ما أروعَ الطاعة- بقلم:نضال العبّادي

الرئيسية » حصاد الفكر » ما أروعَ الطاعة- بقلم:نضال العبّادي
alt

أهم صفات الزوجة الصالحة التي يعتبر الزواج منها مكسباً وظفراً ومطلباً ونصراً وفوزاً وأجراً، الزوجة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالدين وبالخلق، واسمحوا لي أن أضع مجموعة من المعايير الدقيقة التي يمكن من خلالها قياس مستوى الدين والخلق؛ لتكون محددات واضحة وليس مجرد أوصاف فضفاضة، وأستأذنكم أيضاً بتسمية تلك المحددات والمعايير: 
                            (علامات الجودة الزوجية والأسرية)!

وقد ابتدأتُ تلك المعايير بأهم صفة أوجبتها الشرائع كلها على الزوجة -وخاصة الشريعة الإسلامية- وهي (الطاعة الزوجية)؛ لأنها من وجهة نظري تعتبر (العنوان الأبرز) و(المعيار الأدق) و(البوصلة الأتقن) و(المواصفة الأنجع) و(المقياس الأضبط) و(المؤشر المنضبط) لتحديد درجة صلاح الزوجة الديني وصلاحيتها الخُلقية، وتحديد مدى قدرتها على إسعاد الزوج وإنجاح الحياة الزوجية والأسرية، ولتقييم وتقويم مستوى السكينة والحب والمودة والرحمة: "إن المحب لمن يحب مطيع".

كل ذلك لأن مبدأ الطاعة في الحقيقة أهم المقومات الأسرية التي تميز الزوجة الصالحة عن الطالحة، فالطاعة رمز القناعة، وبلسم المناعة، وهي قلعة الأسرة، وحصنها الحصين، وذراعها المتين، وسياجها الأمين، وباختصار إن الطاعة: سعادة وعبادة، وسرور وحبور، وأمان وإحسان، وضمان واطمئنان، وأمن وإيمان، وإتقان وقوة بنيان، وحَنانٌ وجِنان، وجُنَّة وجَنَّة، واستقرار واستمرار، وارتباط وانضباط، واحترام والتزام، ونجاح وفلاح، وحياة ونجاة، وإرضاء للرحمن وإرغام للشيطان، وراحة دنيوية وجَنة سرمدية.

أما مقالي هذا فسيكون تمهيداً وتوطئةً بين يدي عدة مقالات -إن شاء الله- ضمن سلسلة أسميتها: (الطاعة الزوجية.. أمان وإيمان)، نقف فيه على شاطئ بعض الدلالات والمفاهيم اللغوية والشرعية لكلمة الطاعة، ثم نبحر بعد ذلك ونغوص للأعماق لنستخرج اللؤلؤ والمرجان، ونتعرف على مفاهيم وأحكام وضوابط ومحددات إضافية للطاعة الزوجية.

سياحةٌ لُغوية ودلالات شرعية واجتماعية:
سأبدأ جولتي من بساتين لغتنا العربية الفصيحة، ومصطلحاتنا الشرعية المليحة، التي رأيت ووجدت فيها العجب العجاب، الذي يُفرح ذوي الألباب، أثناء تحليقي في آفاق المعاجم لأتعرف على معاني وظلال تلك الكلمة العربية والقرآنية والنبوية الجميلة (طاعة) وأصلها ومشتقاتها، فماذا وجدت يا هل ترى؟!

لقد وجدت في تلك الحدائق الغَنَّاء أن (الطاعة) تكون غالباً استجابة وامتثالاً لأمر من جهة أعلى حبّاً ورغبة، ووجدتها تضم بين حروفها اللطيفة هذه المعاني والصفات: "الإعانة والليونة واللطافة والمرونة، والسلاسة والسهولة والسماحة، والسعة والترخص والفصاحة، والتشجيع والخضوع والاستجابة، والموافقة والانقياد والمتابعة، والائتمار والتواضع والانصياع والمسارعة، والتذلل والملازمة والصلة والدعاء، والتسليم والالتزام، والدخول تحت السيطرة والإمكان، بلا ترفع ولا تكبر ولا نشوز ولا تلكؤ، وبلا عصيان ولا ممانعة، وبلا تَعَالٍ ولا منازعة.. ولو بالتكلف".

ووجدت في تلك البساتين اليانعة أن (الطاعة) تكون عاجلة تلي سماع الأمر مباشرة، وهذا هو حال الصالحين والصالحات، يسمعون ويتلقون لينفذوا على الفور، ألم تلحظوا في كتاب الله تعالى كيف كانت الطاعة الممدوحة في المؤمنين هي تلك الطاعة العاجلة التي تلي سماع الأمر مباشرة، وذلك في عدد من آي القرآن: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة: 285، النساء:46، المائدة:7، النور:51]. وكذلك ألم تلحظوا أن الهداية والإيمان وردتا في أكثر من آية بعد السماع مباشرة.. جعلنا الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيؤمنون ويهتدون ويطيعون ويتبعون أحسنه.

ووجدت أن صفة (الطاعة) هي من أجمل الصفات التي يحبها الله في خلقه وأوليائه، ويحبها رسوله في أتباعه، ويحبها الراعي في رعيته، والمعلم في طلابه، والرجل في أزواجه، والوالد في أبنائه، والسيد في أرقائه.. وهكذا.

