اللغة الدوام على الشيء جاز أن يسمَّى المواظب على الطاعة قانتاً، وكذلك من أطال القيام والقراءة والدُّعاء في الصلاة، أو أطال الخشوع والسكوت، كلُّ هؤلاء فاعلون للقنوت.
والقنوت لزوم الطَّاعة مع الخضوع، قال قتادة : كلُّ قنوتٍ في القرآن طاعة، وفسّر بكلِّ واحد منهما في قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238]، وقوله تعالى: {كل له قانتون} [الروم : 26]، قيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون، ولم يعن به كل السكوت، وإنَّما عني به ما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((إنَّ هذه الصَّلاة لا يصّح فيها شيء من كلام الآدميين، إنَّما هي قرآن وتسبيح)). (شطر من حديث معاوية بن الحكم السلمي الطويل، وفيه: ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: (إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن...)) . (أخرجه مسلم في صحيحه).
وسئل الرّسول صلَّى الله عليه وسلّم: أيّ الصّلاة أفضل؟ فقال عليه الصّلاة والسّلام: ((طول القنوت)). (أخرجه مسلم في صحيحه)، أي: الاشتغال بالعبادة، ورفض كلّ ما سواه.
إنَّ تبعة الالتزام بتعاليم الدّين والانضواء تحت لواء الدّعوة الإسلامية تبعة عظيمة وجليلة، تترتب عليها واجبات ثقيلة، كي يستقيم العمل ويؤتي ثماره في النفس والأسرة والمجتمع، فمن واجبات هذه التبعة الثقيلة لزوم القنوت لله سبحانه الذي تنبع من معينه الأعمال الصَّالحة الموفقّة.