في يوم الرَّابع عشر من أكتوبر عام 1906 كان العالم على موعد مع ميلاد رجل قال عنه بعضُ العلماء: إنَّه ممَّن قال فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الله يبعث لهذه الأمَّة على رأس كلّ مئة سنةٍ من يجدِّد لها دينها ". إنَّه حسن أحمد عبد الرَّحمن محمد البنا السَّاعاتي، أو الإمام الشهيد حسن البنا .
أسَّس دعوة الإخوان المسلمين عام 1928 وقادها حتّى لاقى ربَّه عام 1949م، وخاض بها العديد من المعارك السياسية والدَّعوية ، و قد وجَّه أغلب نشاط الجماعة إلى ميدان القضية الوطنية المصرية والقضية الفلسطينية وبناء المجتمع المسلم ، فانتشرت منارات الدعوة في ربوع الأرض، فأحيت منهج الإسلام الوسطي، وخرجت بالناس من التدين الذي لا يغادر جدران المساجد إلى المعاملات والحركة مع المجتمع، وتقديم برامج لإدارة شؤون الحياة، فانتشر دعاة الإخوان في ربوع الأرض في أوربا، وأمريكا، وإفريقيا، وآسيا،وأستراليا، وبرز الكثير من أبنائها في كافة المجالات الحياتية بعد معاناة وملاحقات ومطاردات من قبل أنظمة حاربت بعضها المنهج الإسلامي وحاربتها أخرى خوفاً على كراسيها، إلى أن بدأت تأتي هذه الحركة ثمارها فانتشر التدين ومظاهره في كثير من بلادنا ، وشاركت الحركة الإسلامية في حكومات بعض البلدان مثل الأردن والجزائر، ووصلت إلى الحكم في غزة ، وأصبح أبناء الحركة في مصر وتونس بعد ثورات الربيع العربي على مشارف تشكيل الأغلبية في البرلمان .
المولد والنشأة ..
ولد الإمام الشهيد حسن البنا يوم الأحد 25 شعبان 1324هـ الموافق 14 أكتوبر 1906م ، بالمحمودية في محافظة البحيرة بمصر ، وكان الابن الأكبر لأبوين مصريين من قرية شمشيرة بندر فوه التابع لمحافظة كفر الشيخ حاليًا و هو الابن الأكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ، وذلك نظرًا لعمله في إصلاح السَّاعات ، وكان الشيخ أحمد عالمًا بالسنة ، فقد رتب معظم أسانيد الأئمة الأربعة علي أبواب الفقه ، وله مؤلفات في السنة منها " بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن " كما شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل وسمى الشرح " بلوغ الأماني من أسرار الفتح الباني " ، وقد كان الشيخ يعتبر نفسه من تلامذة الإمام محمد عبده ، وساهمت هذه البيئة العلمية في تشكيل هوية البنا وبنيته العلمية .
تعليمه :
بدأ الإمام الشهيد دراسته بالقرآن الكريم والثقافة الإسلامية، وقد شجعه على ذلك والده الذي عرف عنه التدين والتفقه في الدين وحرصه على تسليح أبنائه بهذا العلم، فقد أصرّ على أن يحفظ القرآن ، واستكمل له الكثير من جوانب الثقافة الإسلامية في سن مبكرة ، ثمَّ عهد به إلي الشيخ ( محمد زهران ).
يقول عبد الرَّحمن البنا " شقيق الشهيد " عن طفولة البنا : " كنا نعود من المكتب فتتلقفنا يد الوالد الكريم ، فتعدنا وتصنعنا ، وتحفظنا دروس السيرة النبوية المطهرة وأصول الفقه والنحو ، وكان له منهاج يدرسه لنا ، وكانت مكتبة الوالد تفيض بالكتب وتمتلئ بالمجلدات ، وكنا ندور عليها بأعيننا الصغيرة ، فتلمع أسماؤها بالذهب ، فنقرأ : النيسابوري، والقسطلاني، ونيل الأوطار، وكان يبيحها لنا ويشجعنا علي اقتحامها ، وكان أخي هو المجلي في الحلبة وفارس الميدان ، وكنت أحاول اللحاق به، ولكنَّه كان غير عادي، كان فرق السن بيننا سنتين، ولكنَّه لم يكن الفرق الحقيقي، بل فرق إرادة إلهية أعدته لأمر عظيم.
درس البنا في مدرسة الرشاد الدينية، ثمَّ المدرسة الإعدادية، ثمَّ مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور وشجعه علمه الغزير التقدم إلي دار العلوم العليا، ويقول الإمام الشهيد في ذلك : " هذه الثروة العلمية وجهت نظر بعض إخواننا الذين كانوا يعدون أنفسهم للتقدم إلي دار العلوم العليا في ذلك الوقت من مدرسي المدرسة الأولية الملحقة بالمعلمين إلي أن يعرضوا علي أن نذاكر معًا ونتقدم معًا إلي دار العلوم العليا.
زواج الإمام البنا :
كانت تعيش في محافظة الإسماعيلية وهي إحدى محافظات قناة السويس أسرة متوسطة الحال عرفت باسم " الصولي " ، وكانت هذه الأسرة من الأسر المتدينة بطبيعتها ومن يربون أولادهم علي الدين ، وكانت والدة البنا تزور هذه الأسرة ، فسمعت في إحدى ليالي زيارتها صوتًا جميلاً يتلو القرآن فسألت عن مصدر ذلك الصوت فقيل لها إنها فلانة تصلي ، فلما رجعت الأم إلي منزلها أخبرت نجلها بما كان في زيارتها وأومأت إلي أن مثل هذه الفتاة الصَّالحة جديرة أن تكون زوجة له، وبالفعل تزوّجها البنا ورافقته في السَّراء والضَّراء، وكانت خير عون في دعوته حتى لقي ربه شهيداً مظلومًا .