ووجدت أن من أروع أنواع (الطاعة) -بعد طاعة الله ورسوله والوالدين- طاعة المرأة لزوجها بعد زفافها، فطاعتها حينئذ لزوجها مقدمة على طاعتها لوالديها عند التعارض.

altوخلصت إلى أن البداية الصحيحة في مسيرة (الطاعة) تكون من عند الزوجة التي تطيع زوجها إكراماً واحتراماً وحبّاً وبرّاً.. فيحبها ويكرمها ويحسن صحبتها وعشرتها.. ثم يطيعهما أولادهما، وهذا يرضي الله ورسوله؛ فيكرم تلك الأسرة بشيوع السكينة والطمأنينة والخير والبركة والمحبة والمودة والفرح والمرح والهناء والرخاء، ويجلب لها المنافع ويدرأ عنها المفاسد، ثم يخرجون للمدرسة فيطيعون معلميهم، ثم للعمل فيطيعون صاحب العمل؛ فتسعد الأسرة ويسعد المجتمع بأسره في ظلال طاعة الله.

إن تلك المعاني الجميلة والصفات البديعة كلها متضمنة في كلمة واحدة بليغة فصيحة مليحة هي (الطاعة) تدل عليها جميعها، أرأيتم معي جمال وروعة لغتنا وشريعتنا التي اختصرت واختزلت معظم الخير في كلمة وصفة واحدة؟! سبحان الله العظيم!!

ردِّدوا كلمة: (طاعة) ومشتقاتها، وصفة: (طائع ومطيع ومطواع) و(طائعة ومطيعة ومطواعة) لتتذوقوا لذتها، وتشعروا ببهجتها.. فما أجمل وأروع وأبدع تلك الأوصاف الظراف! ليس أجمل منها إلا الاتصاف بها.. هل تذوقتم معي ما أجملها وأروعها وأبلغها وأفصحها وأشملها؟! ثم هل أدركتم الحكمة والسر من وراء استعمال تلك المفردة في الكتاب والسنة لتدل على الأعمال الصالحة، وعلى المعروف والخير المأمور بهما، وعلى الزوجة المرضية لزوجها؟!

بعد ذلك كله ألا يحق لهذه الحروف الأربعة اللطيفة (طاعة) أن تتيه وتزدهي فخراً وتباهياً وجمالاً وتسامياً؛ لأن ذلك الخير كله مجموع في ثناياها، كيف لا وليس في مقابلها إلا المعصية والخسران؟! فيا هل ترى هل نمتثل نحن ما حوته (الطاعة) من صفات؟!

وفي المقابل -ولأنه بأضدادها تتميز الأشياء- أظنكم عرفتم أن عكس (الطاعة) لا يكون إلا (المعصية)، التي جعلها الله كلمة قبيحة قميئة جامعة لمعاني الشر من منكر ومكروه وعمل طالح، شمل الكفر الذي هو إما تكبر على الطاعة أو اجتنابها، أو استحلال للمعصية أو ارتكابها، فما أقبح وأبشع وأشنع كلمة: (عاص أو عاصية)! ولفظة: (كَرْه ومكروه ومكروهة)!
لأنهما يقابلان الطاعة ويضادانها في المعنى، وكلاهما عكس (الطاعة)، بدليل: {اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} [فصلت:11].

مَن مِنَ الزوجات تحب أن تكون زوجة غير صالحة وزوجة غير مطيعة؟! ومَنْ مِنَ الأزواج يحب الزوجة العاصية؟! ومن منكن أخواتي ترضى الفتاة العاصية زوجة لابنها أو لأخيها أو لعزيز عليها؟! ثم مَنْ مِنَّا يحب أو يتمنى أو يرضى أن يكون أولاده غير مطيعين له؟! ثم أليس الأبناء غير المطيعين هم مصدر همٍّ وغمٍّ وقلق وحزن ومرض لوالديهم ثم لجيرانهم ثم لمعلميهم ثم لرؤسائهم؟! أليس العالم كله قد فطر على كراهية مثل هؤلاء الأبناء الذين هم في الغالب حصاد سوء اختيار من أب مقصر ومشغول وأُمٍّ ناشز غير مواتية ولا طائعة ولا مطواعة؟! أليس هؤلاء الزوجات والأبناء الفاسدون هم الذين تتفطر بسببهم القلوب وتدمى العيون وتتقرح الجفون؟! ألا يحق لنا الاستعاذة من مثلهم، وقد رُوي في الأثر أن سيدنا داود عليه السلام كان يستعيذ من زوجة تشيبه قبل المشيب، ومن ولد يكون سيداً عليه.

وحتى لا نُبتلى بمثلهم؛ فلنحسن اختيار أزواجنا، ثم لِنَدْعُ ربنا بدعاء عباد الرحمن في أواخر سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74]. إماماً: أي قدوة للمتقين وأسوة، حتى يكرمنا بأزواج وأبناء صالحين طائعين تقر بهم عيوننا؛ أي تكون في سعادة ورضا ورغد وفرح وطيب وسرور. وأصل كلمة (قُرَّةَ) لغةً مأخوذ من: القر، وهو البرد، وعكسها الحر، وصيغة: (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) تدل في أصل استعمالها على تلك الدموع الباردة التي تذرفها العين فرحاً وسروراً.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

القوة النّاعمة كيفَ يُمكن أن تغيّر العالم؟

إنّ البحث عن الوفاق العالمي والتقارب بين الشّعوب ليس أمرا جديدا في عالم الدبلوماسيّة والعلاقات …